صور الجثث المتناثرة فى شوارع بوتشا بأوكرانيا والمقابر الجماعية للمدنيين المقيدين بالأيدى والأرجل دفعت العالم إلى اتهام القوات الروسية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية, رغم أن هذا يحتاج إلى أدلة راسخة وليس مجرد اتهامات.
الغضب الدولى من عمليات القتل هذه مفهوم، وقد أعرب قادة العالم عن إدانتهم لها.. دعا الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى محاكمة بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب قائلاً:إن ما يحدث فى بوتشا أمر شائن. أما رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون فقال: إن الهجمات التى تشنها روسيا على المدنيين هى دليل أكبر على جرائم الحرب. إلا أنه قبل محاسبة مرتكبى جرائم الحرب الحاليين لابد من محاكمة مرتكبى جرائم الحرب السابقين فالمُساءلة مطلوبة لكل من تطاول على الأبرياء.
توفر اتفاقيات جنيف مبادئ توجيهية يجب الالتزام بها أثناء الحروب بعضها موضح مثل: «بموجب الاتفاقيات يجب على القوات المقاتلة ألا تهاجم المدنيين عمدًا أو تستخدم التعذيب. كما يجب ألا تستخدم أسلحة كيماوية أو بيولوجية وتحترم حياة وحقوق المحتجزين والأشخاص غيرالقادرين على أداء واجباتهم القتالية أثناء الحرب».
اليوم سوف نقارن أحداثا سابقة بالأحداث الحالية على أمل وضع الأخيرة فى منظورها الصحيح وستدعم اتفاقيات جنيف موقفنا هذا. بكل إنصاف إذا لم تتم محاسبة الجناة السابقين فى جرائم الحرب على المخالفات التى اُرتكبت فكيف يمكن تطبيق مثل هذه الاتهامات على الجناة الحاليين؟
أثناء حرب الخليج فى فبراير ١٩٩١ تعرض الجنود العراقيون المنسحبون من الكويت إلى هجوم شرس من قبل قوات التحالف الغربى بقيادة الولايات المتحدة على ما أصبح يُعرف باسم طريق الموت، وهو الطريق السريع بين مدينة الكويت وحدود العراق. أدى الهجوم إلى تدمير شامل لآلاف المركبات ومقتل ركابها. عدد المركبات التى دُمرت يُقدر بنحو ٢٠٠٠ مركبة وعدد شاغلى المركبات يُقدَّر على الأقل بعدد مماثل للمركبات. لمدة عشر ساعات طاردت قوات التحالف الجنود العراقيين الفارين مسفرة عن مشهد مروِّع وغير إنسانى لآلاف المركبات المحترقة والجثث المتفحمة المتناثرة على طول الطريق السريع. كانت قوات التحالف الغربى على علم بأن الجنود المنسحبين ليست لديهم القدرة أو النية للتفاعل مع الهجوم وأنهم عاجزون عن خوض القتال. لذلك وجب إدانة قوات التحالف الغربى واعتبارهم جناة حرب.
اتفاقيات جنيف تقول:لا لتعمُّد مهاجمة المدنيين. ولذا يجب أن يُتهم الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطانى السابق تونى بلير بارتكاب جرائم حرب على خلفية آلاف القتلى الذين سقطوا خلال غزو العراق الذى أسفر عن مقتل ٧١٨٦ مدنيا عراقيا خلال الشهرين الأولين.
مقال بقلم المحامى البريطانى مايكل مانسفيلد على شبكة سى إن إن فى عام 2013 بعنوان: لماذا يجب اتهام بوش وبلير بارتكاب جرائم حرب بسبب غزو العراق؟ يوضح أسباب وجوب محاكمة بوش وبلير بتهمة ارتكاب جرائم حرب بموجب القانون الدولي. وفقًا لمانسفيلد كان الهدف من غزو العراق هو الإطاحة بالرئيس العراقى السابق صدام حسين لكن تغيير النظام مهما كان مرغوبًا فيه لا يسمح به ميثاق الأمم المتحدة. للتحايل على ذلك اختلق بوش وحلفاؤه وجود أسلحة دمار شامل فى العراق. وفقًا للمادة 8 من ميثاق الأمم المتحدة: شن هجوم مع العلم أن تأثيره من المحتمل أن يتسبب فى وفاة أو إصابة المدنيين سيجعل الجانى عرضة للمحاكمة. يقول مانسفيلد: إن استخدام القنابل العنقودية واليورانيوم المنضب فى العراق من قبل قوات التحالف ضد المدنيين يندرج ضمن هذا التعريف.
تقول الاتفاقيات لا للتعذيب. إنما الجرائم التى اُرتُكبت فى العراق لم تتوقف مع غزو البلاد وفقد الآلاف من الأرواح. تم استخدام أساليب الاستجواب المعززة، أى التعذيب، بالكامل. فضيحة سجن أبو غريب هى دليل على المدى الذى وصلت إليه الوحشية والانتهاكات فى العراق. الصور التى نُشرت فى عام ٢٠٠٤ عما كان يحدث فى أبو غريب مخزية وغير إنسانية حيث تُظهر سجناء عراة مكدسين فى أكوام، وسجناء مقيدين مثل الكلاب وكلاب تنقض على السجناء وأكثر الصور اشمئزازا كانت لرجل مقنع ممسكاً بأسلاك كهربائية. مرتكبو جرائم سجن أبو غريب حوكموا وأدينوا فى الولايات المتحدة ولكن لم تتم محاكمتهم فى محكمة دولية. فى الواقع فإن فكرة توجيه الاتهام لمجرمى أبو غريب فى محكمة دولية لم تخطر ببال أى شخص. لكن اليوم بسبب الجرائم التى حدثت فى بوتشا قال المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية إنه سيفتح تحقيقًا فى جرائم الحرب التى ارتكبها الجنود الروس.
بدون محاسبة الجناة السابقين على جرائم الحرب التى ارتكبوها وتطبيق المساءلة عليهم لا ينبغى محاسبة الجناة الحاليين على جرائمهم.
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى رابط دائم: