رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أعياد

شهد هذا الشهر أعيادا وأياما مباركة تحت أزيز الرصاص ونار القنابل. تزامن رمضان مع عيد الفصح فاقتحمت أحذية المتطرفين اليهود سجاد المسجدالأقصى ورءوس الساجدين، بينما حرمت النيران الملايين من أهل أوكرانيا المسيحيين الأرثوذكس من الاحتفال بعيد الفصح، سواء الموالون لروسيا أو المقاومون لها, ولفّ العالم كله، بكل أديانه وانتماءاته وشعوبه، بهجة ممزوجة بالأسى والخوف من الآتى القريب والبعيد.

وفى مصر تمازجت نفحة القدر وليالى رمضان العشر الأخيرة بصيام الفصح وعيد القيامة وشم النسيم والذكرى العزيزة لرجوع سيناء لحضن الوطن. وها هو عيد الفطر على الأبواب. فعيد سعيد، بل أعياد، لكل الأهل والأحباب، وتحية للمعيّدين تحت النار، فى الجيرة القريبة أو بين جيراننا البعيدين، فى فلسطين وفى أوكرانيا، ودعاء بالستر لعالم يلعب بالنار!

يلهو الصغار بمستصغر الشرر، فيفرقعون البمب ويشعلون حرب إيطاليا وأقماع صواريخ الورق ابتهاجاً بالأعياد، بينما الكبار يمارسون ألعاباً أكبر وأخطر. وهذه بالطبع ليست المرة الأولى؛ لكنها قد تكون الأخيرة: لأن الجنس البشرى، الذى مازال يسلك سلوك القُصّر رغم ما بلغه من تقدم علمى، أصبح يملك من وسائل تدمير نفسه ما يكفى لمحو الحضارة، بل الوجود البشرى برمته- لا قدّر الله، وأعاد علينا الأعياد ونحن فى نعمة ستره ولطفه. ونحن نحتاج لطفه وستره أكثر من أى وقت مضى؛ فلعبة حافة الهاوية التى نمارسها الآن على الهواء فى كل الشاشات صارت أكثر إثارة واقتراباً من الكارثة من كل ما سبقها: ذلك أن قنبلة هيروشيما أو ناجازاكى، إذا قيست بألعاب النار المستجدة، ليست أكثر من (بمبة) يلهو بها طفل ذو ميول سادية فيفرقعها ابتهاجاً, بعيد الفطر أو عيد النصر، منتشياً بما تحدثه من فرقعة عظمى، تبدو الآن يسيرة هيّنة بالقياس لما راكمته البشرية فى الأعوام الثمانين الأخيرة من وسائل مذهلة للعب بالنار، ندعو الله أن تظل مردة حبيسة فى قماقمها، وألا يلعب الطمع أو نشوة الانتقام وجنون المقامرة بقلب أى (علاء الدين) على هذه الأرض فيحك المصباح ليخرج ذلك المارد. منذ ثمانين عاماً والبشرية تمشى كبهلوان السيرك على حبل الخطر يحرسها لطف الله وستره، ليفرح عيال الله بأعيادهم، وتستمر الحياة رغم كل شىء، بكل ما فيها وفينا من حماقة ومن طمع فى رحمة الله.

نحن أطفال نحب ألعاب النار خاصة فى الأعياد، والله يحرسنا ويمنحنا فرحة العيد رغم كل ما نفعله بأنفسنا. ولهذا لن أقوم بينكم غراباً ينعق فى صباح العيد، فلطف الله موجود، بل أهنئ أهلى ووطنى وأمتى والإنسانية بالأعياد كلها، وأتمنى أن تعود علينا ونحن أفضل وأعقل فى المرة القادمة.

(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) صدق الله العظيم. إذن ففيما تشهده الأرض منذ بداية التاريخ من اقتتال وصراع حكمة وسُنة إلهية تتعدى البشر إلى كل الكائنات التى لولا تناهشها وتفانيها الدائم الدائب لما حدث التوازن البيئى العجيب والدقيق الذى يضمن البقاء لكل الكائنات دون أن يطغى عنصر واحد منها على حساب بقية العناصر فتفسد الحياة على هذا الكوكب. لتكن مشيئة الله إذن، ولنفرح بالعيد كما كنا نفرح دائماً، ونتمنى من الله أن يستمر التوازن الذى هو لطف منه ورحمة، وألا يطغى من يطغى فيُفسد كل شىء.

وقديماً سأل المتنبى العيد حين دخل عليه وهو حزين: عيدٌ بأية حال عُدتَ يا عيدُ؟/ بما مضى أم لأمر فيك تجديدُ؟ فلم يجبه العيد, ولكنه من ساعتها, بل ومن قبلها, يعود كل عام فى موعده, ونحن نواصل الوجود والاحتفال بالأعياد مهما تجهمت الحياة أو ابتسمت, فالطفل الذى فى داخلنا مازال يفرح بالعيد, ويلعب بالنار فى العيد!


لمزيد من مقالات بهاء جاهين

رابط دائم: