اجتهادات
أورجُ نوتردام الصامد

ما إن حلت الذكرى الثالثةُ للحريق الذى دمر أجزاء كبيرةً من كاتدرائية نوتردام التاريخية الرائعة، حتى جاءت البشرى بقرب إعادتها إلى ما كانت عليه. وصار متوقعًا أن تُعيد فتح أبوابها، وإقامة القداديس والحفلات الموسيقية قبل نهاية العام. حضرتُ خمسة قداديس فى كنائس تاريخية أوروبيةٍ فى أوقاتٍ وظروفٍ متباينة. لكن قُداَّس كنيسة نوتردام الباريسية مختلف. وقل مثل ذلك، وأكثر، عن الحفلات الموسيقية فى هذه الكاتدرائية، خاصة تلك التى يُستخدمُ فيها الأورج التاريخىُ العملاقُ مثل الحفلة التى حضرتُها. أورج هو الأضخمُ فى العالم اليوم. يتكونُ من عدة لوحاتٍ للمفاتيح، وآلاف الأنابيب لتوزيع الصوت، وهو أحدُ أقدمُ أورجين مازالا مُستخدمين حتى الآن، إلى جانب أورج كنيسة سيمون فى سويسرا، إذ يعود صنعهما إلى القرن الخامس عشر. وقد أضيفت إليهما بالطبع أجزاءُ فى القرون التالية. تأخذُك موسيقاه إلى مرحلةٍ شهدت بداية التحول من القرون الوسطى إلى العصر الحديث. فياله من شعورٍ حين تسمع عزفًا على آلة عمرُها يقتربُ من ستة قرون. وعندما أتانى نبأٌُ الحريق المشئوم كان أول ما بحثتُ عنه هو مصيرُ ذلك الأورج العملاق، وعرفتُ أنه نجا إلا من إصاباتٍ بسيطةٍ أمكن إصلاحُها ضمن عملية الترميم الكُبرى التى حققت معجزةً فى فترةٍ قياسية، خاصةً أن معظم العمل حدث تحت وطأة الجائحة التى اجتاحت العالم بعد أقل من عامٍ على الحريق. وليست هذه المرة الأولى التى ينجو فيها هذا الأورجُ من خطرٍ عظيم. تعرض لأخطارٍ عدة كان أكبرُها الهجوم الذى شنه فريقُ من كارهى الأديان خلال الثورة الفرنسية، وأتى على أجزاء من الكاتدرائية لم يكن هذا الأورج بينها. والتفسيرُ الشائعُ لنجاته أن المهاجمين فضلوا المحافظة عليه لاستخدامه فى حفلات عُزفت فيها موسيقى وطنيةُ فى أجزاء من الكنيسة لم يشملها الهجوم. وبعد سنواتٍ قليلةٍ (1804)، قرر نابليون الأول إقامة حفلة تتويجه إمبراطورًا فى هذه الكاتدرائية، عقب انقلابه على الجمهورية الفرنسية الأولى وهى بعدُ فى مهدها0 وهكذا صار ممكنًا أن نضيف صفة صامدٍ إلى صفات أورج كاتدرائية نوتردام مع قرب استئناف حفلاتها الموسيقية الجميلة.