رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

نجيب محفوظ فى زيارة الأيام الثلاثة إلى اليمن

كتب ــ إبراهيم العشماوى

اليمن محطة من ثلاث محطات فقط سافر إليها أديب «نوبل» المصرى القدير نجيب محفوظ (1911- 2006)، الذى فضل الغوص فى الحياة المصرية بتفاصيلها وأحوالها. وسبقت اليمن، زيارته إلى يوغسلافيا عام 1951، تلك الزيارة التى كانت بأمر مباشر من الزعيم جمال عبدالناصر مشاركا فى وفد ثقافى. وكانت ثالثة الزيارات، توجهه إلى بريطانيا عام 1989 بغرض العلاج.

الرحلة اليمنية التى قطعها محفوظ، الذى حلت أمس الذكرى الـ 16 لرحيله، تمت بناء على رغبة المشير عبدالحكيم عامر. وكانت مثقلة بالهموم والتعب والإرهاق، كما وصفها هو، لأنها جاءت بعد إصابته بمرض السكر، ولأنها جاءت خلال أشهر الصيف الحارة فى يوليو عام 1963، واستغرقت 17 يوما عبر البحر الأحمر، ذهابا وإيابا، قضى منها ثلاثة أيام بين جبال اليمن برفقة الأدباء: يوسف السباعى، ومهدى علام، وأنيس منصور، وصالح جودت، ومحمود حسن إسماعيل.

وزار محفوظ خلال رحلته أربع مدن يمنية هي: «الحديدة»، و«صنعاء»، و«تعز»، و«مأرب».

روى محفوظ لرجاء النقاش التفاصيل الكاملة حول زيارته اليمن، وذلك كما ورد فى كتاب النقاش: «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ»، معتبرا أن «الرحلة فى مجملها كانت مرهقة ولا تطاق، وفى رحلة الذهاب كان ظنى أن حرب اليمن قد انتهت والأمن هناك مستقر، وإلا فكيف يجرؤون على إرسال وفد مدنى إلى جبهة قتال؟»

ويكمل محفوظ: «عرفت الحقيقة المرة، هى أن الحرب الدائرة قد تطول لسنوات، لأن القوات المصرية هناك لا تحارب جيشا نظاميا، بل قبائل متناثرة فى الجبال تعتمد على أسلوب حرب العصابات، من كر وفر، وكمائن متحركة وغير ذلك». وصدق توقع نجيب محفوظ، حيث استمرت الحرب فى اليمن ثمانية أعوام، وغادر الجيش المصرى أراضيها عام 1967، لتتم المصالحة عام 1970 بين الأطراف اليمنية.

وكان الأديب الكبير قد قدم خلال زيارته تصوره إلى سبيل حل أزمة الحرب، فأكد فى خطاب أدلى به هناك: «بصراحة الحل الوحيد هو أن نفكر فى طريقة مشرفة للانسحاب من هذه الحرب، بعد أن نوفق بين القبائل المتناحرة، ونخلق سلطة شرعية يمنية تحكم اليمنيين باختيارهم الحر».

وسجل محفوظ انطباعاته عن زيارة "اليمن" بطريقته السردية الرائعة من خلال مجموعته القصصية "تحت المظلة"، الصادرة عام 1969 بعنوان "ثلاثة أيام فى اليمن"، وذلك من خلال ما جاء على لسان شخصيتين رمزيتين هما "الأديب" و"الجندي".

ويوضح الكاتب والناقد الأدبى اليمنى الدكتور فارس البيل، أن من يقرأ "ثلاثة أيام فى اليمن" يشعر بمدى الواقعية السردية الساحرة، التى وظفها الأديب الكبير ليجسد معاناة الإنسان اليمنى، والبيئة اليمنية التى شدته بتنوعها وجمال طبيعتها الآسرة. ويضيف البيل: "أدهشه جبل صبر الذى يحتضن مدينة تعز، التى اعتبرها سويسرا أو لبنان، قائلا: (الحقول خضراء، المراعى خضراء، الطرقات مجللة بالأشجار، الحدائق أكثر من البيوت عدا، سلسلة من الجبال كالأنغام المتموجة مكسوة بالزمرد مزركشة بالأزهار، الجو لطيف. بريق السحر معبقا بشذا الورد والثمار.. الشيء التعس الوحيد كان المواطن اليمنى الذى كان مثالاً للفقر): وكشف البيل عن أن محفوظ لم يستطع لقاء ابن أخته، الذى كان منتدبا طبيا ضمن الجيش المصرى لمساندة الجيش اليمنى، وكان القريب الشاب قد أصيب خلال هذه المهمة.

وعن عادات اليمنيين، لاحظ محفوظ ظاهرة تناول الـ«قات»، النبات الذى يتعاطاه أغلب اليمنيين من بعد الظهيرة، فتحدث عنه: «أجل إنه القات!. الدنيا تنساب فى حلم كبير يرفرف فوق المدينة ولم نعد إلا أشباحا لا حقيقة لها. وثمة تاجر مستلق على أريكة أمام دكان سأله القائد عن مكان ما ولكنه لم يبد حراكاً ولم ينبس بكلمة.. ما فعل إلا أن رفع يده ببطء شديد مشيراً نحو المكان كأنما هى صورة متحركة مصورة بالتصوير البطىء، أما ظاهر الرجل اليمنى فيتلخص فى لحية وخنجر وبندقية».

وبتجاوزه للظاهر، أشاد محفوظ بحقيقة الرجل اليمنى، قائلا: «الشعب اليمنى شعلة من النشاط والذكاء». وفى موضع آخر من قصته، يقول: «رجال أشداء حقا، من سلالة غزت العالم ذات يوم، وقوة مدخرة للخير مستقبلا، كما لا يغفل أصالة هذا البلد وفضله ومكانته التاريخية للعرب».

وفى «مأرب»، شاهد الأديب ومرافقوه عرش الملكة السبئية بلقيس وآثارها.

وفى صنعاء، التقى محفوظ فريقا مصريا كان يعمل على أول ميزانية لليمن حينها كأساس لنظامها الاقتصادى، وعن هذا اللقاء، قال: «دعونى لزيارة جناحهم فى القصر، فذهبت معهم وأنا أداعبهم قائلا: (إذن فأنتم أول من بشّر بالروتين فى أرض اليمن)».

ويصف محفوظ جولته مع رفاقه فى أحد أسواق تعز: «تجولنا فى السوق. الوجوه ناضرة جميلة. الحوانيت يديرها غلمان هم آيات فى النشاط والذكاء. اخترنا محلا متوسطا فانقضضنا عليه كمجموعة من الفئران. زاغت الأبصار بين لعب الأطفال والساعات الأتوماتيكية والأغطية والمفارش والبلوزات والإشاربات والشالات. من جميع بلاد المعمورة. وابتاع كل حقيبة متوسطة ليودع بها هداياه». وعاد محفوظ من اليمن بشال لزوجته وهدية وملابس لابنته وبعض الهدايا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق