لم يدهشنى نعى الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الفنان الكبير جان لوك جودار قبل أيام، إذ أثنى عليه أشد الثناء ووصفه بأنه ذو رؤيةٍ عبقرية ابتكر فنًا عصريًا وحرًا بشكل كامل.
ماكرون اليمينى المُتأثر بالليبرالية الجديدة يثنى كل هذا الثناء على جودار المخرج السينمائى الذى التزم طول حياته الفنية بموقعٍ فى أقصى اليسار، أو قريبًا منه، وضحى بالانتشار الواسع الذى يسعى إليه كلُ مبدعٍ من أجل المحافظة على ما آمن به. لكن ماكرون يؤمنُ أيضًا بالحرية، ويستطيعُ التمييز بين السمين والغث، فلا يمنعه الاختلاف من إعطاء فنانٍ عظيمٍ حقه.
وليس ماكرون وحده الذى لم يفسد الاختلاف نظرته إلى فنانٍ حقيقى. يعترفُ غيرٍ قليل ممن يختلفون معه فكريًا، وفنيًا أيضًا، بأنه رائد الموجة السينمائية الجديدة التى أطلقها فى ستينيات القرن الماضى، وتحديدًا منذ تحوله من الفلسفة الوجودية إلى الماركسية فى نسختها الماوية، فى وقتٍ كانت اللينينية – الستالينية مسيطرةً على اليسار الماركسى فى العالم.
يوصف جودار بأنه أحد أكثر الفنانين المعاصرين التزامًا. لكنه تجاوز فى بعض مواقفه الالتزام إلى التمرد، بل ربما يجوز القول إنه كان متمردًا فى الأساس على المستويين السياسى والفنى. بدا تمرده فى رفضه لفترةٍ طويلة العمل فى إطار النظام الرأسمالى، وفى تعريفه لمنهجه بأنه صنعُ أفلامٍ ثورية بأسلوبٍ ثورى، إذ امتزج السياسى والفنى فى رؤيته وأعماله. وربما نجدُ أهم تجليات هذا المزيج فى قيادته سينمائيين سعوا إلى تعطيل دورة مهرجان كان عام 1968 تضامنًا مع الانتفاضة الثورية فى فرنسا0
ودفعه الالتزام-التمرد إلى الاستغناء فى تلك المرحلة عن أدوات السينما والاعتماد على كاميرا فيديو كانت إمكاناتها محدودة. ولم يتخل عن التزامه عندما خفت حدة تمرده فى الثمانينيات، ولكنه صار أكثر نضجًا، فازداد اهتمام منظمى المهرجانات السينمائية الدولية بأعماله، وصولاً إلى اختيار مشهدٍ من فيلمه بيرو الأحمق ملصقًا رسميًا للدورة 71 لمهرجان كان عام 2018 0 ومع ذلك لم يحضر، بل وجَّه رسالةً عن الأوضاع المأساوية فى العالم، والمنطقة العربية التى كان دعمه المستمر لشعب فلسطين مدخله إلى معرفة قضاياها.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: