رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المسئولية الطبية والقضاء والقدر

انتقلت لجنة المناقشة التى رأسها مفتى الديار المصرية من حقل ألغام إلى عش الدبابير.. فالرسالة العلمية التى أعدها طالب الماجستير الحالى بمعهد الدراسات الاسلامية الدكتور محمد أسامة طه رئيس معهد القلب السابق كان موضوعها: القضاء والقدر فى الشريعة الإسلامية والطب المعاصر، وحينما شرح الباحث مفهومه عن القضاء والقدر واجه اتهاما من المناقش رئيس قسم جراحة القلب بقصر العينى الدكتور محمد عبد الغنى بأنه يقدم شماعة للتستر على أخطاء الاطباء، وسأل الباحث صراحة من يحاسب الطبيب المخطئ.. هل نتركه للقضاء والقدر أم يطبق عليه قانون محاسبة الأطباء؟

‎فشرح الباحث مفهومه عن القضاء والقدر، وقال: لابد ان نفرق بين مفهوم «القدر» وهو الإيجاد والخلق وهو بيد الله، فخلق الله الإنسان والطيور والحيوانات كما خلق الميكروبات والفيروسات وغيرها، والقدر موجود فى كل مراحل الكون من الذر إلى الخلق والحساب والشهادة، أما «القضاء» فهو منطقة تدافع وتقاطع وتفاعل دوائر كل مخلوق مع الآخرين، وهو مسئولية المخلوق ويحاسب عليه من النية والإرادة والعمل وردود أفعاله حتى دفع الله البلاء أو وقوع الابتلاء وفقا لقدر الله، و«القدر» جبرى، اما «القضاء» جزئى لكل حالة حكمها وهو يتأثر بالدعاء والمشيئة والعمل والإخلاص فيه، وشبه الباحث تكامل العلاقة، بجهاز الكمبيوتر، فالجهاز المعدنى الخارجى يشبه «القدر»، أما البرامج الداخلية والتطبيقات - السوفت وير - فهو «القضاء»، والطبيب مثلا يحاسب على ردود أفعاله وتصرفاته وخبرته وأمانته داخل دائرة عمله، لكن هذا الحساب ليس مطلقا فهو ينتهى بحكم الله على المريض بالموت أو الشفاء وليست مسئولية الطبيب، و«القضاء والقدر» بهذا التكامل يمثلان علم إدارة الله لهذا الكون.

‎عند هذه النقطة بالذات توقف الدكتور محمد عبدالغنى، وقال: لكن لابد من الفصل بين الخطأ الطبى الذى يجب أن يحاسب عليه طبيب وبين القضاء والقدر والمشيئة الإلهية التى لا يعلمها احد، ويؤيده فى تساؤله الدكتور خيرى عبدالدايم نقيب الأطباء السابق: كيف نعلق أخطاء الطبيب على شماعة القضاء والقدر؟!.

‎ويتكهرب النقاش ويطلب الحضور رأى فضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور شوقى علام رئيس لجنة المناقشة فيستجيب ويقول: أى إنسان يحاسب على اختياراته وقراراته والأعمال الواقعة تحت سيطرته، وهناك أمور جبرية ليس فيها اختيار للإنسان مثل وقوع زلزال، والإنسان ملتزم بالسعى المخلص للنجاة بقدر علمه وخبرته وضميره وليس ملتزما بتحقيق النتيجة، وهناك مسئولية مدنية للأخذ بالأسباب ونترك النتائج لله عز وجل.

‎ويقسم فضيلة المفتى الأعمال إلى ثلاثة أقسام، أعمال واقعة عن العبد، وأعمال واقعة فى العبد، وأعمال واقعة على العبد، فما يقع أو مفروض عليه وما يجرى فى داخله من حركة المعدة ونبضات القلب، لا يحاسب عليها أما مايصدر عنه من أفعال فيحاسب عليه!.

‎ويؤكد فضيلة المفتى أهمية الإيمان ويقول: المريض المتدين يكون عنده سرعة فى الشفاء أسرع من الملحد الذى لا يعتقد فى وجود الله ولا توجد عنده ثقة بأن الله معه يساعده إذا اتخذ طريق العلاج واستجاب لنصائح الأطباء، لكن يجب ألا تغفل الأسباب ولو قارنت بين متوسط الأعمار سنة 1950 مثلا والآن ستجد هناك تقدم فى العمر بسبب الرعاية الصحية التى توفرها الدولة للأفراد للأخذ بالأسباب، فالإيمان عامل مساعد قوى لكن إذ لم تعالج الأمراض ستكون النتائج سلبية على المؤمن وغير المؤمن، نحن نحتاج إلى التلاحم الثقافى فيما بيننا وبين الأمم الأخرى فى الأخذ بالأسباب، ويحضرنى موقف سيدنا عمر حين وقع الوباء بأرض الشام، وكانت جيوشه فى الطريق لفتحها وبعد أن انقسم المهاجرون والأنصار والخبراء فى أمر دخولها أمر بالرجوع عنها فقيل له: أتفر من قدر الله يا عمر.. قال: أفر من قدر الله إلى قدر الله!.

‎وحين أجمع المناقشون على أن هذا البحث يجب أن يؤدى إلى تطبيق قوانين العمل الطبى، أدركت أنها فرصة أن نستعجل صدور قانون المسئولية الطبية الذى دخل حالة الجدل منذ عام 2010 بسبب اختلاف الأطباء على دور اللجنة التى تقرر حبس الطبيب ومن يدفع غرامة الخطأ؟ وقال الدكتور حمدى السيد نقيب الأطباء فى مجلس الشعب وقتها: لوحبسنا كل طبيب بسبب شكوى مريض فسنحبس كل الأطباء، وعلى الحكومة أن تؤمن على الأطباء ضد الأخطاء الطبية، فردت حكومة ذلك الزمان: لو دفعنا تأمين نيابة عن كل طبيب أخطأ فالبلد سوف تشحت، فانحشر القانون فى الأدراج حتى أخرجه مجلس نواب «مصر الجديدة» وتمت مناقشته فعلا، وننتظر الإفراج عنه ليكون فى مصلحة المواطن أولا، ومصلحة مدرسة التشريع، ومدرسة الإفتاء، ومدرسة الطب المصرية العريقة المشهود لها بالكفاءة قضاء وقدراً وبشهادة العالم كله.


لمزيد من مقالات ◀ أنور عبداللطيف

رابط دائم: