تحدثنا الأسبوع الماضى عن قصة «الهزيمة اسمها فاطمة»، ومأساة بنت القناة لحظة ترحيل العائلة والأسر الى مدن قريبة بعد النكسة، وأركبوهم فى سيارة نقل، وتزاحمت عشرات السيارات والناس، ووجدت فاطمة نفسها فى سيارة ومعها أمها والبنت والولد، بعيدا عن زوجها ووالدها فلم يظهرا بعد، واخوتها فى سيارة أخرى، ولكنها تراهم، ولكن بعد فترة من المسير لم تعد تراهم، ضاعوا عن عينيها وهى لا تدرى إلى أين يأخذونها، وكان ما يشغل بالها هو بيتها.
وانتهى بهم المطاف الى مدرسة فى قرية قرب الزقازيق، ووضعوا عائلة فاطمة مع ثلاث عائلات أخرى داخل صالة واحدة بالمدرسة وتركوهم ينظمون حياتهم داخلها. فعاشت وزوجها وأمها والبنت والولد فى ركن، وتذكرت بيتها الواسع وسط صمت مرير حزين يخيم على الجميع، وأصبح هم كل أسرة من العائلات الأربع أن تستر نفسها بستار من الخيش أو الحصير أو القماش، فالحياة صعبة جدا، وقرر الزوج بعد أسابيع أن يترك المكان ليبحث عن عمل وخرج ولم يعد، وكان والدها قد اختفى من قبل.
وبمرور الأيام ازدادت ظروف فاطمة المعيشية قسوة، وضاقت عليها الحياة ولم تعد تحتمل، وكما قرر زوجها أن يهاجر قررت هى أيضا أن تهاجر لتبحث عن عمل، وانطلقت إلى القاهرة تاركة الولد والبنت فى رعاية أمها. إنها تستطيع أن تكون خادمة أو مربية أطفال أو طباخة، لكنها تاهت فى شوارع العاصمة، وفشلت فى أن تجد عملا شريفا واضطرت تحت ضغط الحاجة الى أن تبيع جسدها مقابل المال، وضميرها يصرخ احتجاجا.
ويذكرنا الكاتب محمد عبدالقدوس أن والده نشر قصة (الهزيمة اسمها فاطمة) أوائل السبعينيات من القرن الماضى قبيل حرب أكتوبر وأحدثت ضجة كبيرة، وسألوه بعد تحرير سيناء فى حوار صحفى عن مصير (فاطمة)، فقال إنه لا يعلم عنها شيئا فقد اختفت بعد لقائى معها، وحاولت البحث عنها دون جدوى، ولعلها تكون قد نجحت فى الوقوف على قدميها من جديد كما فعلت مصر فى حرب أكتوبر ١٩٧٣.
ونختتم بتذكير عبدالقدوس الابن بأن قصة فاطمة إحدى الروايات القليلة جدا لإحسان عبدالقدوس التى لم تظهر فى عمل سينمائى أو مسلسل تليفزيونى. وتبقى أحزان القدس.
لمزيد من مقالات محمد أمين المصرى رابط دائم: