رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المستريح والشمول المالى

عادت ظاهرة توظيف الأموال لتطل علينا من جديد بعد الاحداث الدامية التى شهدتها محافظة اسوان وبعض المدن المجاورة لها،ويمكننا القول إن هذه الظاهرة تنتشر فى معظم قرى ونجوع المجتمع وأصبحت سمة مميزة من سماته، فبين فترة وأخرى تظهر على السطح احدى قضايا توظيف الأموال وتحتل مساحات واسعة فى النقاش والحوار المجتمعى وتنشغل بها وسائل الاعلام المختلفة، حتى يتم القبض على القائمين عليها، لتتوارى جانبا وتعود للظهور مرة أخرى بعد فترة ليست بالبعيدة، لنفس الأسباب وبنفس الأسلوب والطريقة، مع اختلاف أسماء الضحايا فقط، وهكذا ندور فى حلقة مفرغة منذ عدة عقود، وليس سنوات وبالتالى فمن الخطأ ان نظن ان هذه الظاهرة سوف تزول بمجرد القبض على الاشخاص ومحاكمتهم، رغم ضرورات وأهمية ذلك، فإنها لن تكون سوى رادع وقتى لا يلبث ان يزول أثره بمرور الوقت.

وبالتالى يجب اجتثاث الظاهرة من جذورها عن طريق إزالة أسباب الانتشار. اذ تأخذ أشكالا عديدة ومتنوعة، بل والاهم من ذلك انها تشمل جميع شرائح المجتمع، ولا تقتصر فقط على الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى كما يتصور البعض، وليس أدل على ذلك من القضايا العديدة التى تثار بين الحين والآخر والمتعلقة بملايين الدولارات التى تم تجميعها من الشرائح العليا فى المجتمع. فالبعض يدخل فى هذه العملية بدافع استغلال مدخراته والمشاركة فى التجارة فى سلعة ما او فى تقديم خدمة معينة للجمهور وغيرها من الأمور الاستثمارية، مقابل الحصول على عائد مجز يمكنه من مواجهة سبل العيش والحياة.

وللأسف الشديد فقد اقتصر التعامل معها على الأداة القانونية حيث صدر قانون تنظيم تلقى الأموال رقم 146 لسنة 1988 محاولا تنظيم هذه العملية، وجرم قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى قيام الافراد بتلقى الأموال من الغير. الخ. وكلها امور لم تنجح حتى فى الحد من الظاهرة، وذلك لأنها لم تحاول معالجة الأسباب الرئيسية وبالتالى وضع رؤية شاملة للعلاج من مختلف الزوايا.

وهناك العديد من الأسباب وراء ذلك يأتى على رأسها ارتفاع معدل الاكتناز بالمجتمع والذى ظهر جليا فى الاموال التى استثمرت فى شهادات قناة السويس وفى الشهادات ذات العائد 18% وغيرهما الكثير.

يضاف الى ذلك ارتفاع تكاليف التعامل مع الجهاز المصرفي، وارتفاع قيمة الرسوم والمصروفات الإدارية والعمولات. فضلا عن عدم نجاحه فى تقديم الخدمات المصرفية المطلوبة فى الريف والقري، ولا الوجود بالقرب منهم وفى أماكن يسهل الوصول اليها. فرغم توسع البنوك فى انشاء العديد من الفروع فإنها تعانى مشكلة التركز، إما فى القاهرة الكبرى او بعض المحافظات الحضرية وفى مدن هذه المحافظات ولم تحقق الانتشار المصرفى المطلوب فى جميع مدن وقرى مصر. (تستحوذ القاهرة على نحو 33% من الفروع بينما عدد سكانها يمثلون 10.5% من اجمالى السكان، وكذلك الإسكندرية تستحوذ على 10% من الفروع مقابل 5.4% من السكان، والجيزة 14% من الفروع مقابل 8.6% من السكان وعلى النقيض من ذلك تستحوذ محافظة قنا على 1.7% من الفروع بينما يسكن بها نحو3.5% من السكان ونفس القول على سوهاج والتى يوجد بها 2.2 % من الفروع مقابل 5.3% من السكان والبحيرة 2.2% من الفروع مقابل 6.6% من السكان). وينطبق نفس القول على ماكينات الدفع الآلى حيث استحوذت القاهرة على 35.5 % والجيزة على 12.4% والاسكندرية 9.5% وبالتالى مازالت البنوك غير قادرة على خدمة المواطنين العاديين والفلاح البسيط، ولم تقم الا بمبادرات محدودة للغاية لاجتذاب هذه الأموال

كما لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إيجاد كيانات استثمارية مناسبة تتمكن من جذب هذه الأموال، فرغم الحديث حول تشجيع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، فإنها لم تتحول بعد الى سياسات محددة، رغم صدور القانون رقم 152 لسنة 2020 بشأن المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، خاصة فيما يتعلق بالمزايا الضريبية والجمركية، وكذلك قانون تنظيم وتشجيع عمل وحدات الطعام المتنقلة رقم 92 لسنة 2018.كما انها، وهذا هو الأهم، لم تتجه الى هذه المناطق ومازالت جميع السياسات والإجراءات المطبقة حتى الآن تركز على القاهرة الكبرى وبعض المدن الأخرى.

الامر الذى يتطلب التوسع فى الشمول المالى أى إتاحة واستخدام جميع الخدمات المالية لمختلف فئات المجتمع من خلال القنوات الرسمية بما فى ذلك الحسابات المصرفية والتوفير وخدمات الدفع والتحويل وخدمات التأمين والائتمان، وتفادى لجوء البعض الى القنوات والوسائل غير الرسمية التى لا تخضع لحد أدنى من الرقابة والإشراف مما يؤدى الى سوء استغلال احتياجات هؤلاء من الخدمات المالية والمصرفية. وهكذا يجب السعى الى توسيع نطاق العمل المصرفى ليشمل كل الفئات والسكان مثل سكان الريف والفقراء والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر ودمج القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمي.وبالتالى فتح الباب امام الشرائح الدنيا لاستخدام الخدمات المالية. رغم الإجراءات العديدة التى يقوم بها الجهاز المصرفي، فإن الطريق مازال طويلا وشاقا لتحويل المجتمع الى التعاملات المصرفية، ويحتاج الى تضافر الجهود بغية تغيير العادات السائدة وكذلك قيام البنوك بتوسيع دائرة الاهتمام لتشمل مختلف قرى ومدن مصر مع إزالة العقبات امام تسهيل المعاملات، وعلى الحكومة العمل على إصدار التشريعات التى تحول دون انتشار المعاملات النقودية وتؤدى الى تعزيز المعاملات المصرفية، مما يساعد على تعزيز الثقة فى الجهاز المصرفي.

وهو ما يتطلب التوسع فى انشاء شبكة من مزودى الخدمات المالية بما فى ذلك فروع البنوك وشركات الصرافة ومكاتب البريد بجانب زيادة عدد ماكينات الصرف الآلي، على ان تمتد لتشمل المناطق الجغرافية المحرومة خاصة فى الريف المصري. والتوسع فى الخدمات المالية الرقمية المقدمة عبر الهاتف المحمول والشبكة الإلكترونية.


لمزيد من مقالات عبدالفتاح الجبالى

رابط دائم: