رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اجتهادات
بدايةُ الولع بالتغريب

الفرقُ كبيرُ بين التنوير، من حيث هو أفكارُ وقيمُ إنسانية عبرت فى القرن الثامن عشر عن توقٍ إلى إخراج العقل البشرى من قمقمٍ حُبس فيه طويلاً ليفكر ويُبدع ويبتكر ويخترع، والتغريب بما ينطوى عليه من تقليد الغرب انطلاقًا من اعتقاد فى أنه (ما لم يأخذ الشرق بالعناصر الحيوية المناسبة التى كانت فى أساس انطلاق الغرب إلى معارج النهضة، ستبقى أى محاولة لتغيير العقلية الشرقية محكومة بالفشل). وصاحبُ هذه العبارة هو من يمكن اعتباره مؤسس ما يجوزُ أن نسميها حالة الولع بالتغريب. إنه المثقف الموسوعى اللبنانى فرح أنطون الذى عاش معظم حياته فى مصر، وتحل المئويةُ الأولى لرحيله هذا العام. ولا يعنى نقد أنطون إغفال فضله فى التعريف بالأفكار الغربية الحديثة فى مطلع القرن الماضى، حين كانت المعرفةُ بها نادرةً ومحصورةً فى عددٍ قليلٍ من المثقفين الذين قام نفر منهم بترجمة كتاباتٍ غربيةٍ للمرة الأولى. ولكنه ذهب بعيدًا، ومضى فى اتجاهٍ لا يقودُ إلى الاستفادة من أفكارٍ أحسن حين عرَّف بها. فلكى يُستفاد من أى فكرٍ فى غير بيئته، لابد من تفكيكه واستخلاص جواهره لزرعها فى التربة المراد تحقيق الفائدة فيها، ليأتى ثمرها ملائمًا لهذه التربة بتاريخها وميراثها الفكرى، وظروفها وأوضاع البشر بها. ولا تفيدُ أيضًا العودة إلى الموروث الفكرى بطريقةٍ انتقائية، ثم تأويل المُنتقَى منه على نحوٍ يجعله صدى صوتٍ للأفكار التى يُراد الاستفادة منها فى غير بيئتها، مثلما فعل فى الكتاب الذى أصدره عن فلسفة ابن رُشد. كان أنطون متعجلاً، فلم يلاحظ الفرق بين مستوى التطور فى أوروبا حيث أينعت أفكارُ التنوير بعد أكثر من ثلاثة قرونٍ حدث فيها تغيرُ تدريجىُ ولكنه عميق، وبلدان عربية لم تعرف مثل ذلك التطور. ولهذا بدا كمن كان يحاولُ حرق مراحلٍ يتعين المرور بها0 وكذلك فعل بعضُ مثقفى زمنه الذين تجاوزوا التنوير إلى التغريب, مثل سلامة موسى ومارون عبود، وغيرهما ممن تميزوا بالإنتاج الغزير والجسارة فى طرح تصوراتهم، خاصةً أنطون الذى أمضى حياته كلها قارئًا وكاتبًا. فسلامُ لروحه فى مئويته الأولى.


لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد

رابط دائم: