رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الأمم المتحدة ..وتبييض وجه الصهيونية!

أن يقوم بإنجاز مهمة تبييض وجه الصهيونية إسرائيليون أو مؤمنون بالصهيونية، فإن الأمر يصبح مفهوما أو قابلا للفهم، أما أن تقوم هيئة الأمم المتحدة بهذه المهمة، من خلال موافقتها على منح الصفة الاستشارية للحركة الصهيونية الأمريكية المعروفة اختصارا ب، (AZH) في المجلس الاقتصادى الاجتماعى للهيئة الدولية، فذلك يعتبر خلطا للأوراق، على نحو يستعصى على الفهم. الحركة الصهيونية الأمريكية تأسست فى 1993 وهى تعد المنظمة الأم لعدد من الحركات الصهيونية وتعمل على ربط الجاليات اليهودية الأمريكية بإسرائيل، وتشجع الهجرة والاستيطان ونشر القيم الصهيونية فى الولايات المتحدة.

وهذا القرار بمنح الصفة الاستشارية لهذه المنظمة الصهيونية الأمريكية، له تداعيات عديدة، سواء تعلق الأمر بأداء الأمم المتحدة، أو المجلس الاقتصادى الاجتماعى، والذى يمثل أحد أهم الأجهزة التابعة للهيئة الدولية ومسئول عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومختلف السياسات العالمية التى تتعلق بهذا الشأن.

وكذلك الأمر فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطينى غير القابلة للتصرف وتعويق نضاله المشروع ضد العنصرية والفصل العنصرى.

بعد أن تم إلغاء القرار رقم 3379 الصادر 1975 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذى اعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية، رأت إسرائيل أن الطريق مفتوح لإعادة الاعتبار للصهيونية، وهذه الموافقة على منح هذه الصفة الاستشارية تعتبر مكملة لقرار إلغاء مساواة الصهيونية بالعنصرية. فى الوقت الذى تقوم فيه إسرائيل بإغلاق المؤسسات الأهلية المدنية الفلسطينية والبالغ عددها 7 منظمات، تمنح الأمم المتحدة هذه الصفة الاستشارية للحركة الصهيونية الأمريكية.

قرار السلطات الإسرائيلية بإسكات صوت المجتمع المدنى الفلسطينى حظى بانتقاد الكثيرين حول العالم من أعضاء كونجرس ومنظمات يهودية وأمريكية وفلسطينية، كما أن الاتحاد الأوروبى الذى يقدم التمويل لهذه المؤسسات أكد أنه لم يثبت حتى الآن صحة المزاعم الإسرائيلية الموجهة إلى هذه المنظمات، منح الصفة الاستشارية للحركة الصهيونية الأمريكية يتيح لها الوجود الرسمى فى أروقة المجلس الاقتصادى الاجتماعى وعقد اللقاءات والاجتماعات، وممارسة النشاط للمنظمات الصهيونية المختلفة التى تدخل فى إطار هذه الحركة فى أروقة الأمم المتحدة.

ويثير هذا الأمر العديد من الانتقادات، يتعلق أولها بمعيار اعتبار هذه الحركة الصهيونية الأمريكية منظمة مجتمع مدنى، ذلك أن منظمات المجتمع المدنى التى حصلت على هذه الصفة الاستشارية، تتعلق أنشطتها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وحقوق الإنسان المختلفة الثقافية والصحية والاجتماعية والمدنية والسياسية، فى حين أن هذه المنظمة تعمل لمصلحة هجرة اليهود إلى إسرائيل ونشر القيم الصهيونية وتأييد إسرائيل، وهى مجالات بعيدة تماما عن مجالات منظمات المجتمع المدنى وتصب فى دعم السياسات الإسرائيلية العنصرية إزاء الشعب الفلسطينى.

وفضلا عن ذلك فإن الحكمة من النص على منح هذه الصفة الاستشارية لمنظمات المجتمع المدنى، هى تقديم الخبرات الميدانية لهذه المنظمات للمجلس الاقتصادى الاجتماعى، ولنا أن نتساءل ما هى نوعية الخبرات التى يمكن لمثل هذه الحركة تقديمها لأعضاء المجلس ولجانه المختلفة، هل هى خبرات فى مجال تهجير اليهود وتأييد السياسات العنصرية الممنهجة التى تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى؟.

ومنح هذه الصفة الاستشارية للحركة الصهيونية الأمريكية يقف فى تناقض حاد مع القرارات الدولية، الصادرة عن الأمم المتحدة والتى تتعلق بالقضية الفلسطينية, سواء تعلق الأمر بانتهاك اتفاقيات جنيف أو حقوق الإنسان الفلسطينى أو عدم جواز احتلال الأراضى بالقوة أو حقوق الشعب الفلسطينى غير القابلة للتصرف، تلك القرارات التى لم تحظ من قبل إسرائيل سوى بالتجاهل والإهمال واللا مبالاة، ويبدو هذا القرار على ضوء ذلك مكافأة مجانية لإسرائيل وتشجيعا لها على الاستمرار على هذا النحو الذى يتعارض مع أهداف وغايات الهيئة الأممية لنشر السلام وتسوية النزاعات وتحرير الشعوب الخاضعة للاحتلال والعنصرية. كما أن قرار منح هذه الصفة الاستشارية للحركة الصهيونية الأمريكية، يحمل فى ثناياه تعزيز الرواية الصهيونية والإسرائيلية للصراع وتأكيد مصداقيتها، وتبرئة الصهيونية وإسرائيل من صفات العنصرية والتوسع والعدوان على أبناء الشعب الفلسطينى.

ولاشك أن منح منظمة صهيونية الصفة الاستشارية، يتمثل أحد أهم مخاطره فى إرساء سابقة؛ يمكن لمنظمات يمينية وشعبوية وعنصرية فى مختلف أنحاء أوروبا وأمريكا أن تسترشد به فى طلب الحصول على هذه الصفة، رغم أنها قد لا تحظى بذات النفوذ والتأثير والشبكات التى أفضت إلى قبول المنظمة الصهيونية، فى جميع الأحوال فإن الأمم المتحدة تتحمل مسئولية تخاذلها عن الدفاع عن أحد أهم مبادئها المنصوص عليها فى الميثاق بالدفاع عن السلام والمساواة بين الشعوب ومحاربة العنصرية والتمييز.

يتحمل المجتمع المدنى الدولى والعربى فى مقدمته مسئولية التصدى لذلك الانحراف، والمبادرة لطلب رفض وتجميد منح الصفة الاستشارية لهذه المنظمة الصهيونية ليس فحسب دفاعا عن الشعب الفلسطينى وحقوقه التى تتعرض للانتهاك اليومى من قبل إسرائيل الصهيونية، بل أيضا دفاع عن المبادئ والمعايير التى تحدد طبيعة ومهام منظمات المجتمع المدنى والأهلى، وتجديد الإصرار على هذه المبادئ والحفاظ على روحها وفعاليتها فى مواجهة القضايا الملقاة على عاتق هذه المنظمات، وكذلك تعزيز مصداقية عمل هذه المؤسسات إن فى مواجهة الرأى العام أو فى مواجهة الدول والحكومات والناشطين المنتمين لهذه المؤسسات.


لمزيد من مقالات د. عبد العليم محمد

رابط دائم: