رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مؤتمر المناخ والتزامات الدول الكبرى

فى الشهر المقبل - نوفمبر 2022 - تستضيف مصر الدورة السابعة والعشرين لقمة الأمم المتحدة للمناخ (COP27) ممثلة للقارة الإفريقية, ومنذ الإعلان، العام الماضي، عن استضافة مصر لهذه القمة تعمل الحكومة المصرية على قدم وساق لتحقيق الاستفادة القصوى من تنظيم هذا الحدث العالمى المهم على أراضيها. ومع ذلك يجب أن تحرص مصر، فى ضوء استضافتها للمؤتمر، على طرح الشواغل المصرية والعربية والإفريقية فيما يخص ظاهرة تغير المناخ فى مقدمة الموضوعات التى سيعالجها المؤتمر.

إن ما نلاحظه خلال العقود الأخيرة من تغير المناخ وتأثيراته الكارثية أصبح أمرا لا يمكن إنكاره. فدرجات الحرارة فى العقد الأخير هى الأعلى منذ مئات الآلاف من السنين، وذلك وفقًا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة، واستمرار الوضع على ما وصلنا إليه خلال العقد الماضى يهدد إمدادات الغذاء والأمن القومى للعديد من دول العالم خاصة الدول الفقيرة والناشئة. والأدهى والأمر أن المحيطات والبحار تمتص معظم الحرارة التى ينتجها النشاط الإنساني، وهو ما يؤثر على الكائنات التى تعيش فى المياه، وخاصة الشعاب المرجانية، وهو ما يهدد بكل تأكيد التوازن البيئى والثروة السمكية ويؤثر على ثراء التنوع البيولوجى الذى يضمن استقرار الكائنات الحية وسلاسل الغذاء. والملاحظ أيضا فى معظم الدراسات البيئية أن مستوى ثانى أكسيد الكربون أصبح الآن فى أعلى مستوياته منذ ملايين السنين . كما أنه من المؤكد أن كوكب الأرض يفقد أكثر من تريليون طن من الجليد كل عام، وهذه الكمية من الجليد المذاب تؤدى إلى ارتفاع مستوى المياه فى المحيطات والبحار وتهدد العديد من المدن الساحلية حول العالم بالغرق. وأيضا فإن تلوث الهواء المرتبط بأنشطة الإنسان الصناعية يتسبب فى مقتل ملايين البشر سنويًا.

وتؤكد الدراسات الاقتصادية المرتبطة بتغير المناخ أن العالم فقد أكثر من 300 مليار ساعة عمل بسبب الحرارة الزائدة فى عام 2019 وحده. وفى بحث حديث منشور فى المجلة الدولية المشهورة The Lancet أثبت الباحثون أن عدد ساعات العمل المفقودة بسبب الحرارة فى جميع أنحاء العالم زادت من 199 مليارا فى عام 2000 إلى 295 مليارا فى عام 2020. فالعمل فى الهواء الطلق أثناء النهار يصعب تحمله، والمتأثر الأكبر غالبًا هم العاملون فى المناطق والمهن ذات الدخل المنخفض، خاصة الزراعة، والدول الأكثر تضررا من هذا هى دول الجنوب بطبيعة الحال. وتشمل الخسائر المحتملة جراء ذلك فساد المحاصيل الزراعية ، وانتشار البعوض الحامل للأمراض، وزيادة الحاجة إلى أجهزة تكييف الهواء مع استهلاك الطاقة المصاحب لها وما يرتبط بذلك من تكاليف مادية وصحية وبيئية، إلى جانب التهديدات الكبيرة التى تواجهها بسبب أحداث المناخ المتطرفة كالأعاصير والسيول والفيضانات وما ينتج عن ذلك من ضحايا وتكاليف اقتصادية ضخمة تتحملها اقتصادات ضعيفة وهشة بالفعل.

وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من الدول الإفريقية والعربية- ومن بينها مصر- هى الأكثر تضررا من التغير المناخى إلا أنها كانت الأقل إسهاما فى الانبعاثات الضارة التى تسببت فى تغير المناخ. فعلى سبيل المثال فإن القارة السمراء تسهم بـ4% فقط من الانبعاثات المسببة لتغير المناخ فى حين تسهم القارات الأخرى بنسب تزيد على ذلك كثيرا، وبكل تأكيد فإن قارتى أوروبا وأمريكا وبعض دول شرق آسيا هى المتسبب الأول فى التغيرات المناخية التى ضربت كل دول العالم وذلك من حيث مساهمتها الضخمة فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى على اختلاف أنواعها. ولهذا فإن الدول الكبرى ملزمة بتخصيص النفقات اللازمة لمواجهة ظاهرة تغير المناخ والحد من آثارها ، لأنها هى المتسبب الأكبر فى الظاهرة. ووفقا لاتفاق باريس, فإن على العالم تخصيص 100 مليار دولار سنويا على الأقل لخدمة جهود التخفيف والتكيف ضد التغيرات المناخية، وعلى الدول الصناعية الكبرى تعويض الدول الأخرى لحمايتها من تبعات تغير المناخ المحتملة وأيضا حماية نفسها، وأن يكون توفير تلك الالتزامات سريعا ومرنا.

إن أهم مؤشرات نجاح المؤتمر القادم هو قدرته على إقناع الدول الكبرى بأن الخسائر المستقبلية التى سيواجهها العالم حال عدم تسريع آلية توفير الالتزامات المادية الخاصة بجهود التخفيف والتكيف للتعامل بقوة وجدية مع ظاهرة تغير المناخ سيؤدى إلى خسائر باهظة لن يستطيع العالم تحملها، فالمتوقع أن يؤدى تغير المناخ إلى تكلفة العالم ما بين 11 إلى 14٪ من الناتج المحلى الإجمالى العالمى بحلول 2050. والمبلغ المطلوب تخصيصه سنويا هو أقل تكلفة بكثير من هذا، حيث إنه سيمثل نسبة تكلفة من الناتج المحلى الإجمالى العالمى أقل كثيرا من 1٪ بدلا من 14 % فى حال عدم التدخل. ومن هنا فقمة المناخ السابعة والعشرون هى فعالية لاختبار سرعة وجدية تنفيذ الالتزامات وتسريع وتيرة المواجهة، لكن تلك السرعة لابد وأن تضمن ما يسمى بالانتقال العادل والمستدام للاقتصادات الهشة، فتخلص الدول الكبرى من مسئولية أثرها البيئى بحشد الأموال وتسريع الجهود لابد وأن يضع فى اعتباره وتيرة تغير الاقتصادات الهشة حتى لا تنهار أو تخرج من المنافسة على أثر التحول السريع نحو الاقتصاد الأخضر أو الاستدامة البيئية.

ولهذا فمهمات قمة شرم الشيخ كثيرة ومترابطة، تسريع توفير الالتزامات المالية أولا، تكثيف جهود التحول نحو الحياد المناخى ذى الصفر انبعاثات، مع الوضع فى الاعتبار الانتقال العادل والمستدام للاقتصادات الهشة وحماية الفئات الاجتماعية الضعيفة، فسؤال المناخ هو سؤال العلم والاقتصاد والعدالة.


لمزيد من مقالات د. محمود السعيد

رابط دائم: