-
نأمل فى فتح مكتب للجامعة الأمريكية بالعاصمة الإدارية الجديدة ونعتز بدورنا كحلقة وصل بين ثقافتين
-
نتطلع لمزيد من التعاون بين الجامعات المصرية والأمريكية وخصصنا 26 مليون دولار للمنح الدراسية
-
الجامعات الخاصة مطالبة بتكامل الجهود من أجل تلبية الاحتياجات المتزايدة والملحة للمجتمع المصرى
لعبت الجامعة الأمريكية بالقاهرة، على مدى أكثر من قرن، دورًا تنويريًا وتعليميًا ملموسًا فى مصر، مثلت خلاله جسرًا قويا لالتقاء الحضارة العربية والإسلامية بالحضارة الغربية، الأمر الذى حولها فى نظر كثيرين، الى مؤسسة تعليمية استثنائية، حققت نجاحًا واضحًا فى المئوية الأولى من عمرها، ساعد الى حد كبير فى رسم مسارها خلال القرن الثانى لها فى مصر.
لذلك لم يكن غريبا وبالتزامن مع المسار الجديد، أن يختار مجلس أوصياء الجامعة، الدكتور «احمد دلّال» ليكون الرئيس الثالث عشر للجامعة، وأول عربى أمريكى يتولى هذا المنصب الرفيع، وهو إلى جانب خبراته الاكاديمية والإدارية المعروفة، أستاذ بارز فى الدراسات الإسلامية، حيث قام بتدريسها فى الجامعة الأمريكية فى بيروت، وجامعة «ستانفورد»، وجامعة «ييل»، وكلية «سميث»، وجامعة «جورج تاون»، قبل أن يشغل سابقاً منصب وكيل الشئون الأكاديمية للجامعة الأمريكية فى بيروت.
يتمتع الرئيس الثالث عشر للجامعة الامريكية فى القاهرة، بخبرة طويلة فى مجال التعليم العالى فى الولايات المتحدة الأمريكية والعالم العربى، أهلته للعب هذا الدور، كما أهلته نشأته واتمام دراسته فى بيروت، فى مجال الهندسة الميكانيكية، قبل أن يتحول للدراسات الإسلامية، فضلا عن الفترة الطويلة التى قضاها فى الولايات المتحدة والتى قاربت ربع قرن، قضاها فى الدراسة والتدريس، الى جانب ما يتمتع به من وجهة نظر متعمقة فى العديد من القضايا التى تمس المنطقة العربية، وهو إلى جانب ذلك كله، باحث غزير الإنتاج، له العديد من المؤلفات وعشرات المقالات والمحاضرات، حول الفكر الإسلامى والحركات الثقافية فى مطلع العصر الحديث.
«الأهرام» التقت الدكتور دلّال فى أول حوار لصحيفة مصرية، للتعرف على رؤيته لدور الجامعة فى المرحلة المقبلة، فى ضوء خلفيته العربية والاكاديمية، وتقييمه للدور الذى لعبته هذه الجامعة على مدى تاريخها منذ نشأتها وحتى الآن، وآفاق التعاون بين الجامعة الأمريكية والجامعات المصرية، ومساهمة الجامعة فى خدمة المجتمع المصرى، ونظرته لواقع التعليم العالى فى مصر والعالم العربى وسبل تطويره، وأسباب تحول مسيرته العلمية، وفيما يلى نص الحوار:

الدكتور أحمد دلال فى أثناءحواره مع محررة الأهرام
باعتبارك أول أمريكى من أصل عربى يتولى هذا المنصب، ما هى رؤيتك لدور الجامعة فى المرحلة المقبلة، فيما يخص أنشطتها وخططها المستقبلية؟
الجامعة الامريكية بالقاهرة تملك عددا من المشاريع الطموحة، التى نعتزم تنفيذها، وكلها تدور حول مجموعة من المحاور الأساسية، أولها استحداث مجموعة من البرامج المستقبلية، فالتعليم يتطور بمعدل سريع فى العالم كله، ولابد للتعليم العالى أن يواكب هذا التطور، والجامعة الأمريكية بالقاهرة باعتبارها جامعة عريقة، وتعد من الرعيل الأول للجامعات فى مصر والمنطقة العربية، عليها دور كبير فى مواكبة التطور الذى يحدث على مستوى العالم، واستحداث برامج دراسية جديدة، وجزء من المهمة التى تقع على عاتقنا هى انشاء وتجهيز الجيل التالى من الطلاب لحل مشكلات المجتمع على المستوى العربى والعالمى.
ويمكن اجمال هذه المشكلات فى تحديات نقص الموارد المائية والتغير المناخى والأوبئة، وتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وجزء من مسئوليتنا يتمثل فى إعداد طلاب لديهم المهارات الكافية للتعامل مع المشكلات المستحدثة، وعلى سبيل المثال فبرنامج دراسات العمران لا يدرس فقط بشكله التقليدى ولكن يوظف معه الذكاء الاصطناعى وعلوم البيانات والتنظيم العمرانى، وهو مجال جديد للعلم لا يتوافر فى عدد كبير من الجامعات، وبالمثل هناك دراسات البيئة والاستدامة، فمثل هذه الموضوعات لا يمكن مواجهتها فى حقل معرفى واحد، ولكن تتداخل فيها عدة تخصصات.
كذلك من المجالات التى تتميز بها الجامعة منذ نشأتها الدراسات الحضارية والتاريخية، ونحن فى الجامعة لدينا مسئولية فى تطوير الدراسة فى هذه المجالات التى غالبا لا تستقطب عددا كبيرا من الطلاب، ولكن يجب رعايتها لأن دورها الرمزى والمعرفى مهم جدا فى تعزيز الهوية، وفى خدمة الإنسانية عموما، بدءا من علم المصريات ودراسة التاريخ القبطى وصولا للدراسات الإسلامية، والجامعة انتجت عددًا كبيرًا من الدراسات حول العمارة الإسلامية وصولا لدراسات الشرق الأوسط الحديث. وفى رأيى فإن مصر تحمل مسئولية هذه الموضوعات، لأنها صاحبة الريادة فى المنطقة على المستوى الفكرى والمعرفى.
ماهى أبرز ملامح هذه المشاريع؟
بشكل مباشر لدينا أربعة مشاريع أساسية، نأمل فى العمل عليها خلال المرحلة المقبلة، هى انشاء كلية جديدة للتصميم والعمارة ودراسات العمران، التصميم باعتباره منهج عام أو طريقة جديدة فى التفكير، والعمارة لأن لدينا برنامج مميز فى هذا المجال، المشروع الثانى هو معمل التكنولوجيا والبحوث العلمية والابتكار، والفكرة من وراء هذا المشروع أن الجامعة لديها مركز للابتكار وحاضنة أعمال، تعد من أهم حاضنات الأعمال فى أفريقيا والمنطقة العربية، حيث خرجت العديد من الشركات الناجحة أخرها شركة للنقل الجماعى، هى الأولى فى الشرق الأسط التى تجاوز قيمتها مليار دولار، وتم ادراجها وطرح أسهمها فى بورصة ناسداك، وكذلك لدينا العديد من المشروعات المتعلقة بتغير المناخ ليس على المستوى النظرى فقط، ولكن على المستوى التطبيقى أيضا، والهدف من ذلك ترجمة المعرفة لحلول حقيقية على أرض الواقع، أما المشروع الثالث فله علاقة بتقديرنا لحاجات مصر التى تتطور تطورًا ملحوظًا وسريعًا مع كل التحديات التى ترافق ذلك، فالعاصمة الإدارية الجديدة على سبيل المثال ستحتاج إلى نوعية جديدة من المهنيين لإدارتها وانجاحها، ونحن نريد أن نساهم فى رفع قدرات هؤلاء من خلال برامج تعليم تنفيذى وتعليم مستمر بعد الجامعة.
ولدينا فى الجامعة كلية التعليم المستمر، ونماذج تلبى متطلبات الطبقات المهنية، ويستفيد منها سنويا ما بين عشرين إلى ثلاثين ألف طالب ونأمل فى زيادة هذا العدد، كما نأمل فى فتح مكتب للجامعة فى العاصمة الإدارية الجديدة، ليس بالضرورة من أجل التعليم ولكن من أجل معرفة الاحتياجات التى ستظهر، ومن ثم نستطيع تلبيتها ونطور برامج لخدمة هذه الاحتياجات.
والمشروع الرابع والمحورى هو التوسع فى مرافق سكن الطلاب حتى يمكن استيعاب إقامة كل الطلاب المغتربين فى الجامعة، لأننا نرغب فى استقطاب مزيد من الطلاب المتميزين من المحافظات من خلال برامج المنح، وأيضا استقطاب الطلاب من خارج مصر من الدول العربية والأفريقية ومن أوروبا والولايات المتحدة، لأن التنوع يثرى الخبرات الثقافية والحضارية التى يكتسبها الطالب، وهذه هى المشاريع الأربعة التى سنعمل عليها فى الفترة المقبلة.
درستم الهندسة الميكانيكية، ثم تحولتم للدراسات الاسلامية، ما هى أسباب هذا التحول، وما الدوافع وراءه؟
كنت طالبا متفوقا، ومثل كل المجتمعات العربية، لابد للطالب المتفوق أن يدرس الطب أو الهندسة، وكان والدى باعتباره طبيبًا يرغب فى أن أكمل مسيرته، ولكنى فضلت دراسة الهندسة، وتفوقت فيها وتخرجت وعملت لمدة خمس سنوات فى مجال هندسة الطيران، ولكن خلال دراستى فى الجامعة الأمريكية فى بيروت، كان لدى شغف كبير بالتاريخ، وكنت احضر على هامش الدراسة محاضرات للدكتور «كمال صليبى»، وهو واحد من أهم المؤرخين اللبنانيين المعاصرين، وكان له تأثير كبير فى اهتمامى بالتاريخ، ووصلت لمرحلة أنه بعد مدة من العمل فى مجال الهندسة، كان لابد أن افكر فى المرحلة التالية، فاتخذت قرارًا لم اندم عليه، وتحولت لدراسة التاريخ، وحاولت الجمع بين العلم والتاريخ، فدرست تاريخ الفلك والطب، والحقول المعرفية المختلفة فى الثقافة الإسلامية، وكتبت عن علاقة العلم بالدين فى الثقافة الإسلامية.
توفر الجامعة الأمريكية عددًا كبيرًا من المنح الدراسية للطلاب المتميزين، هل يمكن أن توضح لنا تفاصيل هذه المنح، وعدد الطلاب المستفيدين منها؟
مسألة المنح الدراسية مسألة قديمة فى الجامعة، ونأمل من خلالها أن نزيد من قدرتنا على مساعدة الطلاب واستقطاب أكبر عدد من المتميزين منهم، بغض النظر عن قدرتهم المادية على تحمل المصاريف الدراسية للجامعة، سواء من داخل القاهرة أو من المحافظات أو من خارج مصر. والجامعة لديها جزء مخصص من ميزانيتها لدعم الطلاب المتفوقين، أو من لديهم سجل أكاديمى جيد ولكن ليس لديهم القدرة المادية، وفى العام الجامعى 2020-2021، خصصت الجامعة نحو 26 مليون دولار من ميزانيتها للمنح الدراسية الكلية والجزئية، هذا العدد استفاد منه 44% من طلاب البكالوريوس و77% من طلاب الدراسات العليا. والجامعة توفر أكثر من 90 منحة دراسية لطلاب البكالوريوس كمنح مقدمة كوقف من أفراد أو شركات او هيئات مصرية أو دولية، ونعقد أحيانا اتفاقيات مع هذه الأطراف، التى تقدم عادة فى مجالات دراسية محددة أو لطلاب يتمتعون بالكفاءة والتميز.
وقد سمحت هذه المساعدات التى تقدم من مانحين مرموقين بتوظيف وتعليم الطلاب المتميزين والمؤهلين القادمين فى غالب الأحيان من خارج القاهرة. وهذه المنح لا تقتصر فقط على التفوق الأكاديمى ولكنها تشمل أيضا منحا للتفوق الرياضى وللمواهب الفنية والثقافية، ولدينا أيضا برامج لدعم ذوى الهمم، كما أن لدينا مركز لتأهيل هؤلاء الطلاب ومساعدتهم، وأظن أننا شأن بقية الجامعات علينا أن نعمل أكثر فى هذا الموضوع. والجامعة تعمل بشكل مكثف للحصول على مساعدات دولية لدعم برنامج المنح.
ما هو تقييمك لدور الجامعة الامريكية تاريخيًا وحتى الآن، فى ظل تعدد الجامعات الخاصة والدولية حاليا؟
تعد الجامعة من الرعيل الأول من الجامعات فى مصر والمنطقة العربية، فقد أنشئت عام 1919، ومن ثم فلديها تاريخ طويل وعريق، وهى حلقة وصل بين الثقافة المصرية أو الشرقية والثقافة الغربية، ليس فقط على المستوى الحضارى ولكن أيضا على مستوى النظم الاكاديمية، فنحن جامعة توجد فى القاهرة وتخدم هذا المجتمع، ولكنها مؤسسة على غرار النموذج الأمريكى على كل المستويات، جامعة أنشأها مواطنون أمريكيون وسجلت فى أمريكا قبل أن تسجل فى مصر، فى وقت كانت فيه الجامعات الخاصة قليلة جدا، واستطاعت الجامعة طوال هذه السنوات أن تصمد وتواكب تغيرات كثيرة جدا على المستوى السياسى فى المنطقة ككل، واستطاعت التأقلم واستمرت فى العطاء فى خدمة المجتمع، وفى تطوير التعليم العالى. ومازلت حتى الآن اتعلم واتعرف أكثر عن تاريخ الجامعة بالقاهرة وعلى موقعها فى الخريطة الأكاديمية، وقد اخبرنى كثير من الزملاء الذين تعرفت عليهم منذ مجيئى للقاهرة، أنه فى البداية كان الالتحاق بالجامعة الأمريكية ليس ميزة على الاطلاق، لأن الوجهة الأولى كانت جامعة القاهرة، لكونها الأفضل، وهو أمر طبيعى كون اختصاصات الجامعة فى تلك الفترة كانت محدودة، ولكن مع مرور الوقت أصبح للجامعة ثقل نوعى فى مجال التعليم العالى وفى المجال الثقافى، وتخرج من الجامعة عدد كبير جدا من الشخصيات المتميزة فى مختلف المجالات.
ويمكن القول إن تأثير الجامعة بالنسبة لحجمها ملموس وواضح على المستوى الثقافى والعلمى والفنى، وخصوصا فى المجالات التى تحتاج الى الابداع، والجامعة مميزة جدا على هذا الصعيد. أما فيما يتعلق بتعدد الجامعات الخاصة والدولية فى الوقت الحالى، فيمكن القول أن الجامعة بهذا الحجم الصغير من حيث عدد الطلاب، لا تستطيع أن تلبى وتوفر احتياجات مصر بالكامل فى مجال التعليم العالى، فنحن جزء من منظومة ثقافية ونتمنى أن نلعب هذا الدور مع الجامعات الأخرى. كما أن انشاء هذا العدد من الجامعات يعبر عن حالة من الادراك على المستوى القومى لأهمية التعليم العالى، وايمان وقناعة بأهمية انشاء مجتمع معرفى وتطويره، ولا أظن أن جامعة واحد يمكنها بمفردها أن تلبى هذه الاحتياجات، ولذلك لابد من أن تتكامل جهود هذه الجامعات لتلبية الحاجات المتزايدة والملحة للمجتمع المصرى.
ما هى رؤيتكم للتعاون بين الجامعة الأمريكية والجامعات المصرية، وهل هناك بالفعل برامج تعاون أو شراكة؟
بدون شك هذه هى واحدة من أولوياتى الخاصة، وكما أوضحت سابقا فإن التعاون العلمى بين الجامعات لابديل عنه لكى يكون وقعه وتأثيره أكثر جدوى، وقد زرت بالفعل مؤخرًا مع وفد من الجامعة الدكتور «محمد عثمان الخشت» رئيس جامعة القاهرة، واتفقنا على العمل معا على إمكانية تطوير برامج مشتركة فى مجال البحث العلمى، كما سبق وأنشأنا مراكز توظيف فى عدد من الجامعات بدعم من وكالة التنمية الامريكية، ونحن ندرب الجامعات ونساعدها على فتح هذه المراكز، وسنفتتح واحدا من هذه المراكز فى جامعة القاهرة قريبا، وهناك بالطبع مجالات أوسع للتعاون، وقد لمست اهتمامًا من الدكتور الخشت بهذا الموضوع. وهذا أحد أوجه التعاون ولكنه ليس المجال الوحيد، فبالاشتراك مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أنشأنا العديد من المراكز الجامعية للتطوير المهنى فى العديد من الجامعات الحكومية لتقديم خدمات توجيهية، وهى مسألة هامة جدا، فالطالب عندما يتخرج تنحصر معرفته فى حدود تخصصه فقط، ولكنه يفتقد المهارات اللازمة لدخول لسوق العمل، ولذلك نحن نساهم فى دعم المهارات المهنية والتقنية التى يحتاجها الطلاب، وبدعم من الوكالة الامريكية افتتحنا الشهر الماضى مركزين فى جامعة طنطا، ليصل عدد المراكز التى أنشأناها إلى 18 مركزًا فى عشر جامعات من الإسكندرية إلى أسوان، واستفاد منها حتى الآن حوالى 200 ألف طالب، وهذه المراكز هى نموذج للتعاون القائم بالفعل.
كما أن العام الماضى شهد توقيع بروتوكول لتعزيز التعاون مع جامعة العلمين فى مجال التعليم والبحث العلمى والأنشطة الأكاديمية، والى جانب ذلك وبالاشتراك مع جامعة الإسكندرية تم انشاء وتشغيل مركز متميز فى مجال علوم المياه، وهو واحد من ثلاثة مراكز ممولة أيضا من الوكالة الأمريكية.
وغنى عن البيان أهمية الدراسات فى مجال المياه، من أجل تحسين إدارة موارد المياه فى مصر ووضع سياسات فعالة لمواجهة التحديات فى هذا الملف ومساعدة الحكومة المصرية فى تحقيق رؤيتها لخطة 2030 فى التنمية المستدامة. وبالمناسبة نحن نتعاون مع أربع جامعات أمريكية فى هذا المركز البحثى، هى جامعة ولاية «واشنطن» وجامعة ولاية «يوتا» وجامعة «تمبل» و»كاليفورنيا» و»سانتا كروز»، وكذلك مع جامعات مصرية أخرى هى جامعة اسوان وبنى سويف والزقازيق وعين شمس.
ما هو حجم مساهمة الجامعة فى خدمة المجتمع، وحل مشكلاته؟
الجامعة منذ انشائها لديها دور بارز فى خدمة المجتمع المصرى وحل مشكلاته عن طريق استحداث برامج معاصرة وإطلاق مبادرات وعمل الأبحاث، وسأجيب عن هذا السؤال بطريقة مختلفة، فمسألة المناخ فى مصر أصبح لها الأولوية، خاصة مع اقتراب موعد عقد قمة المناخ المقبلة فى مدينة «شرم الشيخ» فى نوفمبر القادم، وقد استضفنا فى الجامعة مؤخرا جون كيرى مبعوث الرئيس بايدن لشئون المناخ، ولدينا أيضا مبادرة حول دراسات التغير المناخى، وهى مبادرة تجمع كل الطاقات والكفاءات والقدرات الموجودة فى الجامعة لوضعها فى خدمة المجتمع.
وأيضا أطلقنا الشهر الماضى التقرير النهائى لمبادرة المستقبل الذى أصدرته كلية الشئون الدولية والسياسات العامة، وهو التقرير الذى كان محصلة مبادرة أطلقت عام 2019 لدراسة مستقبل العالم العربى والشرق الأوسط، وأهم قضاياه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، هذا النوع من المبادرات يخدم المجتمع فى مصر والمنطقة ويبرز الدور القيادى لمصر لمواجهة قضايا المستقبل.
هل توجد أى خطط للتعاون مع الحكومة أو قطاعات الدولة؟
نحن نتعاون تعاونا وثيقا مع الحكومة ومع القطاع العام والخاص، وكذلك مع المؤسسات المحلية والدولية، فمثلا نتعاون مع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية فى إطلاق المعمل المصرى لقياس الأثر، وهى مبادرة أكاديمية مركزها معهد «MIT» فى الولايات المتحدة، وأنشئ فرع لهذه المبادرة أو البرنامج البحثى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ووقعنا اتفاقية مع وزارة التخطيط لدراسة المشاريع الكبرى، وهو أمر يعكس بالمناسبة جدية القيادة المصرية فى التفكير فى المشروعات المختلفة. كما نتعاون مع الوزارة فى برنامج القيادة للتميز الحكومى، بالاشتراك مع «كنجز كولدج» الذى شهد تخريج أربع دفعات الشهر الماضى، والبرنامج يأتى ضمن برنامج الشراكة الثلاثية الذى وقع عام 2019 بين وزارة التخطيط والجامعة و«كنجز كولدج»، ويهدف البرنامج لإكساب العاملين وخصوصا فى العاصمة الإدارية المهارات والقدرات المرتبطة بعملهم وتحسين أدائهم الإدارى والمهنى.
كما وقعت الجامعة مع أربع جامعات حكومية أخرى مؤخرًا اتفاقية مع وزارة الاتصالات واحدى شركات تكنولوجيا المعلومات خاصة بالذكاء الاصطناعى، كما وقعنا اتفاقية مع وزارة الشباب والرياضة، واستضفنا بطولة العالم فى الخماسى الحديث على ملاعب الجامعة.

الدكتور أحمد دلال
فى ضوء خبرتكم الكبيرة ما هى رؤيتكم لواقع التعليم العالى فى مصر والعالم العربى، وما هى أفاق تطويره؟
هناك حاجة ملحة فى مجتمعاتنا العربية وفى مصر بالتأكيد لبناء مجتمع معرفى يعتمد على الابداع والتفكير الحديث، والتحديات فى هذا المجال ليست سهلة، وقد حضرت أحد المؤتمرات التى تتناول هذا الموضوع مع فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى، حيث تحدث عن تحديات إنجاح المشروع المعرفى. وفى رأيى هناك عدة تحديات منها أنه لا يكفى انشاء جامعات جديدة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب، ولكن نوعية العلم مسألة مهمة جدا، وهى قضية قديمة سبق حتى وتحدث عنها الدكتور «طه حسين»، وهناك أيضا أهمية التركيز على التفكير الابداعى، فالجامعات بشكل عام مؤسسات محافظة وتتحرك ببطء، لان تراثنا الأكاديمى يشدنا نحو الثبات، ومن ثم لابد أن يكون لدينا الديناميكية المطلوبة لكى نواكب التغيرات على مستوى التكنولوجيا، وان يكون لدينا الاستعداد لانشاء برامج جديدة وإلغاء أخرى أدت وظيفتها ولم تعد على نفس القدر من الأهمية. فلابد أن يكون لدينا المرونة والشجاعة لتأهيل الطلاب للتفكير خارج الصندوق.
ذكرت فى أكثر من مناسبة مصطلح «التعليم الليبرالى»، فما هو مفهومك لهذا المصطلح، وما هو دوره وأهميته؟
هذا المصطلح ليس له علاقة بالمسألة الأيديولوجية، بل يمكن ربطه بالثقافة اليونانية، وهناك تطور تاريخى لفكرة التعليم الليبرالى، أو ربما التعليم الحر كما يسميه البعض، والمقصود أن الطالب لا يدرس فى حقل واحد، وغالبية جامعاتنا تضم تخصصات متعددة ولكن كل تخصص منفصل عن الأخر. ولكن فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة والجامعات التى تتبع هذا النظام التعليمى، هناك عدد من المواد التى يجب على الطالب أن يدرسها قبل أن ينتقل إلى التخصص، فالطالب عليه أن يتعلم مهارات التواصل واللغة والدراسات الحسابية والاقتصادية والتفكير العلمى، إدراكًا لأهمية أن يكتسب الطالب مهارات فكرية ومعرفية فى حقول مختلفة كى يستطيع ان يفكر بحرية، وهذه الفكرة ليست حكرًا علينا ولكنها مسألة مهمة، تميز هذه المقاربة للتعليم العالى التى تتبعها أفضل جامعات أمريكا.
لديك العديد من المؤلفات وعشرات المقالات والمحاضرات حول الإسلام والغرب، من وجهة نظركم كيف يرى الغرب الشخصية العربية والمسلمة، وكيف يمكن اصلاح الاختلالات المرتبطة بهذه الصورة؟
من المفارقات التى يشهدها العالم حاليا، أنه مع ازدياد حجم المعرفة، ازداد حجم الفرز على الأساس الايديولوجى والحضارى والثقافى، وكان التصور أن تخف هذه الظاهرة بعد أن أصبح العالم أكثر ارتباطًا ولكنها للأسف أصبحت فى ازدياد. وهى ظاهرة لا تقتصر على الشرق والغرب، ولكنها أصبحت واضحة داخل المجتمع الواحد نفسه، وبنظرة على المجتمع الأمريكى سنجد أنه أصبح خلال الفترة الماضية منقسمًا أيديولوجيًا وثقافيًا بشدة. ولكننى مع ذلك متفائل لأن الوصول لمعرفة الأخر أصبح متاحًا، نعم الصورة مازالت سلبية لدى البعض، ولكنها إيجابية لدى البعض الآخر، وعلينا أن نعمل على تطوير الأمور المشتركة بيننا، فعلى سبيل المثال جائحة كورونا وحدت العالم بأسره وأعطتنا درسا أنه مهما بلغت قوة دولة ما، لا تستطيع أن تواجه الجائحة بمفردها، ونفس الشيء ينطبق على قضايا المناخ والبيئة، فمسئولية مواجهة هذه المشاكل مسئولية مشتركة.
رابط دائم: