رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خاتمة عبد الرحمن بدوى (3)

مخطئ من يظن أن المؤسسات الأكاديمية والبحثية الغربية تلتزم بالموضوعية والعدالة فى الأمور البحثية، وخصوصا التى تجنح أحيانا وتهاجم الغرب فى محاولة كشف أفعاله المتراكمة عبر التاريخ وخصوصا فى مجال الدراسات الشرقية والاستشراقية.

غضب الغرب من عبدالرحمن بدوى ومن تعريته للمستشرقين الأوروبيين مثلما غضب على إدوارد سعيد عندما نشر كتابه الاستشراق الذى فند فيه أكاذيب المستشرقين وجهلهم بفهم الشرق، فصدرت ضده زوابع من المقالات البحثية والمراجعات والدراسات الرافضة لكتابه، وكشفه عنف المستشرقين وحيودهم عن الالتزام بالموضوعية والمصداقية. بعد موت عبد الرحمن بدوى مباشرة بدأت تلوح فى الأفق محاولات النيل منه، لأنه فعل فى المدرسة الغربية الاستشراقية مثلما فعل إدوارد سعيد. تم تسخير البعض للنيل منه مثلما حدث مع إدوارد سعيد. السبب فى ذلك هو الإحساس بالاستعلاء الثقافى الغربى وأنهم دائما يقولون الصدق ويتحرون الدقة والموضوعية ويملكون كل المصادر والإمكانات التى تجعلهم هكذا، وبالتالى فإن كل من يجرؤ على النيل منها والإشارة عليها يصبح من الخوارج. تمثل ذلك فى رسالة دكتوراه من قسم الفلسفة والأديان بجامعة فريدريك أليكساندر الألمانية فى نورمبرج فى مايو 2009 بعنوان دور الاغتراب فى فكر عبدالرحمن بدوى، لباحثة سورية هى الدكتورة هالة على التى قللت من شأنه كفيلسوف ومن أعماله التى لا يستطيع إنكارها أى باحث عادل، ووصفته فى رسالتها بأنه ليس فيلسوفا على الإطلاق رغم ادعائه أنه الفيلسوف الوحيد فى مصر والعالم العربى، وأن مرد كل كتاباته هو إحساسه بالاغتراب والانسلاخ عن بيئته ووطنه وثقافته وأقرانه فى بلده مصر الذين هاجمهم بقسوة عبر رحلة عمره. ووصفته بأنه تقليدى مغترب عن نفسه وكاره لكل شىء فى الحاضر ومادح لكل شىء فى الماضى. وأضافت أن حياة بدوى وفكره كانا محكومين بحلم استرداد مركزه وممتلكاته وأيضا مركز مصر كمركز لحضارة الشرق ومكانتها الفرعونية واسترداد الفترة العلمانية التحررية التى كان ينادى بها لطفى السيد والقومية التى نادى بها مصطفى كامل. وقبل كل شىء استعادة لقب أفندى لنفسه وكل مميزاته. لقد خبت كل أحلامه عندما قفلت فى وجهه كل الأبواب حتى باب فرنسا التى عاش فيها والتى كان يعتبرها رمزا للتنوير، ولم يتبق له غير اللجوء للدين كملاذ آمن للفيلسوف العجوز المتعب. تقع الرسالة فى 254 صفحة وتشمل مقدمة وستة فصول تشمل التطور الاجتماعى والثقافى لعبدالرحمن بدوى، ودور التعليم فى عملية اغتراب عبدالرحمن بدوى، تجربته السياسية ودورها فى عملية اغترابه، واغترابه فى الفترة من 1952 حتى 1967، واغترابه فى الفترة من 1967 حتى وفاته عام 2002.

أجرت الباحثة تلخيصا لـ 120 كتابا من كتبه، إضافة الى ما كتبه من مقالات وأبحاث عبر مشواره الأكاديمى معطية فى ذلك وصفا متكاملا عن مراحل حياته التى صنفتها فى فصول الرسالة. إضافة الى سرد لسيرته الذاتية. تلت ذلك بالاستنتاجات التى أظهرت فيها النوايا من وراء كتابة الرسالة وهى عملية التقليل من شأنه ووصفه بأنها لا تعتبره فيلسوفا على الإطلاق مخالفة ما كتبته فى الفصول المختلفة ووصف مراحل حياته المختلفة:

بدوى الفيلسوف والمتبنى للفلسفة الوجودية الغربية فى الفترة من 1939 حتى 1945، بدوى المؤسس للوجودية العربية فى الفترة من منتصف الثلاثينيات حتى منتصف الستينيات، بدوى المترجم والمحرر من منتصف الستينيات حتى منتصف التسعينيات، وبدوى المدافع عن الإسلام فى ختام حياته منذ منتصف الثمانينيات حتى وفاته بالقاهرة فى 25 يوليو 2002.

الغريب فى هذه الرسالة هو عدم إثبات ما توصلت إليه من استنتاجات فى مؤلفاته العديدة والمتشعبة فلجأت الى التفسيرات المفرطة فى المبالغات والتى لا تستند الى الأدلة، وهو الأمر الأساسى فى الرسائل العلمية وخصوصا رسالة الدكتوراه. تقول الباحثة إنى لا أعتبر عبدالرحمن بدوى فيلسوفا على الإطلاق وإن العائق الذى تستند إليه هو ما تبناه من التزام عقائدى محكوم باتجاهين هما الاتجاه القومى المصرى والاتجاه الطبقى، وإن هذين السببين هما اللذان جعلاه يهاجم جمال عبدالناصر الذى كان داعيا الى القومية العربية ومحييا لها، بينما عبدالرحمن بدوى يتبنى القومية المصرية الفرعونية، وإن عبدالناصر كان ضد الطبقية بينما عبدالرحمن بدوى ينتمى لتلك الطبقة التى حاول عبدالناصر القضاء عليها.

تستغرب الباحثة من عدم ثبات عبدالرحمن بدوى على الالتزام بالفلسفة الوجودية فتقول: لماذا كتب عبدالرحمن بدوى الزمن الوجودى وعمره 25 عاما ولم يظل وفيا لتلك البداية الفلسفية وما الذى قاده الى تغيير مسار حياته؟.

تفسير ذلك عندها أنه ليس افتقاره الذهنى أن يظل كذلك وليس ضعف اعتقاده فى الوجودية ولكن السبب هو البيئة الاجتماعية والسياسية التى عايشها فى مصر وفى الخارج والتى لم يستطع الانسلاخ منها والقطيعة معها وأنه لم يستطع الحفاظ بمسافة فلسفية لكل من حياته وزمنه الذى عاشه. ثم يأتى عقب ذلك تفسيرها الصادم وهو أن عبدالرحمن بدوى وجد فى الإسلام الفرصة لضخ الحياة فى عقيدته الوجودية من خلال محاولته إيجاد التوافق بين الوجودية والصوفية، وهو الأمر الذى أدى لانحدار مشروعه الفلسفى منذ منتصف الستينيات والتى ظهر خلالها كمجرد محقق ومترجم ومؤرخ للفكر العربى والأوروبى.

هذه التفسيرات الغريبة لا تعطى برهانا عن انحدار عبدالرحمن بدوى كفيلسوف. هى تريده ثابتا متحجرا مع الزمن، بينما هو يتغير معه. التغير ليس انحدارا ولكنه نزوح نحو تحقيق الغاية من الحياة وتحقيق الاتزان الطبيعى. أرادت النيل منه من خلال التقليل به ولم تنجح فى تفسيراتها.


لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة

رابط دائم: