رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

نقاد وأدباء يتحدثون عن حضورها السخى على هامش قمة المناخ
ظلال البيئة.. حاضنة الإبداع والثقافة

تحقيق ــ صبرى الموجى
سامح الجباس - د.عايدى على

  • د. عايدى: الأدب الفرعونى اهتم بها وحذر من تلويث النيل
  • الجباس : الإنسان بلا معنى إذا افتقد المكان
  • عمران: تغيرات البيئة انعكست فى تطور الشعر
  • د. إبراهيم: المبدعون تأثروا بفكرة قرب نهاية العالم

 

 يُعد المكان أحد العناصر الرئيسة فى تشكيل البيئة المادية بجانب الماء والهواء، الذى ينعقد حوله بمصر حاليا مؤتمرٌ ترنو إليه أنظار العالم بهدف الوصول لنتائج تحُد من تأثير النشاط البشرى على المُناخ .وتلعب البيئة أو المكان دورا كبيرا فى الإبداع، فهى إما أن تكون داعما ومُحفزا له، وإما أن تكون مقوضا ومعوقا، إذ يشكل المكان مساحة تُبرز تيارا فكريا يتجذر فى كيان المبدع، وهو ما يتضح فى أدب كاتبنا الكبير نجيب محفوظ، الذى صنع من الحارة استوديو شبيها باستوديوهات السينما، تتغير فيه الشخصيات والديكور. وإلى جانب محفوظ شغف بالمكان آخرون مثل شوقى والعقاد، ومطران، وشعراء أبولُّو، ومحمود درويش، الذى تعكس أشعارُه علاقة متينة بالمكان.. وبمناسبة انعقاد مؤتمر شرم الشيخ العالمى عن المناخ الذى يساهم فى صنع المكان وتحديدا أمنا الأرض البيئة الحاضنة للإبداع والثقافة نتحدث فى سطور هذا التحقيق .

  فى البداية يؤكد د. عايدى على جُمعة أستاذ الأدب والنقد بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب أن البيئة تلعب دورا هائلا فى حياة الإنسان عموما، والشاعر خصوصا، فالإنسان هو ابنُ بيئته، يتفاعلُ معها وتتفاعل معه، ومن ثم يجب توفير البيئات المناسبة للمبدع باعتباره ضميرَ أمته.  

 ويُضيف: اللافت أن الأدب الفرعونى القديم اهتم بالبيئة اهتماما واضحا، يتضحُ هذا فى عبارة للمُتوفَي، وهو فى محكمة الخلود تقول: «أنا لم أُلوث ماء النهر»، كما كانت البيئةُ حاضرة وبقوة فى الأدب الجاهلى شعرا ونثرا، بل إن الخلودَ اللافت لهذا الأدب - من وجهة نظرى - يعود فى الجانب الأكبر منه إلى ذلك التفاعل الخلَّاق بين الأدب الجاهلى خصوصا الشعر منه من ناحية، وبين بيئته من ناحية أخري .

 ويستطرد قائلا : ففى الشعر الجاهلى يفتنُنى هذا التفاعلُ الخلَّاق بين الشاعر الجاهلى من ناحية، وكائنات بيئته من ناحية أخري، وقدرته البصرية الهائلة، واستغلال هذه القدرة فى تشعير واقعه . فالشاعرُ الجاهلى أحب بيئته بحق، وتغنَّى بمظاهرها فى وجد، ومهما تكن بعضُ مظاهرها قد تُثير التعجب عندنا، فإنه استطاع أن يجعلها مليئة بنبض الشعر الخلاق، فتغنى بالخيمة والفرس والسيف والحبل والدلو والحُمر الوحشية، وغنى لأشجار البان والشيح والعرار وكثبان الرمل، كما غنَّى للأطلال والديار، وهنا أؤكد أنه تحققتْ فى الشعر الجاهلى سمتان فى غاية الأهمية: الأولى هى حضورُ المكان بقوة فيه والثانية حضور الزمان الذى قيل فيه.

  ويختم د. عايدي: وإذا كان الشاعر الإنجليزى الشهير ت . س إليوت يرى أن الشعر هو أن يمسك الشاعر بتلابيب لحظة، وأن يهبها الأبدية فإن الشاعر الجاهلى قد قَبض بيديه على بيئته وحضورها فى زمنه واستطاع أن يجعلها خالدة.

 المكان هو البطل

 ومن ناحيته يعتبر الروائى سامح الجباس أن المكان والإنسان هما البطلان الرئيسيان لرواياته، فالزمن هو الملعب الذى تجرى فيه أحداثُ الرواية سواء الماضى أو الحاضر، ويُلاحَظ أن المكان يُؤثر فى الإنسان، كما يؤثر الإنسان فيه، فالإنسان بلا مكان يصبح بلا معني، وبلا تاريخ، والمكان عندى يحكى بلسان شوارعه ومبانيه، وجدرانه، وأسواره.

 وعن شغفه بالمكان يقول : أنا أُقيم فى بورسعيد؛ لأنى أراها تصلح لإغراء الوحى الإبداعي، وأعتقدُ أن القاهرة تصلح للعمل أكثر منها للحياة، فهدوء، وصغر بورسعيد مع اتساع البحر الذى يبدو بلا حدود أمامها، يُطلِق العنان للأفكار والخيال، وهو ما يتضح فى روايتيِّ «حى الإفرنج»، و«بورتو سعيد» إذ كان المكان - وهو مدينة بورسعيد الباسلة بشوارعها ومبانيها القديمة، وبالبحر وناسه مثل الصيادين والبمبوطية، وأيضا شوارع المدينة التجارية ، وأصحاب المحال، والمشترين، والشتاء بنوَّاته المُخيفة - هو البطل الرئيسى للروايتين .

ويضيف: أما فى رواية «نادى النيل الأسود السري» فكان المكان مختلفا، إذ كنتُ أغوصُ فى قلب القاهرة التاريخية والشعبية، أتأمل بعينى وقلبي، وكنتُ أتلمسُ جدرانَ البيوت القديمة؛ لأشعرَ بتاريخها، فكتبت عن شوارع وعمارات «وسط البلد»، وكان النيل ومراسيه وشاطئه هو البطل الأول فى الرواية.

ويختم الجباس : كانت بيئة القاهرة تؤثر فى شخصيات الرواية، فى أفكارهم، مخاوفهم، طموحهم، حتى فى ملامحهم والمهن التى يعملون بها، كما كان المناخ  - الحار جدا والجاف جدا - فى الصيف عاملا مُؤثرا على الحالة النفسية لبعض شخصيات الرواية، التى تشعر مع زحام القاهرة الضاغط أنها تتوق إلى مكان آخر، وربما إلى استعادة زمن آخر كانت فيه القاهرة واحدة من أجمل مدن الشرق، وقبلة الأوروبيين ليس فقط من أجل السياحة، بل من أجل إقامة دائمة .  


على عمران - د. أحمد إبراهيم

 الفنون صدى الواقع

ومن جانبه أكد الشاعر على عمران أن الإبداع والمبدع هما نتاجُ البيئة المحيطة بهما، فكلُّ الفنون كانت صدى للواقع الذى خرجتْ منه ولو أخذنا فن الشعر مثالا على ما نقول فسنجد أن الشعر العربى منذ اللقطة الأولى له كان تعبيرا عن البيئة التى خرج منها، فالشاعر الجاهلى وصف كل ما يُحيط به من الصحراء التى يعيش فيها إلى الناقة التى تحمله إلى الخيام التى يسكنها إلى الوديان والسهول والنجاد، ولم يقف الشاعر عند الوصف الظاهرى للأشياء بل جرَّد من الكائنات حوله إنسانا يُخاطبه، ويبثُه شكواه فتوحَّد مع الطبيعة بل جعل الحيوانات أيضا تتوحَّد معه ومع حالته، وهو ما أكده المُنخّل اليشكُرى فى قوله :

وأُحبها وتُحبُّني  ...  ويحبُّ ناقتَها بعيرِي، إذ يكشف مشاركة الحيوانات لحالة الحب التى يعيشها مع حبيبته .

 ويضيف: وعندما اتّسعتْ الدنيا على الشاعر وظهرت مُفردات جديدة لم يكن يعرفها فى حياته الجاهلية، وصف الشاعر حياة اللهو والجوارى والغلمان والشراب فى قصور الخلفاء، فجاء شعرُه تعبيرا عن تلك البيئة الجديدة فى العصر العباسي .

ومع انتقال العرب إلى الأندلس ورؤية عوالم أكثر جمالا وطبيعة أكثر اختلافا جاء وصفُه مناسبا لتلك البيئة من وصفِ الورود والأنهار، والروابى المحيطة به، وجاء وصفُه أكثر رقة وجمالا لأن الشعر هنا كان محاكاة للطبيعة الجميلة التى يعيشها الشاعر، وهو ما يتضح فى قول ابن خفاجة الأندلسى فى وصف نهر :  

للهِ نهرٌ سالَ فـــى بَطحـــــاءِ ... أَشهى وُرودًا مِن لَمَى الحَسناءِ

 ويتابع قائلا : وفى العصر الحديث نجد أن الوصف عند البارودى مثلا كان أغلبُه وصفا للمعارك والحروب التى خاضها فى ظل الدولة العثمانية، ومع الجيش المصرى بصفته ضابطا مرموقا فى الجيش فظهر تأثره بالبيئة المحيطة فى تعبيراته وأسلوبه ومُعجمه المتصل دائما بكلمات الحرب والقتال والنصر والقوة والبطولة .

 ويختم عمران: كما تجلّى أثرُ البيئة بوضوح عند أمير الشعراء أحمد شوقى فى فترة ارتباطه بالقصر، وعندما نُفِى إلى الأندلس توحَّد مع الطبيعة والبيئة المحيطة به فناجى الحمام وبثه شكواه، وخاطب السفينة عند عودته من المنفي، وأشاد بأول حكومة وطنية شكلها زعيم الأمة سعد زغلول .

 التلوث يُهدد العالم

ومن ناحيته يشير د. أحمد إبراهيم أكاديمى متخصص فى النقد البيئى إلى أن البيئة والمكان مُصطلحان متطابقان، يُطلقان على مجموع الأشياء والظواهر المحيطة بالفرد المؤثرة فيه .

ويلفت د. أحمد إلى أنه فى الآونة الأخيرة، وتحديدًا خلال الثلث الأخير من القرن العشرين، أصبحت البيئة تحتلُ الصفحات الأولى فى الأخبار، فقد أدى الاستغلال المُفرط  للموارد الطبيعية، وإهمال الإنسان للهواء والماء والتربة إلى ظهور مُشكلتيِّ بقاء الإنسان وبقاء الكوكب (الأرض)، وساد الاحتمالُ والتكهن بقرب نهاية العالم، ذلك بسبب كارثة بيئية غير مقصودة، كما زاد الاهتمامُ العالمى بمشكلات البيئة؛ فقد كان التقدمُ يمثل مشكلة متزايدة بشأن الصناعة الحديثة، وعدم قدرة المجتمع على إدارة مُخلفاته البيئية، وزاد من صعوبة الموقف وتفاقمه أن تلك المخاطر ليس محميًّا منها مجتمعٌ دون آخر أو طبقة دون غيرها إنما خطرُها يعُم .

 وعن تأثر المبدعين بخطورة تلوث البيئة، وتضامنهم مع ضرورة الحفاظ عليها يلفت د. أحمد إلى أن المؤلفة الأمريكية (راشيل كارسون) دشَّنت بروايتها (الربيع الصامت) لمفهوم النقد البيئي، وهى رواية  تُناهض وجود المادة السامة، التى تتسبب فى قتل العصافير، وإضعاف بَيُوضِها، وتُظهر العداء الذى يمارسُه البشرُ ضد الطبيعة !

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق