رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

سلاح العقوبات

يستطيع دائما القادة السياسيون والعسكريون تحديد ساعة الصفر لبدء أى حرب, ولكنهم فى الغالب لا يتمكنون من التوقع بموعد نهايتها, وهو ما ينطبق تماما على الحرب الروسية على أوكرانيا, فعلى الرغم من دخولها شهرها الثالث فإنها مازالت تزداد تصعيدا وضراوة وليست هناك مؤشرات على قرب وقف اطلاق النار وافساح المجال للحلول السياسية والتسوية بين أطرافها المتداخلة, وحتى المفاوضات التى تجرى بين الحين والآخر لا تعدو كونها محادثات لاستهلاك الوقت, فلا أحد يعرف الحدود التى يمكن أن تقف عندها, ولا المدى الذى سيمضى فيه الزعيم الروسى بوتين حتى يحقق أهدافه منها, والشىء ذاته يسرى على الغرب الذى اعتبرها حربا مصيرية تعيد عقارب الساعة إلى زمن الحرب الباردة, وما إذا كان الطرفان الروسى والغربى على استعداد لتوسيع نطاقها والمخاطرة بحرب تكون أوروبا مسرحا لها, أسئلة كثيرة لا إجابة قاطعة لها, بل تدور كلها فى منطقة رمادية لا يُعرف فيها موعد إسدال الستار.

اختارت الولايات المتحدة من البداية, ومعها شركاؤها الأوروبيون, تقديم أقصى دعم ممكن سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا لأوكرانيا لمساندتها فى معركتها للبقاء, باعتبارها جزءا أصيلا من العالم الديمقراطى الليبرالى الذى تتزعمه, ولكن دون أى تورط عسكرى مباشر, واستعاضت عنه بسلاح العقوبات الذى تنفرد بتوظيفه فى سياستها الخارجية, صحيح أنه فى بعض الحالات يكون سلاحا ذا حدين, يتسبب فى أضرار متبادلة أو يتأرجح بين الفشل والنجاح,ولكنه فى العموم يعتبر سلاحا فعالا, إذا ما تم الحشد له من المجتمع الدولى واستطاع توجيه ضربات موجعة للخصم دون أن تخترقه ثغرات كأن تثور خلافات بين الحلفاء تمنع توحيد القرار والالتزم الجماعى به فى الأزمات الاستثنائية.

وفى الحالة التى نحن بصددها الآن, فقد استخدمته فى حده الأقصى, بفرضها سلسلة متصلة من العقوبات طالت معظم القطاعات الحيوية الروسية,بدءا من المؤسسات المالية والمصرفية والشركات الكبرى والبنوك ووسائل نقل المعلومات والتكنولوجيا, إلى قطاع الطاقة من نفط وغاز (وهو أهمها), فضلا عن السلع الغذائية الرئيسية التى تعتمد عليها فى صادراتها, ناهيك عن الأفراد من الشخصيات السياسية والأمنية ورجال الأعمال الذين جمدت أصولهم المالية, أى زادت بأضعاف ما كانت عليه بعد ضم موسكو شبه جزيرة القرم 2014, لتكون روسيا بذلك من أكثر الدول التى تخضع للعقوبات, بدرجة تفوق دولا أخرى مثل إيران وسوريا وكوريا الشمالية.

والهدف الواضح هو حصارها وعزلها دوليا لتضييق الخناق عليها, عسكريا من خلال تعزيز القدرات الدفاعية لأوكرانيا, واقتصاديا بالسياسة العقابية, وفى الحالتين يظل الباب مفتوحا لممارسة مزيد من الضغط عليها, إما للاستسلام أوالقبول بالحلول الوسط, ما يعنى أنها لم تصل إلى ذروتها بعد. فى المقابل, لم تثن كل هذه الضغوط, زعيم الكرملين عن مواصلة القتال الذى أدى إلى خروج أكثر من خمسة ملايين لاجئ أوكرانى إلى الدول المجاورة,وتدمير العديد من المدن والمنشآت الاستراتيجية التى تقدر الخسائر فيها بالمليارات, فقط تراجع عن اقتحام العاصمة كييف, ومطالبته باسقاط نظامها, لتحويل المعركة إلى المدن الشرقية التى تضمن فى النهاية التواصل الجغرافى بين إقليم دونباس الذى يسيطر عليه الانفصاليون,ومنطقة القرم التابعة له, لكن الأهداف الرئيسية, من حياد أوكرانيا وعدم انضمامها للناتو بقيت كما هى دون تغيير.

هنا يراهن على أكثر من عنصر, فى مقدمتها, الاطمئنان لرغبة الغرب فى تجنب الخيار العسكرى وحصر المعركة داخل الحدود الأوكرانية, وأن هناك خلافات بين دول أوروبا حول حظر وارداتها من الغاز الروسى الذى تعتمد عليه بما يقترب من نصف استهلاكها منه, وأن الحصول عليه من مصادر أخرى يستغرق وقتا وتكلفته أعلى بحكم البعد الجغرافى للمصادر البديلة, فتكون تلك الخلافات هى الثغرة التى تُضعف سلاح العقوبات, وهذا ما لاح فى الأفق عند تقديم رئيسة المفوضية الأوروبية, الحزمة السادسة من تلك العقوبات للتصديق عليها, والتى تستلزم الاجماع فى الموافقة من أعضائها السبعة والعشرين, إذ تحفظت بعض الدول وطلبت بعضها الآخر مهلة زمنية لترتيب أوضاعها, كألمانيا وإيطاليا والمجر والتشيك وسلوفاكيا وغيرها, إضافة إلى هذه العوامل, تأتى قوة الدولة الروسية نفسها, فهى ليست من الدول ذات الاقتصاديات الهشة أو الضعيفة, وتسعى دوما لتنويع شركائها التجاريين, كما حدث باتجاهها نحو الصين والهند رغم أن أوروبا ظلت لعقود أهم شريك تجارى لها, والأرجح أن قائدها تحسب للعقوبات التى هدد بها الرئيس الأمريكى جو بايدن منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب, حتى أدخلها حيز التنفيذ, لكن السؤال: هل تكفى هذه الرهانات كى تنتصر روسيا؟ بالنظر إلى الخلافات الأوروبية, فالملاحظ أنها تتعلق بالبرنامج الزمنى, ولكنها ليست من حيث المبدأ, والأمر لا يعدوكونه تباينا مؤقتا فى وجهات النظر حول آلية التنفيذ, ومن ثم لا يمكن التعويل عليها, أما عن القوة الاقتصادية, فلاشك أن موسكو تستطيع تجاوز العقوبات فى المدى القصير والمتوسط, ولكنها لن تتمكن على المدى الطويل, كون العقوبات تستهدف كل مصادر مواردها, وستؤثر حتما بصورة سلبية على صادراتها وواردتها ومستلزمات الانتاج وعملتها المحلية, فضلا عن تسببها فى تدهور الأحوال المعيشية بها, ما يؤدى إلى تذمر مواطنيها, كما أن مساندة قليل من الدول لها مثل الصين أو غيرها, لن تكفى لمواجهة عجزها الاقتصادى حينئذ, وهو ما يسعى إليه الغرب. لهذه الأسباب, فإن الوضع الذى ستخرج به روسيا فعليا من الحرب,هو الذى سيرسم مستقبلها ومكانتها الدولية, بعيدا عن موكب النصر الدعائى الذى أقامه الرئيس الروسى مؤخرا.


لمزيد من مقالات د. هالة مصطفى

رابط دائم: