رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عوامل بناء الأسرة

العملُ السَّديد لا بدَّ مِن أن يُسبقَ بوعيٍ رشيدٍ، ولهذا يُعدُّ من الخطوات الأولى لتكوينِ أسرةٍ إدراكُ المفاهيمِ والدِّلالاتِ الشَّرعيَّةِ الخاصَّةِ بهذا الأَمْرِ، خصوصًا أنَّ (الأسرة) لأهميّتِهَا جعَلَ اللهُ بَذْرتَهَا الأُولَى مِنَ الآياتِ الدالَّةِ على رُبوبيتِهِ وكمَالِ قُدرتِهِ ورحمتِهِ فقال عزَّ وجلَّ: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» [الروم: 21].

وقد تضمنتِ الآيةُ الكريمة مفاهيمَ عدَّةَ ينبغي أن يَعيَ مدلولاتها الْمُقدِمون على الزواج، فقوله سبحانه: «خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا» أشار إلى مفهوم (اتحادِ النوعِ) «مِنْ أَنْفُسِكُمْ» المقتضي التكافؤَ في الحقوقِ والواجباتِ، كما أشار إلى مفهوم (الزوجية) المقتضي التكامل بيْنَ الزوجيْنِ، وأنَّ لكلِّ مِنهما دَوْرًا ومسئوليةً لا يُغنِي عنه فيها غيرُهُ، وفي الحديثِ الشَّريفِ: «كُلُّكُم راعٍ وكلُّكُم مسئولٌ عن رعيتِهِ..، والرجلُ راعٍ في أهْلِهِ وهو مسئولٌ عن رَعيتِه، والمرأةُ راعيَةٌ في بيتِ زوجِهَا ومسئولةٌ عن رَعيتِهَا».

ثم إنَّ هذا المفهومَ يقتضي (مشاركةً) تمتدُّ إلى سائرِ الشئون، فيكون بين الزوجين (التناصح)، وهو من عوامل استقرار الأسرة، وها هو سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يستمعُ لمشورةِ زوجته السيدةِ أم سلمَةَ رضي الله عنها حين أمَرَ المسلمين بالتحلل من العمرة عامَ الحديبية فتأخروا في الاستجابة، فأشارتْ عليه بأن يخرجَ فيتحلل من عمرته ولا يُكلّم أحدًا، فلمَّا فعَلَ صلى الله عليه وسلم ذلك امتثل المسلمون.

ومفهوم السَّكينة «لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا» يَقتضِي حَركةً؛ أي: كَدًّا وسَعيًا على الرزقِ والكَسْبِ، وهو ما على الرجلِ أن يقومَ به حتى يجدَ السكينةَ في بيتِهِ.

والسكينةُ لنْ تحصُلَ من زوجةٍ غيرِ ناضجَةٍ، وهذا ما يجعلُ الأهلَ لا يتعجلونَ في أمرِ الزواج لمجردِ الاكتمالِ البَدَنيِّ، بل لا بدَّ من النُّضجِ العقليِّ والنفسيِّ أيضًا.

وذكرتِ الآيةُ عجيبَ إنعامِ الله بأنْ يُنبِتَ بين هذيْنِ القلبيْنِ وهاتيْنِ النفسيْنِ مودَّةً ورحمةً حتى وإِنْ لم يُوجَدْ سابقُ معرفةٍ بينَهُما، وهذا ما يدلُّ على أنَّ هذه الأمورَ العظَيمةَ (السكينةَ، والمودةَ، والرحمةَ) نِعَمٌ وعطاءاتٌ رَبّانيَّةٌ يَمُنُّ اللهُ بها على الزوجيْنِ، وفُقدانُها يكونُ بتقصيرٍ منهما؛ فالتقصيرُ في توفيرِ التُّربةِ الصالحةِ للإِنْباتِ، أو في عدمِ تَعهُّدِ النباتِ بالرعايةِ والإصلاحِ، كُلُّ هذا يُؤدّي إلى فَقْدِه!

ومن المفاهيم المهمة مفهوم القوامة. قال تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» [النساء: 34]، فليس معنى القوامةِ نَقصَ أهليَّةِ المرأة، أو انتقاصَ قَدرِها، أو النيابَةَ الجَبريَّةَ عنها في التّصرفِ في حقوقِها، وإنَّما القوامَةُ هي القيامُ بأمرِ الزوجةِ وحمايتُها ورعايةُ شُئونِها ماديًّا ومعنويًّا، وهذا يتطلبُ أنْ يكونَ الشابُّ المقبلُ على الزواجِ مستكملًا التأهيلَ النفسيَّ والدّينيَّ والخُلُقيَّ والثَّقافيَّ كما يستكملُ التأهيلَ الماديَّ.

ومن أهم عوامل تكوين الأسرة (الدعاء)! نعم لأنَّ الدعاءَ الصادقَ ضراعةٌ ولجوءٌ إلى اللهِ مع بذْلِ الوُسع لتحصيلِ المراد، وهذا حقيقةُ العبادَةِ والتوكل في الإسلام، يتعبَّدُ خليفَةُ اللهِ في أرضه ربَّهُ بالسعي في تحصيلِ أسبابِ الحياةِ المختلفةِ قَدْرَ استطاعتِه، مع اعتقادِهِ الجازمِ بأنَّ الأمر بيد الله، وأنَّ ما شاء الله كان وما لم يشأْ لم يكن، فيلجأُ بضعفِهِ وعجزِهِ واحتياجِهِ إلى خالقِهِ ورازقِه القويِّ القادِرِ الغنيِّ.


لمزيد من مقالات د. يوسف عامر رئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس الشيوخ

رابط دائم: