رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

هذه النصوص المقررة..«3»

أنا أعرف أنه عمل صعب، وأقصد به اختيار النصوص الشعرية التى يجب أن يدرسها التلاميذ المصريون فى المرحلتين الإعدادية والثانوية.. عمل صعب لأسباب متعددة منها أن الشعر العربى تاريخ طويل يبدأ من القرن الخامس أو السادس الميلادى، ويستمر إلى اليوم.. هذا التاريخ الطويل لم يكن بالطبع عصرا واحدا، وإنما كان عصورا متعددة مختلفة... ولم يكن أيضا محصورا فى بلد واحد، وإنما كان، ولا يزال عابرا للحدود، يبدأ من الجزيرة العربية والعراق شرقا ويصل إلى إسبانيا غربا، مارا بالشام ومصر وبلاد المغرب العربى، ومعنى هذا أنه تراث ضخم حافل بالأسماء والأعمال التى كان لابد أن تتنوع وتختلف، فشعر الجاهليين غير شعر الإسلاميين، وشعر المشارقة غير شعر المغاربة.

بل إن هذا التنوع موجود فى شعر كل عصر، وفى شعر كل بلد، ولننظر فيما أنتجناه نحن المصريين فى هذا العصر الحديث، سنجد أنه يبدأ بحركة الإحياء أو النهضة التى تمثلت فى محمود سامى البارودى، وإسماعيل صبرى، وأحمد شوقى، وحافظ إبراهيم وغيرهم، ثم ظهرت حركات التجديد المتتابعة التى تمثلت فى جماعة الديوان، ومن أعلامها عباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازنى، وعبد الرحمن شكرى، وتلتها جماعة أبو للو التى أسسها أحمد زكى أبو شادى، وظهر فيها على محمود طه، وإبراهيم ناجى، ومحمود حسن إسماعيل، وغيرهم، وأخيرا كانت الحركة التى ظهرت فى أواسط القرن الماضى وانتمت لها الأجيال الجديدة من الشعراء المصريين، ونتجت عنها قصيدة عربية جديدة شكلا ومضمونا.

والذى حدث عندنا حدث فى لبنان، والعراق، وسوريا، وامتد ليشمل بقية الأقطار العربية، ولو اننا عدنا إلى الوراء لوجدنا أن ما حدث فى العصر الحديث حدث ما يشبهه فى العصور السابقة.. فإذا كان علينا أن نختار من هذا التراث الحافل المتنوع لكل فصل دراسى بضع قصائد تمثل هذا الفن فى مختلف عصوره وبيئاته، فهو بلا شك عمل صعب، خاصة إذا راعينا أن لكل مرحلة دراسية قدراتها اللغوية والثقافية، ولكل فصل دراسى مستواه، فضلا عما يجب أن يراعى فى اختيار نصوص يقصد بها تزويد الأجيال الجديدة بالعلم النافع فى هذا العصر من ناحية، وبالتربية الوطنية والأخلاقية الرفيعة من ناحية أخرى.

>>>>>

نعم هو عمل صعب، لكننا نستطيع أن نتغلب على هذه الصعوبة إذا واجهناها بثلاثة شروط، الشرط الأول لجنة مشكلة من أعضاء يملكون الثقافة الواسعة التى تمكنهم من الإحاطة بتراث الشعر العربى وانتخاب ما يرونه ممثلا له من ناحية، ومن ناحية أخرى حاجة جمهور من نوع خاص هو تلاميذ المدارس الإعدادية والثانوية.

الشرط الثانى تحديد الأهداف التى نسعى للوصول إليها فى مدارسنا، وفى ضوئها يوضع البرنامج الدراسى، ويتم اختيار النصوص المناسبة.

والشرط الأخير توزيع البرامج الدراسية على المراحل المختلفة، وعلى فصولها توزيعا مترابطا، ومتدرجا يكون به كل برنامج مقدمة تهيئ التلاميذ لتلقى ما هو مقرر عليها فى البرنامج الذى يليه.

وقد نظرت فى النصوص المقررة على تلاميذ المرحلتين الإعدادية والثانوية، فلم أجد فيها ما يدل على الالتزام بأى شرط من هذه الشروط الثلاثة.

لقد وجدت قصائد ومقاطع من قصائد اختيرت كيفما اتفق لأنها لا تمثل تاريخا يؤدى بعضه إلى بعض، ولا تقدم تيارات تتحاور أو تتصارع، ولا تدل على إحاطة بتراث الشعر العربى، ولا تعبر عن فكرة جامعة، اللهم إلا فى بعض النصوص التى تتحدث عن الوطن أو تحض على الأخلاق الحميدة، وهو أمر مطلوب بالطبع، لكن الغائب فى هذه النصوص أكثر بكثير من الحاضر الغائب ليس فقط أسماء شعراء كانوا أحق بالحضور من آخرين حضروا، وإنما هو عصور وبلاد كانت ساحات للإبداع تجاهلتها اللجنة تماما، فلم تذكرها ولم تمثلها بأى صورة من الصور.

ونحن ننظر فيما اختارته اللجنة من الشعر المصرى، فنجد نصوصا من شعر البارودى وشوقى وحافظ وعبد المطلب ومطران، لكننا لا نجد شيئا لأسماء أخرى احتلت الساحة بعد رحيل هؤلاء وأضافت لما قدموه إضافات مهمة، فى الوقت الذى نجد فيه نصوصا لا تستحق المكان الذى احتلته.

بل لقد تجاهلت اللجنة التى اختارت هذه النصوص ما قدمه الشعراء المصريون طوال العصور التى سبقت عصرنا هذا، تجاهلت ما قدمه البهاء زهير، وابن النبيه، والبوصيرى، وابن الفارض، وابن سناء الملك، وكأن مصر لم تقل شعرا من قبل.

وأنا لا أعرف شاعرا مصريا قبل البارودى مصر اللغة الفصحى دون أى تكلف، ودون أن يفقدها شيئا من فصاحتها، وحولها من كتابة إلى كلام تتمثل فيه الشخصية المصرية بذكائها وسرعة بديهتها ومرحها وبراعتها فى اكتشاف المفارقة وتحويلها إلى مادة للفكاهة والسخرية.

والبهاء زهير المنسى فى برامجنا الدراسية الآن كان حاضرا ومقروءا فى أيام شوقى وحافظ، وقد تأثر به شوقى، كما يبدو فى قصيدته التى غناها عبد الوهاب ومطلعها..

علموه كيف يجفو فجفا.. ظالم لاقيت منه ما كفى

وهذا المطلع يذكرنا بالبيت الذى يقول فيه البهاء زهير:

هم علموه قصار يهجرنى.. ربِّ خذ الحق من معلمه!

أما كمال الدين بن النبيه الذى عاش فى القرن السادس الهجرى ـ الثانى عشر الميلادى ـ فهو فى رأى بعض الدارسين أمير شعراء زمانه، وكان المصريون يقرأون له ويغنون أشعاره، ومنها قصيدته التى يقول فى مطلعها:

أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا ..ملك الفؤاد فما عسى أن أصنعا؟!

ومنها قصيدته:

أمانا أيها القمر المطلُّ، .. فمن جفنيك أسيافٌ تسلُّ، ونختم بالبوصيرى الذى عاش فى القرن الثالث عشر الميلادى، وهو صاحب «البردة» التى مدح فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، كما مدحه كعب بن زهير فخلع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بردته، والبوصيرى يقول فى مطلع قصيدته الشهيرة:أمن تذكر جيران بذى سلم .. مزجت دمعا جرى من مقلة بدم؟!

وقد تأثر شوقى بهذه القصيدة وعارضها فى «نهج البردة» التى يقول فى مطلعها:

ريم على القاع بين البان والعلم .. أحلّ سفك دمى فى الأشهر الحرم، وقد لحنها السنباطى وغنتها أم كلثوم، وفى الأسبوع المقبل نكمل هذا الحديث.


لمزيد من مقالات أحمد عبدالمعطى حجازى

رابط دائم: