بدت المسافة بين مقعد بوتين ومقعد السكرتير العام للأمم المتحدة خلال لقائهما بموسكو قبل أيام، كافية لتأكيد مدى التنافر بين الرجلين. المائدة الطويلة التى فصلت بينهما ربما جعلت أحدهما لا يسمع الآخر إلا عبر ميكروفون. رسالة المائدة قالت إن موسكو لن تعطى جوتيريش ميزة بعد انحيازه لأوكرانيا ضد روسيا.
فى الماضى، كانت الأمم المتحدة تمسك العصا من المنتصف حتى تستطيع التفاوض لتسوية الأزمات، لكن السكرتير الحالى نبذ ذلك، وتحدث بلهجة قوية ضد روسيا، مشيرا إلى جرائم حرب، الأمر الذى لا تتقبله موسكو مطلقا، فكيف توافق على دعوته لوقف النار ليعود إلى نيويورك كصانع سلام؟ جوتيريش ليس وحده، فقد فشلت محاولات الوساطة الأخرى تباعا. إسرائيل التى ادعت قدرتها على ذلك، صمتت وابتلع رئيس وزرائها بينيت كلماته السابقة عن امكانية التسوية برعاية إسرائيلية. تركيا التى استضافت حوارا بين الطرفين تراجعت أيضا عن كلماتها المتفائلة.
لكن القضية ليست بالأشخاص أو الدول بل فى المعارك على الأرض. روسيا ترى أن تدفق الأسلحة الغربية على كييف جعلها تتشدد وتتراجع عما وافقت عليه. صحيفة فاينانشال تايمز كشفت أن بوتين فقد الاهتمام بالجهود الدبلوماسية، خاصة بعد إغراق أهم سفينة حربية روسية بالبحر الأسود، وهو مصمم على تحقيق انتصار واضح لفرض شروطه. وزير خارجية أوكرانيا ديمترو كوليبا يرد بأن الفظائع الروسية ضد المدنيين تجعل احتمالات تقديم تنازلات مستحيلة. وبلهجة متشددة يقول إنهم بدعم من الخارج يضربون روسيا على الأرض. ما لم يقله كوليبا إن الزيارات الغربية الأخيرة لكييف دعت الأوكرانيين للتشدد ووعدتهم بدعم عسكرى غير مسبوق ليس للدفاع عن أنفسهم فقط بل لهزيمة روسيا.
فى هذه الأجواء، ليس هناك نهاية قريبة للحرب. بل العكس يحدث حاليا، وهو اشتداد المعارك وطول أمدها، لدرجة أن تقارير غربية تتحدث عن استمرارها للعام المقبل. يبدو أن الطرفين استخدما الجهود الدبلوماسية لخدمة معاركهما ولم يكن لديهما نية لإنهاء القتال مادامت لم تتحقق أهدافهما العسكرية. الحرب مستمرة وتتصاعد ولا عزاء لملايين البشر حول العالم والذين يعانون الأمرين من تداعياتها.
[email protected]لمزيد من مقالات عبدالله عبدالسلام رابط دائم: