رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

موت ملكة

لم تكن يوما فردا من العائلة، لم نتحدث نفس اللغة، ولم يكن اللقاء سوى حلم بعيد المنال، فقد كانت تعيش على بعد آلاف الأميال فى برجها العاجى، بل إن البعض يربط بينها وبين ماضينا الاستعماري.ولكن ما سر هذه الموجة من الحزن الخفى التى تسللت إلى القلوب ونحن نتابع مراسم وداع ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية. هل هى رهبة الموت وقدسيته، ذلك الضيف الغامض المخيف الذى يفاجئ البشر مهما تقدموا بالعمر ويصيبهم فى أغلى ما يملكون؟ أم أنه وجهها المألوف وابتسامتها الطيبة التى اعتدنا عليها وسنفتقدها فى المستقبل؟. أم أنه وداع لحقبة زمنية كنا نعتقد أنها لن تنتهي؟.

يفسر الخبراء هذا النوع من الحزن، بأنه يرجع لاستدعاء كل منا لتجارب شخصية سابقة ويبكى ما فقدهم من أعزاء قبل أن يبكى المشاهير والشخصيات العامة. أو كما يفسرها الفيلسوف الإغريقى أرسطو بأنه نوع من التطهير للنفس وتخليصها من مشاعر كامنة غير مستخدمة ولكنها تثقل الروح. ولكن لماذا الملكة؟ تلك السيدة التى عاشت قرابة قرن من الزمان كمواطن فوق العادة، تتنقل بين القصور. ولم تحمل يوما وثيقة رسمية تثبت هويتها، أو تسمح لها بالسفر. فقد كانت الحياة تفتح لها ذراعيها طوال الوقت. ولكن الحقيقة أن الإعلام البريطانى لعب دورا هائلا فى إدخال أقدم ملكة فى العالم ليس فقط إلى بيوتنا، بل إلى عقولنا وقلوبنا. فمنذ توليها العرش، نصبت الصحف البريطانية و«بى بى سى» نفسها حارسا أمينا على صورتها العامة. فهى ملكة ولكنها زوجة وأم فى المقام الأول. وعلى الرغم من الفضائح والأزمات التى مرت بأولادها وأحفادها، فإنها كانت حاضرة وصامدة وتعاملت بترو وحكمة للحفاظ على الخيط الرفيع الذى يربط بين أبنائها، واحتوتهم. وحاولت الظهور فى صورة ربة الأسرة الحكيمة، التى التزمت بدورها الرئيسى كملكة، لكنه لم يؤثر يوما على إنسانيتها وأمومتها، وكانت ابتسامتها الحانية والصور والتسجيلات التى تعكس مدى تقاربها مع أحفادها خير دليل على ذلك.

مقتل أميرة القلوب ديانا، ربما كان أصعب اختبار مرت به هى وعائلتها. وعلى الرغم من أن الجميع نصب نفسه قاضيا لمحاكمة الأسرة الملكية، فإن هذا الحادث قرب الملكة إلى الناس فى كل مكان. فهى فى النهاية حماة كما هو الحال فى كل أسرة فقيرة كانت أم غنية، تعانى أزمة مع ابنها وزوجة ابنها. وكما هو الحال فى كثير من الزيجات فشلت فى الإصلاح. ومع تفجر الأزمة، كان همها الأكبر هو الأحفاد، كما اعترفوا هم أنفسهم.ربما كان الهدوء والتحفظ فى الكلام أكثر ما ميز الملكة الراحلة، ففى الهدوء نعيم وفى الصمت حياة وما بين الاثنين تفاصيل لا أحد يدركها، كما يقول محمود درويش.


لمزيد من مقالات مروى محمد إبراهيم

رابط دائم: