ما بين جدل عقيم حول مشروعية الترحم على الشهيدة شيرين أبو عاقلة وترويج البعض لشائعة إغماض أبى الهول لعينيه وتعليقات مستفزة لضحايا أحدث «مستريح»، حولتهم من ضحايا سذج لم يتعلموا من تجارب وخبرات من اشتروا الوهم من قبل، لشركاء ومحرضين على جرائم تجارة المخدرات أو آثار .. و..و..، يبدو أن بعضنا قد اتخذ شعار «الضمير مرفوع من الخدمة»، منهجا للحياة ومبررا لمواقف تتناقض مع الضميرالإنسانى؛ الذى ولد وترعرع على ضفاف نهر النيل فى مصر، طبقا» لجيمس هنرى برستيد فى سفره «فجر الضمير»!! . فالضمير والمنظومة الأخلاقية التى اعتبرها «برستيد» سر عبقرية الحضارة المصرية الذى أهدته للبشرية، ويحاول البعض حتى اللحظة انتزاع حق إبداعه ونسبته للعقيدة اليهودية ولى عنق الحقيقة، والترويج للفكرة لدرجة التبجح، كقول «لو كان المصريون هم مبدعو الضمير لبقوا ولم يبق اليهود ولكن العكس هو الصحيح؛ لأن الضمير هو مساهمة اليهود للبشرية، وهى مساهمة تميزهم وحدهم!!، هذا الضمير المصرى الأصل ــ توارى ــ مع الأسف، ولو إلى حين بين البعض منا!!
وبعيدا عن محاولات تزييف حقائق تاريخية تكفل المتخصصون بدحضها، والبشارة الجائرة بفناء المصريين، ففى سياق الظواهر السابق ذكرها وغيرها، تتناثر علامات الاستفهام عن فكرة الضمير، وعما حل بناموس أخلاقى ابتدعه الأجداد وبات مرفوعا من الخدمة، على يد بعض الأحفاد، بحثا عن الأسباب والحل.
فطبقا للتعريف الأشهر والأبسط، الضمير عملية معرفية تستند الى الفلسفة أو المرجعية الدينية أو العلمية للفرد أو نظام قيمه، تؤدى إلى الندم عند ارتكاب الفرد لسلوك متعارض مع قيمه الأخلاقية، ومن الاستعارات الشائعة للضمير أنه صوت داخلى مانع إذا ما أوشك المرء على ارتكاب الخطأ. وفيما اتفقت المرجعيتان؛ الدينية والعلمية على ارتباط مفهوم الضمير بالأخلاقيات التى تتسق مع الصالح العام، ربطت الأولى بينه وبين الإرادة الإلهية وفطرة الإنسان السليمة، فيما اعتبرته الثانية تطبعا وجزءا من الثقافة يتم تعلمه وتنميته.
ولقد حفل التراث الإنسانى شرقا وغربا بالكثير من الرؤى والنظريات التى تناولت العلاقة بين المعرفة وسلوكيات البشر، فمنها ما عرض للعلاقة بين بناء الضمير الفردى والجمعى وبين عملية التنشئة الاجتماعية، والبعض تناول تفعيل العملية التربوية والتعليمية لتحفيز الوعى، وضمان توظيف القدرات وتحقيق الذات، بما يؤدى بالتبعية إلى تماسك المجتمع والحفاظ على القيم والثوابت والتراكمات التاريخية التى تصنع وجود الأمم وتقاوم ما يهدد بنية وبقاء الوطن. ففى القرن الخامس قبل الميلاد كتب الفيلسوف الصينى كونفوشيوس: «عدم تعليم القادر على التعلّم إضاعة إنسان»، وبعد حوالى 20 قرنا من الزمان عبر الكاتب الألمانى جوهان جوته عن ارتباط المعرفة بالضمير الإنسانى عندما تساءل»إلى ماذا تصير المعرفة إن لم ترافقها الحكمة؟" وفيما بين المقولتين خرج علينا المتنبي؛ وكأنه استشرف حالنا قبل قرون!!، قائلا: «لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها.!».
فمع تسيد الفكر المادى والنزعات الاستهلاكية ونشوة الانبهار بتطبيقات الذكاء الاصطناعى، تراجع مفهوم الضمير فى حياة كم لا يستهان به من البشر، وتوارت ولو إلى حين، الأسئلة الأخلاقية والرؤى الدينية والفلسفية التى شكلت الوعى الإنسانى وحفظته على مر العصور؛ اللهم إلا فى بضع دوائر علمية مغلقة تناولت مفهوم الضمير والأخلاق فى سياق مناقشتها للمخاطر والقضايا الأخلاقية المتعلقة باستخدامات التكنولوجيا الحديثة على مستوى الفرد والمجتمع.
واليوم ومع التكاثر السرطانى لظواهر تعكس فقرا أخلاقيا وتغييبا للضمير المسئول والوعى، أظن أن محاولة إيقاظ الضمير الإنسانى وإحياء المنظومة الأخلاقية التى صنعت تميز المصريين على مر العصور باتا ضرورة وعملية قابلة للتحقق إذا ما صدق العزم. فالتاريخ والعلم يؤكدان أهمية التعلم والتنشئة لتطوير المجتمع وتحفيز الوعى والضمير الإنسانى، بما يحفظ ثوابت شكلت هويتنا المصرية وينقذنا من مخاطر نسف ذاكرة جمعية، حدد «ديفيد بن جوريون» أول رئيس وزراء لإسرائيل، بداية تآكلها يوم قال «الكبار يموتون والصغار ينسون»!!
لمزيد من مقالات ســناء صليحــة رابط دائم: