رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مجيد طوبيا
صاحب «تغريبة بنى حتحوت».. الذى رحل بلا ذاكرة

د. إبراهيم منصور

عاش مجيد طوبيا عمرا مديدا، وقد ظل اسمه معروفا للنقاد وللقراء، لكنه كان دائما فى الصف الثانى بين أدباء عصره، جيل الستينيات: بهاء طاهر، وعبدالحكيم قاسم، وإبراهيم أصلان، وحتى يحيى الطاهر عبدالله الذى رحل مبكرا.

........................

ولد مجيد اسحق طوبيا فى 25 مارس عام 1938م بمحافظة المنيا فى صعيد مصر، وتوفى يوم 7 أبريل 2022م، عن أربعة وثمانين عاما. لقد درس التربية البدنية فى كلية المعلمين أولا، ثم عاد ودرس السينما فأصبح كاتبا للسيناريو، كتب أربعة أفلام، أولها فيلم «أبناء الصمت» إخراج محمد راضى، من أفضل الأفلام التى عالجت فترة حرب الاستنزاف تمهيدا لحرب أكتوبر 73، وفيلم «حكاية من بلدنا» إخراج حلمى حليم، وفيلم «قفص الحريم» إخراج حسين كمال.

فى عام 2017م ذهب الكاتب الصحفى محمد نبيل إلى مصر الجديدة حيث يعيش مجيد طوبيا، فوجده يعيش وحيدا مع قطته «سعدية» ومع السجائر وقنينات الجعة، مع أن الأطباء نصحوا بابتعاده عن تعاطى السجائر والمشروبات الكحولية، عاش طوبيا فى شقته المليئة بالكتب واللوحات الفنية والصور الفوتوغرافية مع الأدباء والمشاهير. وقد أصبح مجيد طوبيا قاب قوسين أو أدنى من فقد ذاكرته كليا بسبب مرض «الزهايمر».

إن مجيد طوبيا يشبه العقاد «توفى 1964م» فكلاهما ولد فى الصعيد، وكلاهما بقى بلا أسرة فلم يتزوج، وكلاهما سكن فى «مصر الجديدة» وكلاهما تفرغ للأدب، لكن بخلاف هذه الأمور فإن طوبيا لا يشبه العقاد الشاعر والناقد الأدبى فى شىء، إنتاج مجيد طوبيا الأدبى يتوزع بين القصة القصيرة والرواية، بينما كتب العقاد رواية واحدة يتيمة هى «سارة». لكن الفرق الأهم بين العقاد وطوبيا أن العقاد ظل ملء السمع والبصر فى حياته وبعد مماته، بينما كان طوبيا راهبا منسيا تقريبا.

نشر مجيد طوبيا أولى قصصه فى مجلة المجلة فى ديسمبر 1964م، وقد لفت نظر الدكتورة سهير القلماوى، حين أرادت أن تجمع قصصا جديدة تترجم للإنجليزية، فاختارت قصته «فوستوك يصل إلى القمر» وقد أصبح اسم القصة عنوانا لمجموعته القصصية الأولى، بل عنوانا على صاحبه. أما فى حقل الرواية فقد كتب طوبيا بين عامى 1972و 1995م عشر روايات أولها «دوائر عدم الإمكان» وآخرها «القمر يولد فى الأرض» وأشهر رواياته «تغريبة بنى حتحوت» التى بدأها عام 1986 وانتهى منها بعد ستة أعوام، وهى «رباعية روائية» تحكى عن أحوال المجتمع المصرى فى زمن المماليك حتى زمن محمد على، من خلال قصة ثلاثة أجيال من أولاد حتحوت، وقد اختارها اتحاد الكتاب العرب، ضمن أهم مائة رواية عربية.

لقد نظر النقاد لقصص مجيد طوبيا نظرة تقدير فعدته الدكتورة سهير القلماوى مجددا، ووافقها الرأى الدكتور سيد حامد النساج، وكانت أهم سمات التجديد عنده ظاهرة فى لغته السلسة المتأثرة بلغة السينما، حيث يميل للجمل القصيرة المتتابعة، ثم فى محاولته تعقيد الحبكة عن طريق صنع مزاوجة بين حدثين، ففى قصته المبكرة «فوستوك يصل إلى القمر» كما فى قصته «الراية والبراءة» المكتوبة بعد ذلك بسنوات عديدة، نجد الكاتب يصنع تلك المزاوجة بين حدثين، أحدهما مستمد من الواقع ومستند إلى أفعال الراوى، والآخر حدث حلمى أو خيالى، ولكن السيطرة على هذا التوازى والمزاوجة فى بناء الحبكة القصصية لم يكن ناجحا دائما.

كتب مجيد طوبيا 27 كتابا فى أنواع أدبية عديدة: القصة والرواية والمقال وقصص الأطفال والسيناريو السينمائى والدراسات، كما كتب مسرحية هزلية بعنوان «بنك الضحك الدولى» كذلك مارس فن رسم اللوحات. حصد طوبيا عدة جوائز مرموقة منها وسام العلوم والفنون، وجائزتى الدولة التشجيعية أولا، ثم التقديرية التى نالها عام 2014م، فتوج بها مشواره الأدبى الحافل.

فى روايتة الأهم والأشهر «تغريبة بنى حتحوت» يعود طوبيا للتاريخ المصرى، كما عاد من قبل سعد مكاوى «السائرون نياما» ثم جمال الغيطانى «الزينى بركات» لكن طوبيا بتناوله الروائى السردى للفترة بين 1754 و1805م، قد سبق كلا من أحمد صبرى أبو الفتوح «ملحمة السراسوة» وريم بسيونى «أولاد الناس» وضحى عاصى «غيوم فرنسية» وقد اعتمد طوبيا أسلوبا سرديا أقرب إلى الحكى الشعبى، واستفاد من «ألف ليلة وليلة» ووضع هوامش فى صفحات الرواية، لكن مصدره الأهم كان كتاب الجبرتى «عجائب الآثار».

اعتمد طوبيا على التاريخ، لكنه استعمل أساليب السرد المتنوعة من تكثيف وحذف وتنقل بين الخيال والواقع، ولم يهمل الحوار وإن جاء نادرا. أما مكان الرواية فهو أرض مصر بطولها وعرضها، لكن الأحداث تبدأ من قرية «تلّة» فى محافظة المنيا وتعود إليها، حيث يتحرك «حتحوت» حتى يصل إلى منابع النيل فى الجنوب فى الجزء الثانى من التغريبة. كذلك يبنى الكاتب ملحمته الروائية على عناصر من الأسطورة، ومن السير الشعبية العربية، لكن يظل كتاب الجبرتى مصدره الأهم، كما يأتى كتاب المسيو سافارى Savary الفرنسى الذى كتب «رسائل عن مصر» عام 1786 مصدرا آخر من مصادر التغريبة.

حينما غادر مجيد طوبيا هذه الدنيا على سرير المستشفى، كان الذى أذاع الخبر هو الكاتب «فتحى سليمان» الذى امتلأ «الفيس بوك» ابتهالا وشكرا على جزيل عطائه وإخلاصه وتفانيه فى خدمة مجيد طوبيا طوال سنوات عزلته ومرضه. إنها منقبة حسبت لفتحى سليمان، ونحن بدورنا نشيد بهذا العمل الإنسانى النبيل الذى صدر من كاتب قدّر موهبة صديقه، ودفع بكتبه لثلاث من دور النشر المصرية، لكى تعيد طبعها، وقد وصف الأديب «حجاج أدول» عمل «فتحى سليمان» بأنه «درس فى الإنسانية» ولذلك استحق منا كل الشكر والامتنان على ما أسدى للإنسانية من قيمة الوفاء، وللأدب العربى من تجديد ذكر هذا الأديب الموهوب والمنسى «مجيد طوبيا» الذى صور حال المجتمع المصرى منذ القرن الثامن عشر، فى تغريبة بنى حتحوت، وفيها تسجيل لاضطهاد الفلاح ونهب ثرواته، وفيها أيضا صموده الأسطورى وتحمله ومقاومته، كذلك صور طوبيا حال المصريين المعاصرين، وأنكر أن تكون الهزيمة عام 1967 نهاية المطاف، فظل وفيا لبلده مؤمنا به، محبا له، فله منا التقدير المستحق، رحمه الله رحمة واسعة وجزاه خير الجزاء.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق