رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إدارة السياسة النقدية فى عالم مضطرب

فاجأت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى المصرى الاسواق بقرارها الخاص بالإبقاء على سعري عائد الإيداع والاقراض وكذلك سعر الائتمان والخصم عند نفس المستوى السائد، مع زيادة الاحتياطي الإلزامي من 14% الى 18%. وهو ما أثار العديد من التساؤلات خاصة فيما يتعلق بالاسباب الكامنة وراء هذه القرارات وعدم اللجوء الى رفع اسعار الفائدة ، كما توقع بعض الخبراء والمحللين الماليين، وماتأثير ذلك على معدلات التضخم وكذلك سعر صرف الجنيه المصرى؟

وقبل الاجابة عن هذه التساؤلات وغيرها فاننا نوضح ان البنك المركزى يعمل جاهدا على تأمين النمو الاقتصادى وتعزيز الاستقرار المالى، وهى اهداف السياسة النقدية التى تهدف الى التحكم فى عرض النقود وادواته بما يتلاءم مع الاوضاع الاقتصادية المنشودة ويضمن التشغيل الكفء للموارد الاقتصادية واستقرار مستويات الاسعار درءا للتضخم وحفاظا على قيمة العملة الوطنية، جنبا الى جنب مع مواجهة الخلل بين معدلات الادخار المحلية والاستثمار القومى. وعادة ما يكون لدى البنوك المركزية العديد من الادوات التى تمكنها من السيطرة على السياسة النقدية لتتمكن من الوصول الى مستهدفاتها، بعضها مباشر مثل سعر الفائدة وبعضها غير مباشر مثل عمليات السوق المفتوحة والاحتياطيات الإلزامية. وقد اوضحت تجارب العديد من البلدان المتقدمة والنامية ان الادوات المباشرة لم تعد فعالة فى ظل البيئة الاقتصادية الحالية والتى تتميز بالاضطراب وعدم اليقين ولذلك بدأت فى التحول الى الادوات غير المباشرة. وهو ما قام به المركزى المصرى حيث استخدم اسعار الفائدة فى البداية للتخفيف من الضغوط الواقعة على التضخم فى الاقتصاد المصرى خلال السنوات الثلاث التالية لتحرير سعر الصرف فى نوفمبر 2016 وانتهج خلالها سياسة التيسير النقدى عن طريق خفض الفائدة، ثم اتبع سياسة التقييد النقدى برفع اسعار الفائدة. كما قام باستخدام عمليات السوق المفتوحة للتحكم فى السيولة من خلال شراء وبيع اوراق الدين الحكومية، الامر الذي مكنه من سحب ما يقرب من 600 مليار جنيه من السيولة التى كانت بالاسواق. ونظرا لان بعض هذه الاجراءات لايتحقق آثارها الا بعد فترة زمنية تستغرق عدة أشهر وأحيانا سنة، وفقا لطبيعة الاقتصاد ومرونة الاسعار وسرعة تداول السلع. فان السلطة النقدية عادة ما تعتمد على اهداف وسيطة ترتبط ارتباطا وثيقا بالأهداف المرجوة للسير بالاقتصاد فى الطريق الصحيح، وغالبا ماتكون هذه الاهداف معدل النقد الكلى او الائتمان الكلى وكلها أمور تتعلق بطبيعة الصدمات التى يتعرض لها الاقتصاد. من هذا المنطلق جاء قرار زيادة نسبة الاحتياطى الإلزامي من 14% الى18% مع ضرورة التفرقة بينها وبين نسبة السيولة والتي بموجبها يتعين على البنوك الالتزام بنسبة سيولة بحد أدني 20% للعملة المحلية و25% للعملات الاجنبية، بينما وصلت النسبة الفعلية لدى الجهاز المصرفى بالعملة المحلية الى 44.7% فى مارس 2022 والى 74.6% للعملات الأجنبية. وهذا ان دل على شىء فهو يدل دلالة قاطعة على ان هناك فائض سيولة لدى الجهاز المصرفى لايستطيع استخدامها الاستخدام الامثل مما يزيد من عبء تكلفة الاموال عليه. اما الاحتياطي الإلزامي فهو قيام البنوك بإيداع النسبة المقررة من ودائعها بالعملة المحلية، باستثناء ارصدة الشهادات الادخارية ذات السنوات الثلاث فأكثر وتوظيفات الشركات الصغيرة والمتوسطة لدى البنك المركزي بدون مقابل. كما تحتفظ البنوك لدى البنك المركزى بنسبة من ودائعها بالعملات الاجنبية (يستحق عليها عائد) وقد استخدم البنك هذه الاداة عدة مرات منذ نوفمبر 2016 كان اولاها في اكتوبر 2017 حيث تم رفعها من 10% الى 14% وهي النسبة التى كانت قائمة خلال الفترة (2003-2012) حين تم تخفيضها الى 12% في مارس 2012 ثم الى 10% مايو 2012. وكلها امور تهدف الى تقليل المعروض النقدى من اجل الحفاظ على معدل التضخم وذلك بامتصاص فائض السيولة من السوق دون تكلفة اضافية على البنك المركزى كما ان استخدام هذه الآلية يرفع الفائدة المستقبلية ولكن لايؤثر على المديونية الحالية، اى انها محاول لتثبيت النمو مما يرفع من مكانة الاقتصاد المصرى الدولية ومركزها بين الاسواق الناشئة خاصة مع التحسن فى بعض المؤشرات الاخرى. وهنا يصبح التساؤل هو هل تقدم البنوك على رفع اسعار الفائدة للحد من الاثر السلبى المتوقع للقرار وتحقق عائدا يتوازى مع زيادة الاحتياطى الالزامى بنسبة 4% ؟ والاجابة عن هذا التساؤل تتوقف على اوضاع البنوك ذاتها فمن المتوقع ألا يؤثر على البنوك التى تتمتع بنسبة مرتفعة من الودائع المستحقة فى غضون ثلاث سنوات فاكثر والبنوك ذات معدلات مرتفعة من توظيف الودائع والعكس صحيح. ويُصبح تحديد سعر الفائدة ومستواه الملائم من أهم القضايا الرئيسية التي يجري بحثها فى ظل عِدّة اعتبارات يتعلق بعضها بجانب الطلب، نظرا لأن أسعار الفائدة تؤثر على حجم الطلب الكلي. كما تتعلق بجانب العرض لأنها تؤثر على حجم الاستثمار ونوعيته، ومن ثم على نمو الإنتاج. وهكذا تؤثر أسعار الفائدة على حجم الاستهلاك الجاري ومن ثم الادخار، كما تؤثر بوصفها عنصرا من عناصر التكلفة على الطلب على الاقتراض وتوزيعه. كما أنها تتأثر بالتغييرات المتوقعة في سعر الصرف، والمعدل المتوقع للتضخم وغيرها من الأمور الاقتصادية المهمة. وهكذا يُعرّف سعر الفائدة التوازني المصحح لاحتساب أثر معدل التضخم المتوقع بأنه يُعادل كلا من المعدل الحدي الذي يكون الأفراد عنده مستعدين لاستبدال الاستهلاك الحاضر بالاستهلاك في المستقبل، والمعدل الحدي الحقيقي للعائد المتوقع من الفرص الاستثمارية المتاحة للمقترضين. فإذا كانت هذه المعدلات موجبة، يجب ألا يقل سعر الفائدة عن معدل التضخم المتوقع. ولذلك، فإن إصلاح سعر الفائدة يُشير إلى تحريك هذا السعر ليُصبح أقرب إلى سعر التوازن في السوق.


لمزيد من مقالات عبدالفتاح الجبالى

رابط دائم: