رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أحمد مرسى ومنير عامر.. إلى لقاء

لم أكد أدير وجهى بعد لطمة رحيل أخى وصديقى الأستاذ الدكتور أحمد مرسى، حتى دهمتنى أخرى عنيفة أفقدتنى ما تبقى من توازنى المهزوز- بحكم العمر والمرض- هى رحيل أخى وصديقى الأستاذ منير عامر.

ولولا نعمة الإيمان، المتضمنة فى ثناياها، نزوعًا صوفيًا يؤهل صاحبه أو يوهمه بنظرة تتجاوز السطح للعمق لبقى السؤال الأبدى حول الحكمة من شقائنا بغياب أحبائنا وغيره من شقاوات.. وكثيرًا ما يسرح الذهن فى ما ورائية هذا الغياب، وذات سرحة وجدت أن الإنسان ينشأ فى غلاف أو محيط من الظلمة والرطوبة المائية منذ ما قبل التقاء بذرة الأب ببويضة الأم، ثم فى الالتقاء الذى يتم فى ظلمة محكمة لا ينال منها أى ضوء، ويبقى الزيجوت فى عمق الظلمة والرطوبة حتى يحين وقت تخلصه من هذا الغلاف المحيط، فيتحرك ويسعى للخروج إلى غلاف محيط آخر، هو غلاف الضوء والهواء ويصرخ، وتلك الصرخة عندى هى تعبير عن الفرحة بمغادرة الظلمة والرطوبة إلى الضوء والهواء. ويظل الإنسان فى هذا الغلاف أمدًا محددًا لكل حالة، فإذا جاء الوقت المحدد سعى لكى يغادر غلاف الضوء والهواء إلى غلاف محيط آخر، هو غلاف النور واللطف المطلق.. ومعلوم عندى، وفق شطحاتى أو سرحاتى، أن الفرق بين الضوء وبين النور هو أن الأول مرتبط بمصدر حرارى وله قياس، ولذلك وجدنا أننا نقول ضوء الشمس ونور القمر، ووجدنا القرآن يتحدث عن نور السموات والأرض- وهو الله سبحانه وتعالى- وفى السياق نفسه يتحدث عن أن زيت المشكاة يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار.. وهكذا فإن الثاني- وهو النور- مرتبط باللطف ومطلق بلا حدود، وهكذا يسعى المرء إلى أن يخفف عن نفسه قوة وعنف وألم لطمات فراق الأحبة، فيبحث عن سبيل يقنعه هو بحكمة الرحيل. وعليه فإننى أجد أحمد مرسى ومنير عامر ومن سبقهما من أصدقائى وأحبائى استطاعوا النجاح فى التخلص من قيد غلاف الضوء والهواء، وما يرتبط به من معاناة وشقاء منطلقين إلى الأمل المنشود الذى هو غلاف النور واللطف المطلق الذى يترقى فيه عباد الرحمن من عمق نورانى - حتى يصلوا بنعمة الله ومشيئته ورحمته ولطفه - إلى الوجود فى حضرة النور الذى لا وصف له! بقى أحمد مرسى مشرق الوجه هادئ الابتسامة على الدوام، وإذا ضحك فمن أعماق قلبه، يتحدث فى أكبر المحافل اللغوية العلمية مثلما يتحدث على المصطبة فى قريته وبين أصدقائه فى سهرات القاهرة التى لا تنام.. فيبسّط المعقد ويستدعى الأمثال والحكايات والسرديات الشعبية، وينطق بلهجة أهل شمال الدلتا فى كفر الشيخ المحافظة والبحيرة. وبقى أحمد مرسى على الدوام ملحًا على اعتماد توسيع نطاق التراث الشعبى، ليضم إلى جانب الأمثال والحكم والزجل والمواويل والأغانى والعدودة والموسيقى والحواديت والأساطير؛ ألوان الطعام والشراب الموروثة منذ عشرات القرون، وأنواع الأدوات والعدد التى استخدمت عبر تلك القرون فى الزراعة والقلاعة والصناعة والتجارة والأعراس والأتراح وأنشطة الشطار والحواة وبتوع الثلاث ورقات وتراث الموالد والختان، وكل ما هو من ذلك القبيل. وخاض الرجل نضالاته بلا كلل أو ملل، غير مبال بما تخلق من عداوات مع بعض أولاد نفس الكار، وحتى فى المرض، وبعد أن واصلت الرئتان تمردهما على التعامل مع غلاف الهواء، وكان الوفى البار الأصيل الخلوق ابنه محمد- أستاذ العلوم السياسية - يمضى بجواره أو من ورائه، حاملًا جهاز توليد الأكسجين الموصول بكمامة يتنفس منها أبوه. كان أحمد مرسى يحرص على حضور الندوات واللقاءات، ويسهر مع أصدقائه ليضحك ويطمئن ويحكى ويسمع، حتى أدركه اليقين وناداه النور ليغادر الضوء والهواء. ثم إن منير عامر، الذى لم أعرف فى صلتى به منطق فاصل ونواصل، حيث كان الوصل متصلًا بغير انقطاع، حتى لو طال المدى الزمنى بين مكالمة وبين أخرى، لأننا كنا نتحدث وكأن الكلام متصل لم يتوقف، وكنت على الدوام أعيش السلام والحب والطمأنينة والأنس والصدق، طالما بدأ منير بسخونته تسمية الأمور والصفات بضدها حيث يبادرني: أنا لو أطول أقتلك أو أرفدك كنت فعلت.. وأنا أكرهك وأكره زعيمك عبدالناصر وكل اللى كانوا حواليه.. وبعدها تنفجر الضحكات وأنا أطلب المزيد.. وحتى بعد أن دهم المرض عينيه وانطلق الوهن ليكمل مسيرته معه ومع زوجته التى سبقته للنور واللطف المطلقين؛ كان يتحدث عن المرض باعتباره عارضًا ثقيل الظل منعدم الموهبة، وسيتمكن من التخلص منه فى أقرب فرصة. وبقى منير عامر رومانسيًا محبًا يفصح عن حبه ولا يداريه، وكأنه الإمام البوصيرى فى بردته عندما يقول: يا لائمى فى الهوى العذرى معذرة/ منى إليك ولو أنصفت لم تلم، وكانت محبوبته الدبلوماسية المصرية نموذجًا عنده للإنسانة المكتملة، ومع ذلك وإضافة إليه بقى يقدس أسرته.. زوجته وأولاده، ويقر بفضل الأسرة عليه خاصة رعاية ابنه الإعلامى المشهور شريف عامر له وللأسرة، وبالوضوح نفسه الذى تجلى فى حبه وزواجه وأسرته كان رأيه واضحًا شجاعًا فى كل الحالات، وكانت بيننا قواسم إيجابية عظمى مشتركة، فيها جمال عبدالناصر وشعراوى جمعة وزغلول عبدالرحمن وفيها العكس.


لمزيد من مقالات أحمد الجمال

رابط دائم: