رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أمريكا الجائعة حتى 2030

ليست كل حروب أمريكا عدوانية، وليست كل معاركها سيئة. تخوض أحيانا حروبا نبيلة لأهداف إنسانية سامية مثل تلك التى أعلنها الأسبوع الماضى رئيسها جو بايدن على الجوع فى بلاده وتعهده بالقضاء عليه بحلول 2030. وكما تقترف أمريكا خطايا كثيرة فإنها تفعل أيضا أشياء طيبة.

لا يثير هذا دهشة احد، لكن إعلانها الحرب على الجوع أدهش كثيرين لم يجل بخاطرهم قط أن الدولة صاحبة الاقتصاد الأكبر والأقوى فى العالم لديها مشكلة من هذا النوع. وأنها بلغت من الخطورة والاتساع الحد الذى يدفع رئيسها إلى عقد مؤتمر خاص لبحث سبل القضاء عليها. كيف يجوع مواطنو دولة تجود بسخاء على فقراء العالم وجياعه، وتتبرع لهم سنويا بأكثر من 47 مليار دولار غير ما تجود به المنظمات الخاصة.

لكنها الحقيقة المدعومة بالأرقام والإحصائيات الرسمية التى تفيد بأن 38 مليون أمريكى على الأقل، بينهم 11.7 مليون طفل تحت 18 سنة، يعانون انعدام الأمن الغذائي، أى لا يحصلون أحيانا على ما يكفى احتياجاتهم الضرورية من الطعام، وبما يضمن لهم الصحة والنشاط والطاقة وجودة الحياة. وبسبب كورونا وما نتج عنها من ارتفاع للأسعار وبطالة تفاقمت مشكلة الجوع فى أمريكا، ويتوقع المختصون أن يكون عدد من يعانى من هذه المشكلة قد قفز إلى نحو 50 مليونا، ودليلهم على ذلك ارتفاع عدد المسجلين فى بنوك الطعام والهيئات الخيرية لنحو 53 مليون أمريكى العام الماضي.

ويذكر تقرير لمركز «أميريكان بروجرس» البحثى أنه من أول يوليو إلى يوم 13 منه أبلغت 24 مليون أسرة أنها لم يكن لديها «أحيانا أو غالبا» ما يكفى من طعام أساسي. ومثل كل المآسى الإنسانية المشابهة يدفع الأطفال الثمن الأكبر. وفى حالة أمريكا يمثلون نحو 41% ممن يعانون الجوع مقابل 49% بالغين و10% مسنين. ويعتمد 22 مليون طفل أمريكى على المدرسة للحصول على وجبات مجانية. لذلك تزداد مشكلتهم تعقيدا وصعوبة خلال العطلات الصيفية.

وللجوع فى أمريكا أسباب أخرى غير تلك التى تعرفها الدول الفقيرة. فهو ليس مرتبطا بندرة الموارد أو قلة إنتاج الطعام أو نقص التمويل الحكومي. على العكس لدى أمريكا وفرة أكثر من غيرها، وتكلفة إنتاج وتوفير الطعام بها أقل من دول كثيرة. الأسباب الرئيسية للمشكلة وفقا لما يحددها تقرير «اميريكان بروجرس» هى اختلال توزيع الثروة، وافتقاد العدالة الاجتماعية، والنظام الاقتصادى المكرس لخدمة الشركات الكبرى والأثرياء على حساب الكتلة الأكبر من السكان. أنتج هذا الظلم الاجتماعى والسياسى المتجذر الفقر وهو قرين الجوع، فضلا عن أزمات سياسية واجتماعية وصحية وأمنية كثيرة.

وتقدر الإحصائيات الحكومية عدد الفقراء (بالمقاييس الأمريكية) بنحو 38 مليون أمريكي. وينطبق وصف فقير، وفقا لتقديرات 2021 على الأسرة المكونة من أربعة أشخاص ولا يزيد دخلها على 26 ألفا و500 دولار سنويا.

وبناء عليه فإن 21% من تعداد الشعب فقراء. وبسبب النظام الاقتصادى الجائر وغياب العدالة فى توزيع الفرص التعليمية ومن ثم الوظائف، تلونت خريطة الفقر فى أمريكا بصبغة عنصرية فجة احتل فيها السود موقع الصدارة بنسبة 20٫6% من تعدادهم، يليهم اللاتينيون، (المنحدرون من أصول أمريكية جنوبية)، بنسبة 17.6% وأخيرا الصفوة أو البيض ولا تزيد نسبة الفقراء بينهم على 8.1%.

ويتحمل الأمريكيون أنفسهم جانبا مهما من مسئولية الجوع الذى يؤلم مواطنيهم الفقراء بسبب إسرافهم فى الاستهلاك وإهدارهم كميات هائلة من الطعام. وتتفاوت التقديرات فى هذا الصدد، حيث يحدد بعضها قيمة ما يتم إهداره سنويا من أغذية بنحو 218 مليار دولار بواقع 1600 دولار للفرد. بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن القيمة هى 161 مليارا فقط. لكن المؤكد أن أمريكا تهدر من الطعام أكثر من أى دولة أخرى. ويقدر ما يلقيه الأمريكيون فى سلال القمامة ومكبات النفايات بنحو 40 مليون طن سنويا أى ما بين 30% و40% من الإمدادات الغذائية لديهم. والهدر فى المنازل يأتى فى المقدمة بنسبة 43% يليه المطاعم والمتاجر 40% فالمزارع 16% وأخيرا المصانع 2%.

فى كل الأحول لا يملك المرء سوى التعاطف مع أى محروم فى العالم. الجوع مأساة إنسانية مهينة ومفجعة ومحزنة. وليس هناك فرق بين أن يكون الجائع أمريكيا أو إفريقيا أو آسيويا. المعاناة الإنسانية لا تعرف جنسية ولا لون ولا دخل للخلافات السياسية بها.

الحق فى الحصول على الطعام أحد حقوق الإنسان الطبيعية والأساسية. ومع ذلك لا نذرف الدمع على الأمريكيين ليس استهانة بمعاناتهم كبشر، ولكن لأن مشكلتهم من صنع أيديهم أو بالأحرى من صنع حكومتهم ونظامهم السياسى والاقتصادي. كما أن لديهم الوفرة والثروة والقوة لإطعام أنفسهم وغيرهم. وفضلا عن ذلك فإن فقرائهم ليسوا مهددين بالموت جوعا كحال 820 مليون جائع فى العالم لا يجدون ما يسد رمقهم. للأمريكيين حكومة تحميهم وتهب لنجدة المحتاجين منهم، بينما لا يكاد يجد بؤساء آسيا وإفريقيا من يتذكرهم.


لمزيد من مقالات عاصم عبدالخالق

رابط دائم: