رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حرية الإبداع والحريات الأكاديمية ٢/٢

استعرَض مقال الأسبوع الماضى قضايا الحلقة النقاشية التى نظمّتها لجنتا الحقوق الثقافية والحقوق المدنية والسياسية بالمجلس القومى لحقوق الإنسان.أما مقال اليوم فإنه يتطرّق لأهم التوصيات التى انتهى إليها المشاركون. إن كل المشاركين ذهبوا إلى أنه لكى يكون هناك إبداع فى الفن أو فى البحث الأكاديمى فإنه لابد من توفّر المناخ الذى يشجّع على إطلاق الخيال وإنتاج الأفكار الجديدة. لكن توقّف المشاركون أمام سؤال من أين نبدأ؟ البعض رأى أن هناك تطورات إيجابية من أول إصدار الاستراتيچية الوطنية لحقوق الإنسان وحتى إطلاق الحوار الوطنى مرورًا بإعادة تشكيل وتنشيط لجنة العفو الرئاسى، وأن من المهم البناء على هذه التطورات من خلال مجموعة من الحلول الجزئية عملًا بقاعدة أن ما لا يُدرَك كله لا يُترَك كله. البعض الآخر طالب بحلول تفصيلية وليس بحلول جزئية، بمعنى أن هناك مثلًا مشكلة فى اختيار المسئولين الثقافيين تؤدى إلى عدم وضع المسئول المناسب فى المكان المناسب، فلنواجه إذن هذه المشكلة. وواقع الحال إن مراجعة وجهتى النظر السابقتين تجعلنا ننتهى إلى أنهما متوافقتان، فالحلول التفصيلية ليست إلا حلولًا جزئية.لكن الاختلاف الحقيقى هو بين هاتين الرؤيتين ووجهة النظر الثالثة التى تؤمن بالحلول الشاملة الفورية، وكمثال أثير سؤال عن مدى استعداد الجامعات فى وضعها الحالى لإطلاق الطاقات الإبداعية وتحرير العقول والأفكار؟والسؤال المذكور يحمل إجابته بين طياته، وهى أن إصلاح الشىء أصعب من إنشائه، وبالتالى فإن الأفضل إنشاء جامعات جديدة بنظام تعليم جديد وطرق تدريس جديدة. وفى الحقيقة إننا لو مددنا هذا الخط على استقامته لكان معناه استحداث مؤسسات جديدة فى كل المجالات وليس فقط فى المجال الجامعى، وهذا الأمر علاوة على أنه غير ممكن فإنه غير موضوعى، لأن فيه تعميما يتجاهل التباينات القائمة فيما بين الجامعات المختلفة وفيما بين الكليات المختلفة. أفتح قوسين هنا لأقول إن نقدًا لاذعًا نال الجامعات الإقليمية مع أن بعضها شديد التميّز. بعد ذلك يمكن توزيع توصيات المشاركين بين فئات ثلاث أساسية، واحدة تخصّ الدولة، وثانية تخصّ المؤسسات المختلفة ومنها المجلس القومى لحقوق الإنسان، وثالثة تخصّ المثقفين والأكاديميين.

بالنسبة للتوصيات المُوجهة للدولة، كانت هناك توصية عامة تطالب بإدراج قضية حرية الإبداع للنقاش فى مؤتمر الحوار الوطنى، وهناك مجال متاح بالفعل لتنفيذ هذه التوصية من خلال لجنة الثقافة والهوية كلجنة فرعية منبثقة عن لجنة الحوار المجتمعى. أما التفاصيل المطلوب مناقشتها فى الحوار الوطنى فكان هناك تركيز كبير على الحاجة للموازنة بين تنظيم المجال العام والتشجيع على حرية الفكر والإبداع. وجرى الحديث فى هذا السياق عن اللجوء إلى الرقابة الرشيدة أو الرحيمة التى لا تكبح الإبداع ولا تلحق أضرارًا مادية بالمبدعين سواء فى مجال النشر أو فى مجال الإنتاج السينمائى، مع ضرورة التنسيق بين الجهات الرقابية واختصار الدورة البيروقراطية للموافقات المطلوبة، وفضّل البعض عدم استخدام مصطلح الرقابة وطرح بديلًا له مصطلح الضبط، وفى رأيى أن الجوهر أهم من المسمّى. ومن ضمن التفاصيل أيضًا يأتى دور الدولة فى دعم صناعة السينما التى كان لمصر الريادة فيها، والاهتمام بالسينما المستقلة التى تطرح قضايا خارج الصندوق والتعامل مع تلك القضايا بالمعايير الفنية البحتة، فالواقعية فى الأعمال الدرامية هى الطريق للعالمية.واستحوذ تكوين الأطفال على مساحة معتبرة من الاهتمام، وقيل فى ذلك إن هناك حاجة لتنمية ذائقة الجمال فى مرحلة الطفولة من خلال إحياء الأنشطة الفنية والثقافية فى المدارس الابتدائية ومكافأة المبدعين فيها ، والاهتمام بفن الكارتون من خلال تخصيص ميزانية مناسبة له -علمًا بأن قضية ضرورة زيادة ميزانية وزارة الثقافة وأنشطتها المختلفة كانت موضع اتفاق بين كل المشاركين-، وتشكيل لجنة من المتخصصين لتلقّى أعمال المبدعين وتحكيمها وفق معايير شفافة، وتخصيص حصة للكارتون قبل سن المدرسة وحصة أخرى بعد هذه السن مع الاهتمام بالحفاظ على اللهجة المصرية، وحماية الملكية الفكرية لمبدعى الكارتون ما يشجعهم على الاستمرار فى هذا المجال.

وبالنسبة للتوصيات الموجهّة للمؤسسات المختلفة، تحدّث المشاركون عن حاجة تلك المؤسسات من جامعات ونقابات مهنية وفنية إلى المرونة فى التعامل مع موضوع الحريات، وتكرّرت عبارة أن المسئولين عن تلك المؤسسات تحوّلوا إلى ملكيين أكثر من الملك نفسه، بمعنى أنهم يخفضون سقف الحريات العامة بمبادرة ذاتية منهم ظنًا أن هذا يحقق المصلحة العامة، وهذا ليس جديدًا على أى حال،فلقد سبق للرقيب أن منَعَ أغانى أم كلثوم بعد ثورة يوليو وأعادها عبد الناصر، وتردَدَ الرقيب فى الموقف من فيلم شىء من الخوف وانتصرَ عبد الناصر لحرية الإبداع،وهكذا.وطولب المجلس الأعلى للجامعات بمزيد من إشراك مجالس الكليات فى القرارات التى تدخل فى صميم العملية التعليمية، كما تجدّد الطلب بتيسير تفاعل الأساتذة المصريين مع نظرائهم فى الخارج لما فيه مصلحة البحث العلمى،وبما يُعزّز من أدوات قوة مصر الناعمة. أما فيما يخص المطلوب من المجلس القومى لحقوق الإنسان فلقد تلخّص فى إنشاء مرصد لحرية الرأى والتعبير للدفاع عن المبدعين ومواجهة الالتفاف على منع قضايا الحسبة فى قضايا الحريات، وإصدار مطبوعة دورية متخصصة فى موضوعات حقوق الإنسان، وتكرار عقد الندوات التى تناقش حرية الإبداع بمعناها الواسع.

أما الجماعة الثقافية والأكاديمية نفسها فلقد كانت التوصية لها بالوقوف مع أبنائها فى مواجهة حملات التشهير والاغتيال المعنوى التى يتعرضون لها إن هم بادروا بأفكار جديدة أو أعمال مبتكرة. وفى الأخير فإن تلك كانت هى خلاصة مختصرة جدًا لحصيلة يومين من النقاش الثرى والجرىء فى رحاب المجلس القومى لحقوق الإنسان.


لمزيد من مقالات د. نيفين مسعد

رابط دائم: