رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

توفير الأسمدة يقلل استيراد الغذاء

يعتمد إنتاج الغذاء على مدى خصوبة التربة وتوافر العناصر الغذائية للنباتات النامية خاصة فى ظل التقدم التكنولوجى وإنتاج التقاوى والأشجار العالية الإنتاجية والتى تسحب بشراهة من خصوبة التربة لملاحقة تغذية محصولها المرتفع. العنصر الأهم والأكثر استهلاكا من جميع المحاصيل والأشجار والأعلاف وهو عنصر النتروجين الذى لا توجد فى الترب الزراعية ولا يوجد أى مكون فى الترب الزراعية تحتوى عليه. ومع الثورة الصناعية بدأ إنتاج الأسمدة الكيميائية ومنها الأسمدة النتروجينية السريعة الذوبان والتى لا تحتاج وقتا للتحلل فى التربة كما فى السباخ وبمجرد إضافتها يأخذها النبات فورا ويزدهر وينمو ويزّهر ويثمر، لذلك فهذا النوع فقط من الأسمدة الكيميائية هو الذى أطلق عليه الفلاح اسم الكيماوى أى الأسمدة النتروجينية ولا يطلق على أى نوع آخر من الأسمدة الفوسفاتية أو البوتاسية وغيرها. ولذلك فعندما يشكو الفلاح من نقص الكيماوى فهى يعنى نقص السماد النتروجينى السريع الامتصاص ومحور حياة النبات ومحصوله دون غيره والذى يتحتم إضافته خارجيا مع كل زرعة. أشارت تقارير لمنظمة الأغذية والزراعة أن توافر الأسمدة الكيميائية للمزارعين وبأسعار فى قدراتهم لهو فى مصلحة الدول النامية المستوردة لأغلب غذائها أكثر مما هو فى صالح المزارعين. فعند عدم توافر الأسمدة أو ارتفاع أسعارها واضطرار الفلاح إلى إضافة نصف الكمية المفترض إضافتها من الأسمدة النتروجينية فإن المحصول ينقص بنسبة 30%، وعند عدم إضافة الأسمدة كليا فإن المحصول يتراجع بنسبة 50%، وفى كلتا الحالتين فإن الدول الفقيرة سوف تضطر إلى زيادة وارداتها من الأغذية التى كانت تنتجها لو وفرت السماد، وبنسب ستصل إلى 50% بما يضغط على مواردها من العملات الأجنبية ويرفع أسعار السلع فى الأسواق المحلية بسبب تكاليف الشحن البحرى والتفريغ فى الموانى والنقل الداخلى والتخزين وغيرها، ولذلك فمن الأفضل للدول المستوردة لنسب كبيرة من غذائها أن تهتم قبل كل شىء بتوفير الأسمدة النتروجينية لمزارعيها وبالكميات الموصى بها لزيادة إنتاجها من الغذاء وتقليل وارداتها بالعملات الأجنبية وتحسين ميزانها التجاري. ولهذا السبب ومع اندلاع الأزمة الأوكرانية سافر رئيس الاتحاد الافريقى إلى روسيا وطلب من الرئيس بوتين بإيجاد حلول عاجلة لإعادة تصدير روسيا للأسمدة النتروجينية إلى الدول الإفريقية الفقيرة والتى لا تتحمل تراجع إنتاجها من الغذاء بما يضطرها إلى زيادة وارداتها الغذائية فى وقت اشتعال أسعار الغذاء عالميا ومعه مضاعفة أسعار الشحن البحرى بسبب ارتفاع أسعار البترول، حيث تتحكم روسيا وحدها فى تصدير نحو 17% من إجمالى صادرات الأسمدة فى العالم، و40% من صادرات الغاز لأوروبا والمستخدم فى إنتاج الأسمدة. وعلى الرغم من تميز مصر فى إنتاج الأسمدة النتروجينية ووجود وفرة تصديرية، واتفاق وزارة الزراعة مع مصانع الأسمدة على توريد نحو نصف إنتاجها من الأسمدة للوزارة لمصلحة الفلاحين وتصدير النصف الآخر، إلا أن أغلب المصانع تنظر إلى أرباحها من التصدير والتى تفوق مثيلاتها من البيع محليا، متناسية أن المبدأ هو تصدير الفائض عن احتياجات السوق المصرية وليس تصدير الإنتاج كاملا سواء بالتحايل وتصدير مكونات تصنيع الأسمدة من الأمونيا السائلة والتى يحتاجها الغرب بشدة سواء لإنتاج الأسمدة أو لإنتاج البلاستيك معتبرة أن هذه ليست أسمدة من تلك المحظور تصديرها إلا بتصريح. فتصدير كامل إنتاج الأسمدة لبعض المصانع بما فيها مصانع المناطق الحرة يعتبر استنزافا لموارد الدولة من غاز وكهرباء وخامات دون عائد على الدولة ولا يسمى ذلك استثمارا بل استغلال. وعندما تخرج تصريحات مسئول فى وزارة الزراعة بوجود عجز حالى 60% من احتياجات أسمدة المزارعين للموسم الصيفى الحالى والذى يضم الذرة وبذور زيوت دوار الشمس وفول الصويا والقطن والأرز، وأيضا للموسم الشتوى والذى أصبح على الأبواب والذى يضم القمح والشعير والبرسيم والفول والعدس وبنجر السكر والبطاطس والبصل والطماطم وغيرها، فإن هذا يعنى تراجعا كبيرا فى إنتاجنا الزراعى وبالتالى زيادة وارداتنا من هذه الحاصلات وبالعملات الأجنبية وبمبالغ تفوق ماحصلنا عليه من تصدير الأسمدة، خاصة مع احتمالات اختناق السوق العالمية للغذاء وفرض حظر على تصدير الحبوب والزيوت. فهل من مصلحة مصر توفير الأسمدة للداخل أولا لزيادة إنتاجنا من الغذاء أم تشجيع تصدير الأسمدة للحصول على عملة أجنبية سريعة وهى نظرة غير صائبة، حيث يعود العائد على شركات الأسمدة فقط بينما تتحمل خزينة الدولة مبالغ أكبر ينبغى تدبيرها لاستيراد المزيد من الغذاء بسبب تراجع الإنتاج وأخرى لتدبير الارتفاع المتوالى فى أسعار الغذاء وفى أسعار الوقود والطاقة حيث تمثل الطاقة نحو 30% من تكاليف إنتاج الغذاء. ولأن الكيماوى هو رغيف خبز الزرع والفلاح فينبغى للدولة عدم تطبيق زيادات أسعار الغاز على مصانع الأسمدة حفاظا على أسعارها فى متناول جميع المزارعين. مصر ستتكلف فروق أسعار فى زيادة استيرادها للغذاء بسبب نقص الأسمدة بمبالغ أكبر كثيرا من عائدات تصدير الأسمدة، وعلينا أن نحسم الأمر، هل نوفر عملات كثيرة من استيراد الغذاء بإضافة كامل كمية الأسمدة الموصى بها، أم نربح مبالغ أقل من تصدير معظم إنتاجنا من الأسمدة وليس الفائض عن احتياجات إنتاجنا للغذاء مع تدهور إنتاجيتنا وعدم الحفاظ على خصوبة وصحة الأراضى الزراعية المصرية.

> كلية الزراعة جامعة القاهرة


لمزيد من مقالات ◀ د. نادر نور الدين

رابط دائم: