باتفاق نووى جديد أو بدونه تبقى إيران فى عيون إسرائيل وفكرها وتخطيطها العدو الأخطر الذى يجب التصدى له وإضعافه وهزيمته وحبذا لو أمكن تدميره. بدوره لا يرى النظام الإيرانى بتركيبته الفكرية والعقائدية وتوجهاته السياسية فى إسرائيل سوى الكيان المغتصب والعدو اللدود والشيطان الأصغر محتفظا لحليفتها أمريكا بلقبها الحصرى الشيطان الأكبر بلا منافس ولا منازع. العداء الإسرائيلى الإيرانى أكبر وأعمق من اختزاله فى خلافات سياسية أو طموحات إقليمية أو صراع نفوذ هو كل ذلك مع كراهية متبادلة بلا حدود.
بعد معاهدة السلام مع مصر ثم تدمير العراق بالغزو الأمريكى يليه سوريا بالحرب الأهلية والتدخلات العسكرية الأجنبية لم يعد أمام إسرائيل سوى التحدى الإيراني، لذلك لا تألو جهدا فى التخطيط والتنفيذ لمواجهته بكل السبل بما فيها العمليات العسكرية المعلنة والسرية داخل الأراضى الإيرانية وخارجها. ومع ذلك لا يفى ما تقوم به بهدفها الاستراتيجى وهو إضعاف إيران وتقويض نفوذها الخارجى وصولا لهزيمتها النهائية.
لا تعتبر إسرائيل التوصل لاتفاق جديد ينزع مخالب إيران النووية انجازا كافيا يقضى على خطرها. فإذا كانت محاولاتها لصنع أسلحة نووية ستتوقف أو تتأجل فإن قدراتها الصاروخية ما زالت تتطور، كما أن تمددها الإقليمى عبر اذرعها ووكلائها فى حالة نشاط دائم ولا يشمله الاتفاق النووى المعطل. ولأسباب مفهومة تبالغ إسرائيل فى تصوير حجم التهديد العسكرى الإيرانى رغم أنه فى ظل تفوقها العسكرى الكاسح لا يشكل خطرا داهما ولا وجوديا عليها خاصة مع استبعاد الخيار النووى الإيراني. غير أن تمدد طهران إقليميا هو ما يقلقها بالفعل حيث يمنح عدوها مزايا إستراتيجية وتكتيكية تعوض إلى حد كبير قصور إمكاناته العسكرية ويعزز قدرته على الردع، والرد على أى هجوم على أكثر من جبهة.
لذا فإن قطع اذرع إيران الإقليمية الممتدة من العراق إلى سوريا ولبنان وصولا إلى غزة ثم اليمن هو الهدف المرحلى الأهم لإسرائيل. ومن الطبيعى أن يحظى باهتمام خاص من جانب مخططيها وخبرائها الاستراتيجيين. احد هؤلاء هو الجنرال المتقاعد ايال زمير الذى تولى مناصب مهمة بالجيش منها قائد الجبهة الجنوبية، ونائب رئيس هيئة الأركان العامة، ورئيس أركان القوات البرية. ويتفرغ حاليا للأبحاث العسكرية بالتعاون مع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، احد أهم مراكز البحث المؤيدة لإسرائيل ووثيقة الصلة بصناع ومتخذى القرار بأمريكا.
فى دراسة بعنوان «التصدى لإستراتيجية إيران الإقليمية» يرسم الخبير الإسرائيلى خريطة طريق مفصلة لتحقيق الهدف الأكبر وهو هزيمة إيران بالتعاون مع الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، على حد وصفه، وكذا الاتحاد الأوروبي. ويعتبر تعاون هذه الأطراف ضروريا وطبيعيا على أساس أنها تواجه خطرا مشتركا واحدا مصدره إيران التى لا تهدد الأمن القومى الإسرائيلى فحسب بل الأمريكى والأوروبى والعربى أيضا. (سنتجاوز هنا مشاعر وعلامات التعجب التى يثيرها حديث جنرال إسرائيلى عن حماية الأمن القومى العربى بل يراه متطابقا مع الأمن القومى لإسرائيل).
ومن وجهة نظره فإن الاتفاقيات الإبراهيمية جعلت هذا التعاون ممكنا بل ربما تكون قد أخرجته إلى العلن بعد أن ظل طى الكتمان لوقت طويل. تؤكد الدراسة أن التنسيق بين هذه الأطراف يجب أن يتواصل حتى لو تم توقيع الاتفاق النووى الذى تراه مضرا للغاية باعتبار أن رفع العقوبات سيكون مكافأة لإيران تعزز قدرتها على تمويل ما تصفه بالعمليات الإرهابية. تؤكد أيضا أن الخطر الإيراني، قبل وبعد الاتفاق، لا يستهدف إسرائيل فقط بل المصالح الأمريكية بالأساس وهو ما يجب أن يكون واضحا للرأى العام الأمريكى والكونجرس لذلك ليس غريبا أن تختار إسرائيل طرح هذا المشروع من خلال مركز أبحاث أمريكى وليس أحد مراكزها وبالطبع بالانجليزية وليس العبرية.
تحدد الدراسة التفصيلية (86 صفحة) 7 مبادئ أساسية توصى بتنفيذها فى إطار خطة حصار إيران وإضعافها وهزيمتها. التوصية الأولى تتعلق بالخطوط العريضة للحملة متعددة الأطراف، طويلة المدى، غير المقيدة بجدول زمني، والتى تمتد جبهتها باتساع الشرق الأوسط كله.
الفكرة الجوهرية للخطة تدور حول بناء تحالف إقليمى يضم الدول العربية المعتدلة مع أمريكا وإسرائيل. وليس ضروريا أن يكون هذا التحالف فى صورة هيكل سياسى وتنظيمى رسمي، فقد لا تسمح ظروف بعض الدول العربية بالانضمام إليه حاليا رغم رغبتها وحاجتها له. لذا والحديث للباحث، يكفى فى هذه المرحلة، بالنسبة لهذه الدول، وجود آلية للتنسيق والتعاون وتوحيد الجهود والخطط. الاسم الذى يقترحه للكيان الجديد هو «التحالف الدفاعى لدول الشرق الأوسط».
وتتطرق الدراسة لشكل الهيكل القيادى للتحالف الذى سيقوده مجلس أعلى يقر الخطط ويحدد الأهداف العامة والسياسات الدفاعية المشتركة. وتقترح أن يتكون من وزراء الخارجية وكبار الخبراء الاستراتيجيين. يليه مركز قيادة العمليات الذى ينفذ السياسات المحددة ويباشر المهام. والمرشح المقترح للقيام بهذا الدور هو القيادة الوسطى أو المركزية للجيش الأمريكى المسئولة عن العمليات بالشرق الأوسط.
لا تترك الخطة شيئا للصدفة فهى تنص على 11 مهمة محددة للمركز منها تقرير العمليات ونطاقها الجغرافي، توزيع الأدوار والمهام بين الدول، تبادل المعلومات الاستخبارية، إحباط الهجمات الإرهابية، نشر شبكة إنذار مبكر، التدريبات المشتركة. شن هجمات سيبرانية على أهداف عسكرية واقتصادية لإيران ووكلائها، منع تهريب الأسلحة، تخطيط وتنفيذ هجمات ضد التنظيمات الموالية لإيران، إطلاق حملة إعلامية مناهضة لها بالدول العربية.
ما سبق هو جزء من التوصية الأولى من سبع توصيات تتضمنها الدراسة وتكشف بوضوح كيف تفكر إسرائيل، وكيف ترسم مع أصدقائها مستقبل المنطقة. ما يقترحه خبراؤها ليس خيالات بل مشاريع مؤجلة مازالت فى رحم المستقبل لكنها سترى النور قريبا بل تحقق بعضها بالفعل. أشياء وتطورات ومواقف وسياسات لم تكن تخطر على البال أصبحت واقعا يدهشنا ويصدمنا ويؤلمنا، ومع ذلك فإن الأغرب لم يأت بعد.
لمزيد من مقالات عاصم عبدالخالق رابط دائم: