رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الاقتصاد والإصلاح الدينى (3)

رأينا فى المقال السابق كيف أن الأفكار التحريفية للخطاب الدينى التقليدي، هى التى تحكم الحركة الاقتصادية الفاشلة فى مجتمعات العالم الثالث، وهى التى تشكل منظومة التراخى وإهمال العمل وعدم الإنتاج. وقد قدمنا لك أيضا – عزيزى القارئ- تصورا يوضح العلاقة الضرورية بين المدخلات الفكرية العقائدية المحرفة، والمخرجات السلوكية الناتجة عنه، وكيف ينتج هذا منظومة اقتصادية ريعية رجعية.

وفى مقابل هذه المتوالية الرجعية، نتطلع إلى إحلال متوالية تقدمية عقلانية تنموية، تنطلق من خطاب دينى جديد إلى اقتصاد تنموى إنتاجي، ومن ثم ينشأ مجتمع جديد.

> المدخلات العقائدية:

إن الإصلاح الدينى الجديد يطرح رؤية مختلفة للعالم، ويقدم منظومة قيم تقدمية مستخلصة من الكتاب الكريم والسنة المتواترة والعقلانية النقدية، بعيدا عن المنظومة الموروثة من عصور التراجع والتى لا تزال تعمل حتى الآن فى كثير من دول العالم الثالث.

فلابد من تطهير المعتقدات، وتحريرها من اللامعقول، للوصول إلى مجموعة من المعتقدات الدينية الصحيحة التى تدعم العمل الحر والإنتاج والتنمية، مثل:

< الله يعمل فى الطبيعة من خلال منظومة إبداعية من القوانين.. وقوانين الطبيعة هى قوانين الله.

< قوانين الطبيعة هى قوانين مطردة لا يمكن تعطيلها بالسحر أو بالكلمات أو بالطقوس.. سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.

< يجب اتباع قوانين الطبيعة المطردة لتحقيق النمو والتقدم.

< التوكل يستلزم الأخذ بالأسباب وتطبيق قوانين الطبيعة التى أبدعها الله.

< الوصول إلى الفرج وتحقيق الرخاء لا يكون سوى بالأخذ بالأسباب واتباع قوانين الطبيعة وبذل الجهد.

< تغيير العالم يكون بالعلوم والأعمال وليس بالطقوس.

< مفهوم «العمل الصالح» يشمل العمل الإنتاجى مثل: الصناعة، والزراعة، والبناء...إلخ.

< الدعاء يرفعه «العمل الصالح» بالمفهوم الشامل الجامع للعمل الصالح الذى ينفع الناس.

< العلم والعمل الإنتاجى المتقن هما أساس التقدم، وهما الطريق نحو تأسيس الجنة الدنيوية، وهما أيضا السبيل لدخول الجنة الأبدية فى الآخرة. وعلى ذلك فإن الإيمان وحده لا يكفى لدخول الجنة فى الدنيا أو الآخرة، بل لابد أن يصاحبه «العمل المنضبط».. ومن هنا فإن دخول الجنة متوقف على الأعمال الدنيوية.

< (العبادات والطقوس) لا قيمة لها إذا لم تصلح سلوك الناس فى الحياة اليومية.. والغش والرشوة والسرقة والكذب والظلم وأكل أموال الناس بالباطل، هى كبائر تدخل مرتكبيها النار فى الدنيا والآخرة.

< الأعمال الدنيوية النافعة للفرد والمجتمع ترضى الله سبحانه، وهى عبادات حقيقية.

< إتقان الأعمال الدنيوية عبادة لها وزن مماثل لإتقان الطقوس والشعائر، وهما معا الضامن للنجاح فى الدنيا والآخرة.

< الإيمان بحرية الإرادة الإنسانية.

< المسئولية فردية تقع على عاتق كل شخص (فرض عين).

< الإنسان هو الذى يصنع مستقبله، والوجود يسبق الماهية.

< عدم التقليد الأعمى للآباء والجماعات والتيارات السائدة.

وكل مبدأ من هذه المبادئ وغيرها، له أدلته وبراهينه من المنابع الصافية، وكل منها يمكن الكتابة عنه فى موضوع منفصل، لكننا نتحدث هنا إجمالا فى إطار الرؤية العامة وفى حدود ما تسمح به مقالة واحدة.

> المخرجات السلوكية:

تلك المنظومة العقائدية إذا تم إدخالها فى عقول الناس من خلال عملية تغيير ثقافي، فسوف تؤدى إلى مجموعة من السلوكيات، مثل:

< أن يعمل الناس من خلال تطبيق قوانين الطبيعة التى خلقها الله، والأخذ بالأسباب الطبيعية، وبذل الجهد.

< أن ينبذ المجتمع الخرافات، والأساطير، والسحر، والشعوذة.

< أن يترك الناس سياسة تغيير الواقع والطبيعة بواسطة الكلمات.. فالله وحده هو الذى يخلق بالكلمة، أما البشر فلا سبيل أمامهم سوى العمل على الأرض.

< أن يدرك الناس أن التوكل يعنى تطبيق قوانين الطبيعة التى خلقها الله، والأخذ بالأسباب، واتباع المنهج العقلاني، وترك الجوانب المجهولة أو العوامل التى تعمل خارج إرادتهم لله سبحانه (المخاطرة المحسوبة).

< أن يحقق المجتمع الرخاء بالأخذ بالأسباب واتباع قوانين الطبيعة وسنن التاريخ.

< العمل على تغيير العالم بالعلوم الطبيعية والإنسانية والاجتماعية وليس بالطقوس.

< السير على درب العمل الإنتاجى فى البناء والصناعة والزراعة ...إلخ.

< إتقان العمل وعدم الإهمال فى الأعمال الدنيوية.

< السعى نحو تغيير الواقع وبذل الجهد من أجل الخلاص وتحقيق رفاهية الحياة.

< التقدم فى البحث العلمى وتوظيفه فى عملية التقدم وتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد.

< اعتبار (العبادات والطقوس) وسائل لانضباط الشخصية، وبناء ضمير الإنسان، واستقامة السلوك، وليست وسائل لتملق الله تعالى ولا أساليب لرياء الناس.

< الصدق والأمانة فى التجارة هما أساس بناء الثقة فى المعاملات.

< نبذ الرشوة والسرقة والظلم وأكل أموال الناس بالباطل..

< نبذ أخلاقيات الغش التجارى والصناعى.

< التعامل مع الأعمال الدنيوية النافعة بوصفها عبادات حقيقية.

< ممارسة فعل الحرية.

< تحمل المسئولية الفردية.

< الإيمان بالعمل الحر، والمشروعات الفردية، وعدم الاعتماد على الوظائف الحكومية.

< فتح مجالات جديدة للعمل يقوم الفرد نفسه بفتحها أمام نفسه.

< شق طرق جديدة للإبداع بعيدا عن التقليد ونبذ روح القطيع.

< المبادرة الفردية، وعدم الخوف من المجهول، وشجاعة الخروج على الثقافة الرجعية السابقة.

والسؤال الآن: ما المخرجات الاقتصادية لتلك المدخلات العقائدية وهذه السلوكيات الناشئة عنها؟

أسأل الله الجليل أن تكون الإجابة فى المقال القادم؟

-------------------------

> أستاذ فلسفة الدين ــ رئيس جامعة القاهرة عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية


لمزيد من مقالات د. محمد الخشت

رابط دائم: