لشهر أكتوبر فى قلوب المصريين والعرب ذكرى أيام مجيدة وانتصارات عزيزة، حيث حققت قواتنا المصرية الباسلة نصرا مؤزرا مبينا على قوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث مثل هذا النصر نقطة تحول كبيرة فى الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، بل وفى تغيير نظرة العالم إلينا، لقد أعزنا الله تعالى بنصر أكتوبر المجيد، وإذا كان هذا النصر فى حد ذاته إنجازا وطنيا كبيرا، وعاملا من عوامل تقدمنا ونهضتنا حتى هذه الساعة، فينبغى ألا نتعامل معه كمجرد حدث تاريخى نحتفى ونحتفل به، بل إن فى استدعاء روح أكتوبر ومعنوياته ووطنياته وتضحياته ما نحتاج أن نبعثه فى نفوسنا من جديد، حتى نستلهم منه قيم الوطنية والمجد والانتصار والفداء بالروح والدم لهذا الوطن العزيز الذى يستحق منا كل هذه التضحيات.
لابد أن نحيى فى أبنائنا وشبابنا معانى نصر أكتوبر وما قدمه الشعب المصرى والجيش المصرى والقيادة المصرية من تضحيات وجهد وفكر سياسى وعسكرى متطور مع روح عالية من الإيمان والثقة بالله تعالى فى الانتصار المؤزر المبين.
علمتنا حرب أكتوبر كيف يتعانق الأخذ بالأسباب واتباع كافة الوسائل العلمية فى التخطيط للحرب مع الإيمان بالله الذى كان يملأ القلوب والأرواح المستعدة طوال الوقت للأخذ بالثأر واسترداد الكرامة مع استرداد الأرض المحتلة، لم يكن ليقر للمصريين قرار ولا ليهدأ لهم بال وجزء من أراضيهم تحت الاحتلال، لقد خاض المصريون قبل حرب أكتوبر 73 وبعد الخامس من يونيو 67 حربا تعانقت فيها روح الفدائية المصرية الشعبية مع روح الجندية المصرية العسكرية، وسجل الشعب المصرى على صحائف من نور انتصارات فردية فى ملاحم حرب الاستنزاف التى ألحقت بقوات العدو الغاشم أفدح الخسائر، مما سمح لقادة القوات المسلحة المصرية أن يعيدوا بناء الجيش المصرى وقوات دفاعه الجوى على أحدث النظم العسكرية الحديثة التى كانت سببا فى تحصين الأجواء المصرية من هجمات العدو وكانت أيضا سببا فى استكمال مراحل بناء الجيش المصري.
لقد علمتنا هذه المرحلة الخالدة أنه لا يأس مع الإيمان بالله تعالي، وأن أصحاب القضية العادلة فى كنف الله تعالى وفى تحقيق موعوده تعالى الذى ذكره فى كتابه العزيز: «إن ينصركم الله فلا غالب لكم». والجدير بالذكر أن الروح الإيمانية والوطنية كانت فى ذروتها فى قلوب الشعب المصرى وكان أثر الإيمان بالله تعالى والاعتصام به والتمسك بحبله المتين وصراطه المستقيم واضحا جليا على جبهات الإعداد، أيضا كان لسيادة معانى الوحدة الوطنية وغياب الخطاب الدينى المتشدد وكذلك انتشار علماء الأزهر الشريف على جبهات القتال ليملأوا القلوب بمعانى الإيمان بالله وليرتقوا بأرواح الجنود والضباط باستدعاء معانى الجهاد الحق والتضحية فى سبيل الله والوطن، وكان للدعم الشعبى لقواته الباسلة أيضا أثر كبير فى ارتفاع الروح المعنوية للجنود والضباط على جبهات القتال لقد كان لزاما أن تتحول الشخصية المصرية من روح الهزيمة إلى روح النصر، وأن تبحث فى الأسباب التى تسببت فى الهزيمة وآثارها السيئة على الأجيال القادمة وعلى مستقبل مصر والمصريين وأن تعمل جاهدة على بعث الروح الحضارية المصرية التى لا تعرف الانكسار ولا الهزيمة ولا الاستسلام للواقع المرير، وقد بلغت الروح المعنوية للمصريين شعبا وجيشا وقادة ذروتها فى مواكبة يوم إعلان الحرب فى السادس من أكتوبر يوم العاشر من رمضان المعظم وكان لهذا الاتفاق العجيب تذكير واستدعاء لمعركة بدر الكبرى حيث أيد الله تعالى المؤمنين أصحاب القضية العادلة بالنصر المؤزر المبين.
لقد كان نصر أكتوبر المجيد معجزة حقيقية بكل المعايير التى أبهرت العالم سواء من حيث تحقيق الانتصار الباهر المبين فى أرض المعركة بتحقيق معجزة العبور الخالدة حيث عبرت قواتنا المصرية الباسلة إلى الضفة الشرقية لقناة السويس ودمرت قوات العدو التى تردد كذبا أنها قوة لا تقهر أبدا وتم تدمير تحصينات خط بارليف وما النصر إلا من عند الله، وأيضا لما للنصر من آثار عظمى فى استعادة الشخصية المصرية الحضارية الحقيقية والإرادة المصرية القوية التى حققت بسبب روح النصر أكبر الانتصارات العلمية والإنتاجية والاقتصادية والتعليمية فى بناء مصر الحديثة.
ونحن الآن فى إطار سعينا بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى لبناء مصر الحديثة المتطورة بأذرعها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية نحتاج إلى روح أكتوبر لنخوض أو لنستكمل حربنا مع التخلف والتشدد والإرهاب والجهل والفقر والمرض، فإن بناء مصر القوية الحديثة بسواعد وعقول أبنائها يجعلها محل احترام وتقدير من العالم كله كما قرر ذلك فخامة الرئيس فى غير مناسبة، إننا عندما نحتفل بنصر أكتوبر لا نتكلم عن مجرد حدث تاريخى مر وانتهى وأصبح مجرد ذكري، ولكن احتفاءنا بنصر أكتوبر هو استدعاء الروح الوطنية والإيمانية التى حاولت تيارات كثيرة أن تطفئ جذوتها فى قلوب المصريين إما بنشر التطرف والإرهاب تارة وإما بنشر قيم بعيدة عن الدين والأخلاق على أنها تطور وحداثة تارة أخري، إن بلادنا فى مرحلتها الفارقة تلك تحتاج منا إلى شيوع روح العمل والتضحية والفداء وحب الوطن والإيمان العميق بالله تعالي، حتى نترك للأجيال القادمة وطنا عزيزا قويا، وحتى نضيف إلى نصر أكتوبر مزيدا من الانتصارات الوطنية المستمدة من روحه وقيمه الخالدة، حفظ الله جيش مصر قادة وجندا للمصريين، وحفظ الله شعب مصر سندا ودعما لخير أجناد الأرض.
لمزيد من مقالات د. شوقى علام رابط دائم: