رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

العدوان على غزة .. تطوير مفهوم الاستثمار فى الحرب

عادة ما كان هناك مبدأ ثابت، يخص أنظمة الحكم المختلفة، مفاده أن النظام الذى يستشعر أنه مأزوم «داخليا»، يكون أمامه ضمن خيارات تضيق وتتعدد بحسب طبيعة الأزمة التى يعانيها، التجاؤه إلى شن «حرب» ضد عدو خارجى باعتباره خيارا سحريا «مجربا» يحقق للنظام أو لسلطة الحكم حزمة من المكاسب، عادة ما تمثل لنظام الحكم «رافعة» سياسية تنتشله من المأزق المراد معالجته. ولهذا يثور تساؤل خاص بالعدوان الأخير على غزة، هل ينطبق عليه هذا المفهوم؟ وأى من الأطراف استخدم آلية ما يطلق عليه «هروب إلى الأمام».

إسرائيل الطرف الأول؛ باعتبارها المبادرة بشن العملية العسكرية التى سبقتها مداهمة أمنية بالضفة الغربية، للقبض على أحد العناصر القيادية لـ«الجهاد الإسلامي». ادعت أنها «عملية استباقية» على خلفية توافر معلومات استخباراتية وصفتها بالدقيقة، تفيد أن الجهاد تستعد لتنفيذ عمليات اعتداء مسلح ضد إسرائيل. هذه الفرضية أو «الرواية» الإسرائيلية جرى الترويج لها بشكل منظم ومكثف، رغم اعتقاد الكثيرين أن التخطيط لتلك العملية بدأ فى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وجهاز «الشاباك» منذ شهور، ليس بعيدا عن عملية «كسر الأمواج» التى أدت منذ انطلاقها بالضفة، إلى مقتل نحو 60 فلسطينيا حتى الآن فيما قتل 19 إسرائيليا خلال عمليات فلسطينية. إلى أن جاءت خطوة اعتقال «بسام السعدي» قائد حركة الجهاد الإسلامى فى الضفة الغربية بمدينة جنين، بمثابة الإشعال المحسوب للنيران التى كان الجانب الإسرائيلى يحتاجها كمحفز لعملية «الفجر الصادق».

الهدف الإسرائيلى الاستراتيجى من الذهاب مؤخرا إلى قطاع غزة، تمثل فى أهمية «كسر» الارتباط بشكل نهائى بين الضفة الغربية والقطاع، بمعنى ترسيخ عدم إمكانية استخدام ذخيرة الفصائل المسلحة من داخل القطاع، ارتباطا أو تجاوبا مع أحداث تجرى فى الضفة بما فيها المسجد الأقصى ومدينة القدس. لتصبح تلك القطيعة التسليحية المقاومة، مكملة ومعززة للقطيعة السياسية، لهذا يبدو منطقيا التفتيش عن مساحة وحدة الأهداف بين إسرائيل وحماس فى تلك العملية الأخيرة، لاسيما أن حركة الجهاد الإسلامى أطلقت على نفس العملية مسمى مقابلا هو «وحدة الساحات»!

قد يفسر ذلك بعضا من التساؤلات التى ثارت، بحثا عن دور حماس الذى ظل على الوضع الصامت طوال فصول المواجهة القصيرة، فهى ليست المستفيد الأول من تحقيق الهدف الإسرائيلى فحسب، إنما الأهم تقديم نفسها لإسرائيل ولغيرها باعتبارها شريكا مستقبليا يمكن الوثوق به.فى المقام الأول حرصت حماس ألا تضع عراقيل أمام الاتفاقيات التى توصلت إليها مع إسرائيل،المتمثلة فى زيادة عدد تصاريح العمل الممنوحة إلى فلسطينيين من غزة للعمل داخل إسرائيل، والسماح باستكمال خطط إنشاء البنى التحتية الجديدة التى تؤمن لها استقرار مريحا بالقطاع، فضلا عن السماح بالتدفق السلس لشحنات الوقود اللازمة لكثير من مناحى الحياة، إجمالا هى حماية لما يبدو كشكل توافقى لسلام اقتصادى فى مفهومه الإسرائيلى والأمريكى.

صحيفة التايمز نشرت نقلا عن مصدر استخباراتى بريطانى، ما يؤكد التخطيط الإسرائيلى المسبق لضرب الشريحة القيادية لحركة الجهاد الإسلامى، ورجحت الصحيفة أن يكون «زياد النخالة» الأمين العام للحركة قد تعرض لضغوط لشن هجوم على الحدود الإسرائيلية، وربما هذا كان سببا فى بعض الخلافات المتعلقة بالتمويل الذى سافر النخالة لتسويتها فى طهران، واستطاعت إسرائيل رصد بعض من إشاراتها فى حديث قادة الحركة عشية العملية العسكرية. إيران كانت تأمل أن يعزز الهجوم من وضعيتها فى مفاوضات إحياء الاتفاق النووى، وأن ترسل من خلاله رسالة عن إمكانية جعل قطاع غزة بمثابة أحد المخالب التى يمكنها إيذاء إسرائيل. هذا طرف آخر طور فى مفهوم استثمار الحرب، لكن غاب عنه أن مسرح عمليات القطاع تطور هو الآخر مما يجعل المراهنة عليه مستقبلا محل شك، فمعلومات الاستخبارات الإسرائيلية الدقيقة أوصلت القوة العسكرية التى كانت تسابق الزمن، إلى «المقر الآمن» الذى انتقل إليه «تيسير الجعبرى» قائد الجبهة الشمالية فى سرايا القدس كى يقود منه العمليات العسكرية. لذلك نجحت عملية الاغتيال الجراحية، قبل أن تتخذ فرق إطلاق الصواريخ بحركة الجهاد مواقعها، هذا تسبب فى ارتباك وغياب القدرة على استخدام القاذفات المتطورة التى تمتلكها الحركة ومثلت فارقا فى جولة مايو 2021 !

نجحت إسرائيل فى ساعات العملية الأخيرة من الوصول إلى قيادى آخر لا يقل أهمية عن الجعبرى، بنجاحها فى اغتيال «خالد منصور» الموضوع فى دائرة الاستهداف الضيقة لإسرائيل منذ توليه القيادة الجنوبية لسرايا القدس، فضلا عن كونه أحد الأعمدة الرئيسية للمجلس العسكرى للسرايا. ما جعل هناك انزعاجا كبيرا يلف كوادر حركة الجهاد بعد أيام من انتهاء العملية، عن مدى الاختراق وكيفية وصول قوات الجيش الإسرائيلى و(الشاباك)، فى هذا الزمن القياسى وبهذه السهولة لقيادات بحجم ووزن الجعبرى ومنصور. ربما الأخير كون الغارة الجوية استهدفت مخيم «الشعوت» للاجئين بمدينة رفح، مما أسفر عن تدمير المنزل الذى احتمى فيه منصور وآخرون، يجعل للعملية نسقا متوقعا خلال الأحداث. لكن تظل عملية اغتيال تيسير الجعبرى فى شقة سكنية بمبنى «برج فلسطين» الواقع فى شارع الشهداء غربى مدينة غزة، يحمل شبهة استدراج نفذتها جهة ما ظن الجعبرى «متعجلا» أنها ستوفر له ملاذا آمنا لإدارة العمليات، فإذا بها تضعه فى مرمى لقصف دقيق مركز أودى بحياته فى توقيت فارق أربك الحركة. تبدو تلك الأطراف وغيرها؛ منها من استثمر قربا أو بعدا من ساحة الحرب ومفهومها، مما يعنى بالضرورة أن هناك رابحين وخاسرين، ولهذا حديث آخر.


لمزيد من مقالات خالد عكاشة

رابط دائم: