-
م. محمد أبو سعد ة: كشك الموسيقى والنافورة الأثرية ونادى السلاح.. جماليات باقية رغم تقلص المساحة لتسعة أفدنة
-
د.ماهر استينو: المياه الجوفية والسقف الخرسانى لمحطة المترو.. عقبات نتعامل معها والتراث المصرى ليس مبانى فقط
-
د. عبدالخالق إبراهيم : ملامح التطوير خلال ستة أشهر.. والشكل النهائى بعد عام
«أريد الأزبكية قطعة من باريس، تجمع بين جمال حدائق الغابة السوداء «غابة بولونيا» وبين منطقة أوبرا باريس والأحياء التجارية حولها» .. هكذا تحدث الخديو إسماعيل مفصحا عن حلمه إلى «هوسمان» المهندس الفرنسى الذى ذاع صيته فى تخطيط المدن، ومن وقت البوح بهذا الحلم الذى تحقق الكثير منه وقتها، ومنطقة الأزبكية ــ التى تعتبر الوصلة الحضارية والعمرانية بين القاهرة التاريخية والقاهرة الخديوية ــ تشهد صعودا وهبوطا لأرصدتها على مر العصور، فمن بركة قديمة تحيط بها قصور الأمراء إلى حديقة تعزف فيها الموسيقى وتحوى الأشجار والنباتات النادرة.. إلى أن حمل الزمن ما يعاكس خطة الحلم القديم تماما، ففى منتصف القرن العشرين أزيلت أسوارها وأقيمت فيها المقاهى، واستقطعت يوما بعد يوم من أرضها مساحات للمسارح وللسنترال، واستبدلت وظيفة سورها الشهير من معرض لنفائس الكتب إلى واجهة لمنتجات البوتيكات، فلماذا عدنا للحديث عنها بعد سنوات من النسيان والتجاهل لدرجة أن المارين بوسط البلد والعتبة قد لا يلحظون وجودها على الإطلاق؟

> جانب من التصور المقترح لشكل «الأزبكية» بعد التطوير
بعد إعلان موافقة المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء عن مقترح إعادة إحياء حديقة الأزبكية، عاد الحديث عن أجمل حدائق مصر التى مازالت تحتل مساحة مشهودة كأخت عزيزة لدار الأوبرا القديمة والمسرح القومى ومسرح العرائس .
حديقة هى فى الأصل تنسب إلى حى كامل أسسه القائد أزبك فى زمن السلطان قايتباى، ولم يكن بالتأكيد يقصد حينها، ما هو أكثر من توسع حققته إزالة الأتربة وإعادة حفر البركة ومدها بالماء من الخليج الناصرى، كانت البركة موجودة بالفعل، ولكن المكان ينقصه بعض الإضافات العمرانية والجمالية التى تؤهله للحاق بركب المتميزين فى زمنه، ليستمر تألقه وبهاؤه حتى جاء زمن وصفه فيه الشيخ حسن العطار الأب الروحى للشيخ رفاعة الطهطاوى بأنه: محل سكن الأمراء وموطن الرؤساء التى ترى الخضرة من خلال قصور مبيضة، كثياب سندس خضر على أثواب من فضة، ولا عجب وهى الأزبكية المسجلة فى كتاب وصف مصر.
انبهر الفرنسيون بواقع يفوق الأحلام فى ظل وجود بركة الأزبكية التى أقيمت حولها الحدائق، وبنيت القصور العامرة، والدور والمناظر الفاخرة، لتتهادى على صفحة مياهها قوارب النزهة.
لكن ليست الحكاية حكرا على زمن أزبك أو الحملة الفرنسية أو حتى الطهطاوى، للقصة وجوه أخرى فى بر مصر.
فحكاية الحدائق بدأت من زمن طويل يفوق الأزبكية، ربما فى زمن حملات تحتمس الثالث أعظم إمبراطور فى التاريخ الذى أضاف إلى مهمته الحربية بإحضار مجموعة نادرة من النباتات غرست فى طيبة، (إلى الآن تحتفظ حديقة النباتات الموجودة على جدران الكرنك بصورة لها وصلت إلى ١٧٥ نباتا درسها الألمان).
بعدها كانت تل العمارنة بالمنيا فى زمن إخناتون تضم قصره الفريد الذى ضم برك اللوتس والزهور والأشجار النادرة والبحيرة الزاخرة بكل أنواع الأسماك، مع وجود جوسق خشبى يجلس فيه أهل المكان للاستمتاع بالطبيعة ورؤية قرص الشمس.
وفى زمن آخر، كانت منازل الفسطاط قد احتفظت بحمام وفسقية، وأصبحت «الحسينية» هى أجمل متنزهات القاهرة التى امتدت حدائقها إلى منطقة كوبرى الليمون والفجالة. وذهب الناس يتطلعون إلى حدائق «خمارويه» التى ضمت أنواع الورد والزعفران على مساحة ٣٦ فدانا، وهو الأمر الذى تكرر مع الفاطميين الذين كان يتوه السفراء الأجانب فى حدائق قصورهم.
أما الأزبكية نفسها فقد عرفت فى المحروسة فى زمن لاحق بمناظر اللوق، وفى زمن المماليك والعثمانلية كانت القصور الفخيمة تطل على بركة الأزبكية.
زمن محمد على
لكن ليست هذه هى كل قصة حديقة الأزبكية التى قد وصلت مساحتها ــ كما تقول د. تريزا لبيب يوسف استشارى الحدائق النباتية والبنك القومى للجينات ــ إلى ٥٠ فدانا فى زمن محمد على، إلا أن الطبقة الأرضية كانت أكثر انخفاضا من مستوى النيل، مما جعلها عرضة لرشح المياه فى أيام الفيضان، فردمت لتزرع بنخيل البلح والسنط النيلى والفيكس البنغالى.

> النافورة الأثرية المصنوعة من الرخام تتوسط الحديقة
وفى عهد الخديو إسماعيل تم تخطيط هذه الحديقة المثمنة صاحبة السور الحديد لتتحول المنطقة نفسها بوجودها إلى أحياء جديدة. وقد بنى بها «جوسقين» أى أكشاك للموسيقى تعزف فيهما موسيقى الجيش وموسيقى أوربية، ومطعمان عربى وأوروبى، إضافة إلى مكان مخصص للغناء ودار للتمثيل.
أما النباتات التى اختصت حديقة الأزبكيه بها، فقد أرخها المهندس دليشفاليرى فى كتاب ليشرح كيف زرعت شجرة الهجلج السودانية والتين البنغالى والسنط الأبيض والباوباب والسنديان والاروكيا الشوكية وأرز الهيميلايا والبومباكس، وغيرها، حتى وصل عدد النباتات إلى ٥٠ نوعا معظمها تنتمى للمناطق الحارة، وإن افتقدت المشاتل المصرية عددا كبير منها الآن.
كانت الحديقة مزدانة بصخرة وأكمه ذات كهوف بها منحدر ماء ينتهى إلى بركة فى الوسط.
وتتوسطها النافورة الرخامية الشهيرة المحلاة بنقوش نباتية وحفر غائر لبعض فروع الأشجار، كما توجد بقايا صخرة لها كهوف بالجهة الغربية، وقد ردمت الكهوف لتتحول الصخرة إلى حديقة كبيرة للنباتات العصارية والشوكية.

> صورة كاملة لحديقة الأزبكية فى بدايات القرن العشرين
وسرعان ما انتهت الأعمال بعد إشراف المسيو بارليه المتخصص فى هندسة الحدائق من ١٨٧٠- ١٨٧٢، وأقيم احتفال كبير بافتتاح الحديقة عام ١٨٧٢حضره الخديو إسماعيل شخصيا
قواعد التطوير
لأن المسألة تختص بنظرة اعتناء وتطوير وارتقاء بحدائق مصر التراثية ذات الطابع المتميز، كما قال لنا المهندس
محمد أبو سعدة رئيس مجلس إدارة الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، مضيفا: بدأنا بعمل أرشيف لتوثيق هذه الحدائق، وقمنا برفع حدائق الأسماك بشكل كامل تنسيقى ومعمارى، وكذلك حديقتا الأورمان والأزبكية.
موضحا أنه بعد انتهاء عمل الخط الثالث لمترو الأنفاق، حيث من المفترض وجود محطة أسفل حديقة الأزبكية، وطبقا للتعاقد بين وزارة النقل ومحافظة القاهرة كان لابد من إعادة المشهد لأصله، ليبدأ تطوير حديقة الأزبكية بالتعاون بين محافظة القاهرة ووزارة الإسكان والجهاز القومى للتنسيق الحضارى.
ويكمل المهندس أبوسعدة قائلا: بدأنا فى رفع وتوثيق الحديقة، وبتمويل من وزارة الإسكان وبدعم من هيئة المترو. وكانت الحديقة قد تقلصت إلى تسعة أفدنة، وصحيح أن جزءا من مساحتها أسس عليه السنترال والمسارح، ولكن يبقى كيان يحمل بعض القيم الجمالية المتميزة منها: كشك الموسيقى والنافورة الأثرية ونادى السلاح.

صورة للحديقة فى بدايات القرن العشرين
والمشروع يهدف ــ كما يؤكد أبوسعدة ــ لعودة الحديقة، خاصة انها مازالت مثل كثير من الحدائق التراثية محتفظة بمقوماتها التاريخية كجزء من تاريخ مصر الحديث.
وأشار لوجود مشروع آخر مصاحب لعودة سور الأزبكية للكتب للحياة، وهو المكان الذى يعرفه كل المثقفين والطلبة صاحب المهمة الثقافية الرائعة على مر السنين.
كما أن هناك مبادرة أطلقتها وزارة الإسكان، حيث أعلنت عن مسابقة بين كليات الهندسة والكليات الفنية لتصميم أكشاك لها مكان محدد على أسوار الحديقة لتتناسب مع طبيعة الحديقة التراثية.
ويضيف: وفى جهاز التنسيق الحضارى بعد أن انتهينا من الأرشيف التوثيقى، قمنا بوضع الأسس، وهذا لن تختص به حديقة الأزبكية وحدها. فهناك نظرة من الدولة للحدائق التراثية فى مصر بشكل عام. وعند تطوير أى حديقة تراثية لابد من مراعاة اشتراطات بعينها، بمعنى أن وجود رواد يحتم وجود خدمات أيضا، والمهم ضرورة احتفاظ الحديقة بمعالمها، وعدم تغيير ملامحها. هى ليست حديقة عامة، ولكن تحمل مكونات تاريخية وأثرية خاصة بها.
ولدينا لجنة تضم عددا من المتخصصين فى مجال تنسيق المواقع والتخطيط والعمارة، لوضع أسس ومعايير تطوير الحدائق التراثية عرضت على المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية وتم اعتمادها.

صورة للحديقة فى بدايات القرن العشرين
وبهذا الشكل أصبحت لدينا القواعد اللازمة لكل من يريد أن يتعامل مع هذه الحدائق ذات القيمة. وعندما اعتمد المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية هذه الرؤية يكون بموجبها من المفترض أن يلتزم بها أى مشروع يعرض على الجهاز لحماية الحدائق حيث شهدت هذه الحدائق فى أوقات سابقة تغيرا فى ملامحها إلى حد بعيد.
وأوضح أن من أسباب تعرضها لفترات من الإهمال وجود تعدد لجهات الولاية على الحدائق، والآن وضعت الدولة إستراتيجية لكونها جزءا من التراث. وأصبح هناك أرشيف ومعايير وخطة تطوير وشراكة مع القطاع الخاص وآلية للإدارة والتشغيل .
لافتا إلى أن الحدائق التراثية لاتقع جميعها فى منطقة وسط البلد، ولكن فى أماكن متعددة. وبالنسبة لحديقة الأزبكية، فهى جزء مكمل فى خطة تطوير منطقة وسط البلد لوجود نادى السلاح وإطلالتها على فندق الكونتيننتال وميدان الأوبرا.
ولدينا فى منطقة وسط البلد أيضا تطوير فى ميدان طلعت حرب وعبدالخالق ثروت والعتبة. وهذه المجموعة من الميادين الرئيسية وبشكل بديهى هى المشَكلة لشرايين وسط البلد التى تعتبر المزار السياحى لأى مكان فى العالم.
وهدفنا وضع الرؤية ولكن الجهات التابعة لها الحدائق تضع الميزانية والخطة، ولا بد أن تعتمد منا. وهناك حدائق تابعة لوزارة الزراعة وأخرى تابعة للمحافظات وأخرى تابعة لوزارة الرى.
وتستكمل الحديث د. هايدى شلبـى المشرفة على الإدارة العامة للحفاظ على المبانى والمناطق التاريخية بجهاز التنسيق الحضارى: فحديقة الأزبكية لها قيمتها فى الذاكرة البصرية المصرية، وتعتبر من أول المتنزهات المفتوحة، إلى جانب الأحداث الفنية المهمة مثل حفلات أم كلثوم وسوق الأزبكية للكتب، وكل ذلك له أثره فى الصورة الذهنية للحديقة. كما أنها تمثل الرئة الخضراء الوحيدة بمنطقة وسط البلد، وهذا عنصر مهم لأنها تمنح غطاء نباتيا وتواجدا أخضر يضيف إلى المنطقة جمالا ورقيا. ولدينا الآن بالفعل طريق مرسوم للتعامل مع هذه الحدائق، وأسس ومعايير يمكن من خلالها الحفاظ والارتقاء، وإدارة هذه الحدائق.
الحدائق.. تراث أيضا
ولكن كيف ومتى، يجيب د. عبدالخالق إبراهيم مساعد وزير الإسكان للشئون الفنية إن منطقة عين الصيرة والمتحف القومى للحضارة بمنطقتها المحيطة إحدى إنجازات الوزارة للاهتمام بمعالم القاهرة المتميزة، ومنحها شكلا حضاريا مميزا. وبالنسبة للأزبكية فالاهتمام كبير أيضا بتطويرها حيث تقوم هيئة المجتمعات العمرانية بتمويلها. وخلال ستة أشهر ستظهر ملامحها المتميزة، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء خلال السنة القادمة.
ويرى د. ماهر استينو رئيس اللجنة النوعية لوضع أسس ومعايير الحفاظ والارتقاء وإدارة الحدائق ذات الطابع المعمارى المتميز: أنه بالفعل تم تسجيل مجموعة من الحدائق، وهناك قرارت فعلية بضرورة الحفاظ على الحدائق المهمة مثل الأزبكية والأسماك والحيوان، والآن يجرى الحفاظ ليس فقط على المبانى وحدها، ولكن أيضا على الحدائق بوصفها جزءا مهما من التراث المصرى.
وهناك بالفعل بعض التشوهات والإهمال الذى واجهته بعض الحدائق، وهناك حدائق تقلصت مساحتها مثل حديقة الأزبكية. كما توجد بعض التحديات فى حديقة الأزبكية واحد منها مثلا أنه يقبع تحت الحديقة محطة مترو بسقف خرسانة وهذا يتطلب مجهودا خاصا فى الاتجاه الصحيح للعودة بالحديقة إلى شكلها الأصلى.
كما توجد بها بعض العناصر الشديدة التميز مثل النافورة الأثرية التى يجب التعامل معها بفنية ودقة فائقة، والآن وبوجه عام انتهينا من الرسومات وجار التنفيذ وبدأنا فى التعامل مع معوقات المياه الجوفية.
ومن المفترض أن ينتهى العمل خلال عدة أشهر. وأن يحدث نوع من الربط بين حديقة الأزبكية والعناصر المعمارية الأخرى الموجودة حولها، ومنها منطقة المسارح حتى لا تكون معزولة.
آراء وتعليقات..كلها تعنى أن هناك دعوة واتجاها لنظرة جديدة للحدائق التراثية، وقد ظلت لسنوات وسنوات بعيدة عن الأضواء، تسكن صورها الأرشيف واللقطات الفوتوغرافية فى مواقع التواصل الاجتماعى.
ولهذا سنظل فى انتظار أن تعود حدائق الأزبكية والأورمان والحيوان والزهرية والأسماك إلى اهتمام الناس وإعجابهم بدلا من سكنتهم فقط فى ظل الواقع الافتراضى.
القائمة تتسع لحدائق أخرى:
-
«الحيوان» .. «الأعلى للثقافة» حذر من تغيير بيئتها الأصلية
-
«الأسماك» .. فتح وإغلاق متكرر.. وجدل حول تسجيلها أثريا
تبدو قصص الحدائق فى بر مصر ... مفتاحا لأكثر مما هو جميل أو ممتع أو قائم بمقام ترفيهى.
حدائق مصر وعلى امتدادها من القناطر الخيرية التى كانت فتحا جديدا فى المحروسة، الجزيرة والزهرية والحرية والنهر وهى بنات النيل.
الأورمان والحيوان والأسماك وهى ذات تاريخ شخصى لدى كل أسرة مصرية مازالت تحتفظ فى ألبوم الذكريات بلقطات متعددة، إحداها لقطة قريبة من الأحواض الزجاجية التـى تسكنها أسماك الزينة فى جبلاية الأسماك التى تمتد على مساحة عشرة أفدنة فى حديقة تضم أشجارا ونباتات نادرة جاءت إلى مصر لتسكن المكان منذ نهاية القرن التاسع عشر.
والأخرى لقطة وبنفس الكاميرا عند جزيرة الشاى فى رحاب أم الحدائق حديقة الحيوان، ولقطات أكثر إبهارا أمام شجرة لم نر لها مثيلا فى حديقة الأورمان.
هذه الحدائق التى يوضع لها الآن أسس ومعايير للحفاظ والارتقاء والإدارة، تعد صاحبة طابع معمارى مميز، وارتباط بالمصريين، هو ربما ما ساعدها على الصمود أمام شراسة الزحف العمرانى وغياب الوعى بمتطلبات البيئة العمرانية.

حديقة الحيوان تعرضت لتغيير يخالف بيئتها الأصلية
رأى خاص لأستاذ المعماريين يحيى الزينى، فقد جاء حين من الدهر أصبح فيه مثلا اسم حديقة الحرية غير وارد على فكر أى قاهرى، حيث لا توجد لها معالم إلا على الخرائط المساحية. ورغم أنه عاد وقرر فى كتابه « المدينة بين التنسيق والتأصيل» أن الصورة ليست كئيبة وانه حسب بيانات وزارة الدولة لشئون البيئة وجد أن ما أضيف من حدائق عامة فى القاهرة مثلا منذ عام ١٩٩١ حتى عام ١٩٩٧ يزيد مساحته على المائتى فدانا، فإن هذه الصورة البعيدة التى صدرت فى كتاب منذ أكثر من عشر سنوات، وضمت هذا التقرير تجاوزتها مساحة مضافة عند امتدادات القاهرة والمدن الجديدة.
ولهذا تبقى المسألة متعلقة بالوعى بمتطلبات البيئة العمرانية والتوازن بالحفاظ على كل هذا الفن الجميل الذى تمتلكه الحدائق التاريخية التى يعنى وضع خطة للحفاظ عليها تتضمن باقتدار وضع وتحديد خطوط مهمة فاصلة تحول دون أن تعانى مما عرفت فى السابق من تعد أو اهمال. فلا تعرف مرة أخرى ما عانت منه مثلا حديقة الحيوان فى بدايات الألفية حين أصدرت لجنة العمارة بالمجلس الأعلى للثقافة وقتها تقريرا شكل صرخة استغاثة من تغييرات أخلت بالصورة الأصلية المعروفة عن حديقة الحيوان وبيئتها ومسارات المشاة والأسوار والمقاعد والمسطحات المائية نتيجة وضع لافتات أشبه بلافتات الملاهى، وإضافة منشآت ومبان عشوائية، وإقامة خيم احتفالات وأعمدة إنارة ذات شكل قبيح، إلى جانب الحالة الصحية الصعبة لحيوانات الحديقة.
وأيضا حديقة الأسماك التى شهدت جدلا أثريا حول أحقيتها فى التسجيل كاملة أم بعض أجزائها ضمن عداد الآثار الإسلامية والقبطية، وما شهده تاريخها من فتح وإغلاق امتد من نهاية الستينيات إلى عام ١٩٨٣.
كانت أخطاء تم تدارك كثير منها، ولكننا اليوم نريد أن نتجاوز ما تعرضت له هذه الحدائق، والتى كان مصيرها كالأزبكية يشهد صعودا وهبوطا.
هذا التاريخ المختصر يعنى أن هذه الحدائق تنتظر تفاصيل خطة مصرية رائدة لها بصمات واضحة تشكل سورا مانعا يحول دون فقد كل هذا الجمال الشاهد فى تراثها، ويمنع عزلة هذه الحدائق التراثية، فلا تعرف فيما بعد تواضعا لمكانتها.
رابط دائم: