لعبت القوات البحرية المصرية دورا محوريا فى تحقيق نصر أكتوبر, فاعتبارا من هزيمة الخامس من يونيو 1967 وفى بداية مرحلة حرب الاستنزاف قامت القوات البحرية بعدة بطولات شهد لها العالم, كان اولها اغراق المدمرة ايلات والذى يعتبر حدثا فارقا فى تاريخ القوات المسلحة المصريةوتاريخ الصراع العربى - الاسرائيلى وتاريخ البحرية العالمية. فقد أمرت قيادة الجيش الإسرائيلى بأن تخترق المدمرة إيلات المياه الإقليمية المصرية وتدخل المنطقة البحرية لبورسعيد، فقررت القيادة السياسية المصرية بعد هذه الأعمال الاستفزازية إعطاء الأوامر للقوات البحرية بضرب المدمرة وإغراقها. وفى يوم 21 أكتوبر 1967م صدر أمر بالاشتباك مع المدمرة وتشكّلت مجموعتان للقيام بالمهمة، تتكون من لنشين للصواريخ, وعند دخول المدمرة ايلات المياه الإقليمية، هجم اللنش الأول بإطلاق صاروخ أصاب جانب المدمرة إصابة مباشرة فأخذت تميل على جانبها، فلاحقها بالصاروخ الثانى فتم إغراق المدمرة على مسافة تبعد 11 ميلا بحريا شمال شرق بورسعيد يوم 21 أكتوبر 1967 وعليها طاقمها الذى يتكون من نحو مائة فرد. وقد غرقت المدمرة داخل المياه الإقليمية المصرية بنحو ميل بحرى، وعاد اللنشان إلى القاعدة لترتفع معنويات كل رجال القوات المسلحة.
لقد كان إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات بواسطة صواريخ بحرية سطح / سطح، هى الأولى من نوعها فى تاريخ الحروب البحرية, وبداية مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية واسترتيجيات القتال البحرى فى العالم. ولقد كنت شاهدا على هذا الحدث، حيث كنت ضمن طاقم مستشفى بورسعيد العسكرى الذى استقبل جثث الاسرائيليين الذين لفظتهم مياه البحر الى شاطئ بورسعيد وتسليمها الى الصليب الاحمر الدولى. وأصبح غرق المدمرة إيلات فى 21 أكتوبر 1967م عيدا للقوات البحرية المصرية، وتم تسجيل هذه المعركة ضمن أشهر المعارك البحرية فى التاريخ.
والمعركة الثانية للبحرية المصرية فى حرب الاستنزاف هى الغارات التى قامت بها على ميناء إيلات الإسرائيلى وهى ثلاث عمليات عسكرية بحرية تم تنفيذها بواسطة ضفادع بشرية من البحرية المصرية بالتعاون مع المخابرات العامة المصرية, لتدمير السفينة بيت شيفع التى تحمل 7 مدرعات برمائية وناقلة الجنود بات يام والرصيف الحربى لميناء ايلات. وهاتان السفينتان تم شراؤهما من الولايات المتحده فى أوائل عام 1968وقامتا بعمليات اغارة على السواحل الشرقية لمصر بمساعدة قواتها الجوية المتفوقة واسفرت هذه العمليات على خسائر بالجانب المصرى واسر أفراد والاستيلاء على معدات عسكريه, فقررت القيادة العامة للقوات المسلحة القيام بعملية بهدف التخلص من الناقلتين بأى وسيلة، واستقر الأمر بالموافقة على اقتراح قائد القوات البحرية بتنفيذ أول عملية للضفادع البشرية المصرية فى العمق الإسرائيلى، وبعد إجراء عمليات الاستطلاع. تمت العملية الأولى فى(16 نوفمبر 1969م),وتمت العملية الثانية (5-6 فبراير 1970م), وتمت العملية الثالثة (14-15 مايو 1970م) بنجاح, واسفرت هذه العمليات الثلاث عن اغراق سفينتين إسرائيليتين هما (هيدروما ودهاليا) وكانتا تشاركان فى المجهود الحربى الإسرائيلى وحاملة الجنود بات يام واصابةالسفينة بيت شيفع, و تدمير الرصيف الحربى لميناء إيلات وخسائر بشرية كبيرة. وعن الملحمة التى قامت بها قواتنا البحرية فى انتصار أكتوبر المجيد فقد لعبت دورا محوريا فى تحقيق نصر أكتوبر، حيث كانت هناك مهام عديدة ملقاة على عاتقها واستطاعت تحقيقها بنجاح ومنها معاونة أعمال قتال الجيوش الميدانية فى سيناء سواء بالنيران أو بحماية جانب القوات البرية المتقدمة بمحاذاة الساحل,كما قامت بتنفيذ المعاونة بالإبرار البحرى لعناصر القوات الخاصة على الساحل الشمالى لسيناء، وسيطرت على مضيق باب المندب وباشرت حق الزيارة والتفتيش واعتراض السفن التجارية ومنعها من الوصول إلى ميناء إيلات الإسرائيلى.
وعن بعض العمليات الاخرى, ففى يوم 6 أكتوبر تم تدمير 9 قطع بحرية معادية ،.وفى يوم 7أكتوبر دارت معارك بحرية ضارية بين القوات المصرية وقوات العدو واستسلم عدد كبير منهم، كما قامت الصاعقة البحرية بغارة على مرسى بلاعيم ليلة 7 – 8 أكتوبر حيث نسفت حفار البترول المتمركز فيها, وغيرها من العمليات المهمة. وفى 22 أكتوبر دارت معركة بحرية على الساحل الشمالى أمام بورسعيد وأسفرت المعركة عن تدمير 3 قطع بحرية للعدو وانسحبت باقى القوات شرقا.وهكذا نجحت القوات البحرية فى السيطرة على مسرح العمليات البحرية بامتداد 1600 كيلومتر على السواحل المصرية و400 كم على سواحل سيناء وفلسطين المحتلة، ما دفع المؤرخ العسكرى الأمريكى تريفور ديبوى رئيس مؤسسة هيرو للتقييم العلمى للمعارك التاريخية فى واشنطن إلى القول: لقد خاض المصريون الحرب البحرية فى جوهرها بأسلوب استراتيجى وخاضها الإسرائيليون بأسلوب تكتيكي, فلقد فرض المصريون حصارا ناجحا على حركة الملاحة إلى ميناء إيلات وذلك بإغلاق مضيق باب المندب .. ويبدوأن حصارهم فى البحر المتوسط منع معظم السفن المحايدة والإسرائيلية من الاقتراب من الشاطئ الإسرائيلي. وهكذا ادت هذه الانتصارات للقوات البحرية المصرية إلى تحقيق آثار عسكرية واقتصادية ومعنوية على إسرائيل وقواتها المسلحة, وكانت مفتاحا رئيسيا من مفاتيح نصر أكتوبر المجيد.
> أستاذ بكلية طب الأزهر
لمزيد من مقالات د. رضا عوض رابط دائم: