-
د. منن عبدالمقصود: تطبيق سياسة الشباك الواحد لعلاج مريض الإدمان من الفيروسات
-
نسبة الإدمان بين الذكور 3٫7% وبين الإناث 0٫1%
-
د. أحمد رمزي: مبنى جديد لعلاج السيدات والمراهقين والتشخيص المزدوج بمستشفى العزازى
-
د. محمد عادل: برنامج «تعافى» والرعاية النهارية خطوة على طريق الشفاء
كثير من الأسر التى تبحث عن معجزة لعلاج فلذات أكبادها من إدمان المخدرات، تضطر للتعامل مع بعض المصحات التى تستقبل المدمنين، إلا أن أنجح تجارب العلاج تشهدها مستشفيات وزارة الصحة والسكان التى تطبق معايير العلاج العالمية، وتقدم خدماتها بالمجان، كما أثبتت أنها المكان الوحيد الذى تأمن فيه تلك الأسر على أبنائها للتخلص من الإدمان، حيث عانى الكثيرون المصحات غير المرخصة والتى تتخذ من بعض الفيلات مركزا لها لجمع الأموال الطائلة بحجة العلاج، بينما لا تطبق أدنى معايير العلاج المعترف بها دوليا، لكنها المكان الوحيد الذى يقبل دخول مريض الإدمان مكبلا للعلاج!
«تحقيقات الأهرام» تبحث فى السطور أبعاد المشكلة التى تواجه آلاف الأسر التى تقف عاجزة عن علاج أبنائها، ونستعرض أهم الطرق الحديثة لعلاج الإدمان بمستشفيات وزارة الصحة والسكان.
فى بداية جولتنا بأحد مستشفيات وزارة الصحة لعلاج الإدمان، التقينا سيدة جاءت مع نجل شقيقها، قالت إنها تعمل موجهة بوزارة التربية والتعليم، جلست تبكى ووجهها شاحب لتسرد حكاية علاء ذى السبعة وعشرين عاما مع المخدرات، ذلك الشاب الذى كان قدوة لأبناء الحى، حيث حصل على بكالوريوس تجارة بدرجة جيد جدا، كما كان مداوما على ممارسة الرياضة وأداء الصلاة، ولكنه بعد وفاة والده منذ عامين بدأت أحواله تسوء وسلوكه يتغير، واكتشفنا إدمانه للمخدرات وأصبح يبحث دائما عن عمل يومى سريع ليشترى بدخله المخدرات، ومع استحالة إقلاعه ورفضه الاعتراف بإدمانه، حاولت مع الطبيب حجزه رغما عنه للعلاج بالمستشفى لأنه لا يمكننى تحمل تكاليف العلاج بالمصحات الخاصة ولكن فوجئت بأنه لا يمكن حجزه للعلاج رغما عنه وذلك لأن القانون يمنع ذلك!
جرعة زائدة
سعاد مصطفى أرملة توفى زوجها منذ 15 عاما تاركا لها سبعة أبناء أصغرهم جمال 22 سنة، بدأ رحلته مع الإدمان منذ 6 سنوات حينما كان فى الصف الأول الثانوى، ومنذ ذلك اليوم أصبح عدوانيا فى طلب المال للحصول على المخدرات، كما تعرض يوما للتسمم جراء جرعة زائدة، وخلال هذه السنوات - كما تقول - قمت بحجزه عدة مرات داخل إحدى المصحات غير المرخصة لإنقاذه من الإدمان، حيث يحضر مندوب من المصحة بسيارة ويقوم بتوثيقه ونقله للمصحة، وبعد عدة أشهر خرج جمال ليعود للإدمان بشراهة، كل ذلك وأنا أستدين من الأهل والمعارف لعلاج جمال، وبعد فشلى فى علاجه لجأت لمستشفى تابعة لوزارة الصحة لعلاج الإدمان لحجزه وعلاجه بطريقة طبية سليمة وليس كما كان يحدث فى تلك المصحة غير المرخصة والتى استنزفت منى أموالا طائلة، ولكن تم رفض طلبى لأن جمال يرفض الحجز طواعية فماذا أفعل؟

صالة الاستقبال بمستشفى العزازى للصحة النفسية - تصوير أحمد رفعت
الدخول الإرادى والإلزامى
الدكتورة منن عبدالمقصود أمين عام الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان بوزارة الصحة والسكان تقول إن الطب النفسى هو الفرع الوحيد من فروع الطب الذى يحكمه قانون خاص به وهو قانون رعاية المريض النفسى رقم 71 لسنة 2009 وتعديلاته عام 2020 حيث تنص المادة 10 على «يحق لكل مريض نفسى بلغ الثامنة عشرة من عمره طلب دخول إحدى منشآت الصحة النفسية دون موافقة أحد، كما يحق له طلب الخروج فى أى وقت إلا إذا انطبقت عليه شروط الدخول الإلزامي» وتنص المادة 13 الخاصة بالدخول الالزامى على أنه «لا يجوز إدخال أى شخص إلزاميا للعلاج بإحدى منشآت الصحة النفسية، الا بموافقة طبيب متخصص فى الطب النفسى وذلك عند وجود علامات واضحة تدل على وجود مرض نفسى شديد يتطلب علاجه دخول إحدى منشآت الصحة النفسية، وذلك فى حالتين هما احتمال حدوث تدهور شديد ووشيك للحالة المرضية النفسية، وإذا كانت أعراض المرض النفسى تمثل تهديدا جديا ووشيكا لسلامة أو صحة أو حياة المريض أو سلامة وصحة وحياة الآخرين» لذا لا يمكن أن نحتجز مريض الإدمان داخل المستشفى للعلاج رغما عنه طالما أنه لا يعانى أعراض هلاوس أو ضلالات أو تغييب العقل، وبمجرد ظهور هذه الأعراض يتم احتجازه، ولكن بمجرد توقف تلك الأعراض فللمريض الحق فى أن يطلب خروجه من المستشفى حسب مواد القانون.
الحوار التحفيزى
ومريض الإدمان الذى يدخل إحدى المصحات غير المرخصة رغما عنه ويمكث بها عدة أشهر يخرج منها ليعود للإدمان أكثر شراهة، ذلك لأنه لم يتم اتباع الأساليب الصحيحة فى علاجه كما يتم بمستشفيات وزارة الصحة، لذا يجب تجهيز مريض الإدمان نفسيا لتقبل العلاج وأن تتولد لديه الإرادة وقوة العزيمة للتخلص من المادة المخدرة التى دمرت حياته، كل ذلك عن طريق «الحوار التحفيزي» أو المقابلة التحفيزية التى يقوم بها الطبيب مع المريض لتحديد الخسائر من إدمانه والمكاسب التى سوف يحصل عليها عند التعافى من الإدمان، والمقابلة التحفيزية تساعد كثيرا فى اقناع المريض للعلاج من الإدمان، وكثير منهم يستجيبون خلال هذه المقابلة ويعود المريض للمتابعة من خلال العيادة الخارجية بالمستشفى، هنا يكون المريض متحمسا للعلاج، وهى أولى خطوات التعافى من الإدمان، لأنه لو لم يكن متحمسا للعلاج فلن يشفى أبدا من الإدمان.
وتؤكد د. منن أن القضية ليست جسدا يتخلص من السموم فقط لأن التخلص من السموم يستغرق حوالى أسبوعين ثم يدخل المريض فى برنامج مكثف لمدة ثلاثة أشهر نعيد فيه تشكيل شخصيته وطريقة تفكيره وتأهيله وتدريبه من جديد، وهذه المرحلة هى الأهم بالنسبة للمريض لأنه يتعلم فيها مهارات التعافى الأولية، وطرق منع الانتكاسة ويفهم طبيعة مرضه أكثر، وكيفية تقبله وتقبل حياته الجديدة بدون اعتمادية أو سلوكيات إدمانية، كما أنها المرحلة التى يستكشف فيها نقاط القوة والضعف فى حياته والمشاكل التى تسبب له اضطرابات اجتماعية ونفسية.
وترصد د. منن مؤشرات آخر مسح قومى شامل لظاهرة تعاطى وإدمان المواد المؤثرة فى الحالة النفسية خلال عام 2020 موضحة أن نسبة الإدمان حسب الجنس بين الذكور 3٫7% وبين الاناث 0٫1% ومتوسط عمر الذين انطبقت عليهم معايير إدمان الكحوليات والمواد المخدرة 32٫2%، وبالنسبة للتوزيع الجغرافى فقد سجلت محافظة الجيزة أعلى نسبة تليها الإسكندرية ثم الدقهلية بينما سجلت الوادى الجديد وبورسعيد وبنى سويف أقل نسبة.
سياسات خفض الضرر
وتضيف د. منن أن وزارة الصحة والسكان، ممثلة فى الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان تتعامل مع ظاهرة الإدمان على أنها قضية قومية تجتاح المجتمع المصرى يجب التصدى لها على كافة الأصعدة، لذا فإن الأمانة تتابع كافة الطرق العالمية الحديثة فى علاج الإدمان، ومنها «سياسات خفض الضرر» التى تعتبر من أهم الأساليب الطبية والعلمية الحديثة التى لاقت نجاحا عالميا فى علاج الادمان حتى إن لبنان والمغرب قد انتهجتا هذه السياسات التى سوف يتم تطبيقها فى مصر من خلال مستشفيات الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، بمساندة ومساعدة وزارة الصحة والسكان بشكل قوى وفعال، حيث سيتم حث مريض الإدمان الذى يرفض العلاج بإعطائه عقاقير دوائية تمنحه إحساسا مشابها لإحساس المادة المخدرة لكن بجرعة يتم التحكم بها، وهذه العقاقير لا يمكن صرفها ولا تناولها إلا من خلال المستشفى، حتى لا تتم إساءة استخدام ذلك الدواء، وفى نفس الوقت تحقق للمريض الاتزان، كما لا يدخل المريض فى أعراض التسمم بسبب زيادة جرعة المخدرات ولا يمر بأعراض الانسحاب، كل ذلك بالدواء البديل المعترف به عالميا الذى لا يظهر إيجابية فى تحليل المخدرات، وكثير من مرضى الإدمان الذين انتهجوا سياسة خفض الضرر طلبوا تخفيض الجرعات بعد استقرار حالتهم وبعدها توقفوا نهائيا عن تناولها وتم تعافيهم تماما من الإدمان، فمن خلال سياسات خفض الضرر يتحكم المريض فى علاجه ولا يشعر بأن هناك من يجبره على العلاج، بل هو الذى يقرر العلاج ويقرر الشفاء نهائيا من الإدمان، وسوف يتم افتتاح عيادات خفض الضرر بالمستشفيات بمجرد استيراد العقاقير الدوائية الخاصة بهذه السياسات.
الشباك الواحد
وتتابع من خلال مستشفيات الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان وعددها 22 مركزا ومستشفى على مستوى الجمهورية نطبق سياسة «الشباك الواحد» بمعنى أن المريض يدخل المستشفى للعلاج من الإدمان ويتم علاجه من جميع الأمراض التى يعانيها بجانب الإدمان مثل الفيروسات سواء الكبدى C أو B أو الإيدز حيث يتم عمل كافة التحاليل وتقديم العلاج مجانا، وأوضحت أنه من خلال وزارة الصحة تم تدريب فرق التواصل المجتمعى على كيفية التوعية ضد الإدمان فى كافة الأماكن التى بها تجمعات ومن خلال الخط الساخن 16328 يتواصل المعالجون مع المرضى لمساعدتهم بتقديم النصائح والإرشادات حتى وصولهم للمستشفى لبدء العلاج كما يتم عمل جلسة علاجية عبر الهاتف.
وقالت إنه تم خلال عام 2021 علاج 137684 حالة إدمان فى العيادات الخارجية بمستشفيات وزارة الصحة و4168 حالة دخول بالمستشفيات، وهى أعداد قليلة نظرا للإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا حيث وصلت لثلاثة أضعاف هذا العدد قبل جائحة كورونا.
وتطالب د. منن عبدالمقصود بإطلاق مبادرة للصحة النفسية وعلاج الإدمان لأن المجتمع المصرى فى أمس الحاجة لهذه المبادرة لغلق باب الانتحار والوفاة بسبب الإدمان وإنقاذ شبابنا من براثن الإدمان، ولابد من حملة إعلامية لمواجهة الإدمان وعمل مسح ميدانى لرصد مشاكل المجتمع بشكل عام وتنظيم حملات توعية لتقديم النصائح حتى تتخلص الأسر من مشاكلها النفسية مع وجود المنصة الالكترونية وفرق التواصل المجتمعى والخط الساخن.
وأضافت أن مستشفى العزازى للصحة النفسية وعلاج الإدمان بمحافظة الشرقية يعد من أكبر مستشفيات وزارة الصحة والسكان من حيث عدد الأسرة والخدمات حيث يقع على مساحة 12 فدانا ويتكون من مبنى العلاج النفسى ووحدة لعلاج الإدمان ومبنى داخلى للسيدات ومبنى العيادات الخارجية ومبنى إدارى ومدرسة للتمريض ووحدة للجلسات ومعمل للتحاليل وملعب ومسرح على الطراز الرومانى، والمستشفى يخدم محافظات الشرقية والاسماعيلية والسويس وبورسعيد وشمال وجنوب سيناء وجنوب الدقهلية والمنوفية.

أحدث أجهزة الفحص والتشخيص بالمعامل
برنامج تعافي
ويوضح الدكتور محمد عادل رئيس قسم وحدة الإدمان بمستشفى العزازى، أن المستشفى به 6 عيادات خارجية وعيادة لإدمان المراهقين، ويبدأ مريض الإدمان بالمتابعة معنا حيث يتم فتح ملف له يتضمن كل المعلومات الخاصة به وبأسرته من عمله وطريقة معيشته والتاريخ المرضى له، ويتم عمل كافة التحاليل الخاصة بالمخدرات والفيروسات ويتم صرف العلاج له سواء كان داخليا أو عبر العيادات الخارجية، ويستغرق علاج مريض الإدمان 70 يوما، حيث يتم التخلص من السموم، ثم مرحلة التأهيل النفسى للمريض والتعامل معه من قبل الطبيب وطاقم التمريض والأخصائى الاجتماعى والنفسى، وتستغرق هذه المرحلة من أسبوع إلى 10 أيام ثم تبدأ بعدها فترة 8 أسابيع، حيث يبدأ الطبيب بالتعامل مع المريض من خلال برنامج «تعافي» وهو برنامج خاص بالأمانة العامة وهو قائم على «العلاج السلوكي» للمريض حيث يتم عمل جلسات فردية مع الطبيب لحصر المشاكل التى تعرض لها المريض جراء الإدمان سواء كانت بالأسرة أو العمل أو مع الأصدقاء وتحديد الأسباب التى أدت إلى انتكاسة المريض وإدمانه للمخدرات، ولابد من وجود شخص قريب من المريض يساعد الطبيب خلال هذه المرحلة وبعد فترة الـ 70 يوما لا نترك المريض بل نستكمل معه العلاج فى الرعاية النهارية وهى تستغرق من 6 أشهر حتى سنة حيث يتم متابعة المتعافين بإجراء التحاليل الدورية ومتابعة حياتهم خارج المستشفى.

مبنى العيادات الخاصة بالمستشفى
التشخيص المزدوج
يقول الدكتور أحمد رمزى مدير مستشفى العزازى إن القانون 71 لسنة 2009 الخاص برعاية المريض النفسى لا يعطينى الحق فى حجز مريض الإدمان رغما عنه مادام أنه لا يعانى هلاوس سمعية أو بصرية أو ضلالات أو معتقدا ثابتا بالاضطهاد أو العظمة (اضطراب السلوك والتفكير) ولكن إذا جاء مريض الإدمان للمستشفى ولديه هذه الأعراض فيتم حجزه تحت بند «التشخيص المزدوج» وهو قسم مخصص لبعض الحالات التى بها أعراض نفسية نشطة مع الإدمان هنا أستطيع تطبيق المادة 13 الخاصة بالدخول اللاإرادى لمريض الإدمان، وقد افتتحنا وحدة تشخيص مزدوج للسيدات كما تمت الموافقة على بناء مبنى يضم 100 سرير لعلاج الإدمان يضم قسما داخليا للسيدات وآخر للمراهقين ووفقا للمادة «12» فإن المراهق يتم حجزه للعلاج تحت وصاية أسرته، ويضم المبنى قسما للتشخيص المزدوج وتعمل العيادات الخارجية صباحا أيام السبت والأحد والأربعاء، ومساء يومى الأربعاء والخميس، كما توجد عيادة الفيروسات وهى ملحقة بالإدمان، حيث يتم فحص مريض الإدمان وعمل التحاليل الخاصة بالفيروسات C وB والايدز ويتم علاجهم مجانا بالمستشفى.
ويتردد على العيادات الخارجية من 600 –900 مريض بالإدمان تتراوح أعمارهم من 18 حتى 60 سنة، وينقسم علاج الإدمان لشقين أولهما علاج دوائى ليتخلص المريض من أعراض الانسحاب، وبعض الأعراض المصاحبة للإدمان مثل الاكتئاب والقلق، ثم ينتقل المريض لمرحلة العلاج غير الدوائى، وهى مرحلة التأهيل، حيث يعتمد برنامج التأهيل لمريض الإدمان على مدارس علاجية معتمدة عالميا مثل مدرسة العلاج المعرفى السلوكى وهى أكبر مدرسة للعلاج غير الدوائى، حيث يتم دراسة التشوهات المعرفية لدى المريض سواء التشوه فى طريقة تفكيره بعد الإدمان ثم نعمل على تغيير طريقة تفكيره، وبناء على تغيير الأفكار تتغير المشاعر وتتغير السلوكيات.
رابط دائم: