رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

احتياطيات النقد الأجنبى .. والحد الأمثل

اعلن البنك المركزى المصرى أخيرا ان رصيد الاحتياطيات الدولية للبلاد قد انخفض فى نهاية مارس 2022 الى نحو 37.1 مليار دولار، منخفضا بنحو 4 مليارات عن فبراير 2022. وهو ما دفع البعض للتساؤل عن اثر هذا الانخفاض على السلامة المالية وقدرة الدولة على سداد الالتزمات المستحقة عليها خلال الفترة المقبلة، خاصة انه يتزامن مع التحديات العديدة التى تواجه الاقتصاد القومى. وبعبارة اخرى هل المستوى الحالى لهذه الاحتياطيات يتناسب مع الاهداف المنوطة بها؟ والاهم من ذلك هل هناك مستوى معين للاحتياطيات ينبغى عدم النزول عنه؟ وماهو هذا المستوى وكيف يمكن تحديده؟ إن الإجابة عن هذه التساؤلات تحتاج لفهم الدور الذى تلعبه الاحتياطيات وتكلفتها.

وهنا تجدر الاشارة الى ان الاحتياطيات الدولية هى اصول مقومة بالعملات الاجنبية تسيطر عليها السلطة النقدية وتقع تحت تصرفها للاستخدام فى اغراض محددة، يأتى على رأسها مواجهة الصدمات المحتملة فى الاوضاع الخارجية او التحركات غير المتوقعة فى اسعار صرف العملة المحلية كنتيجة للمضاربة عليها من جانب مجموعات من المتعاملين بالاسواق. وهى تنقسم الى شقين احدهما الاحتياطى الاستراتيجى لتغطية الاحتياجات الضرورية والدورية للبلاد، والآخر احتياطى رئيسى لمواجهة أى صدمات طارئة او عوامل غير متوقعة تؤثر على اوضاع ميزان المدفوعات. ولذلك فان هذه الاموال يجب ان تدار بشكل أمن وسريع السيولة، وهو ما يضع قيودا شديدة على استخدامه بطريقة مفتوحة.

وتتكون هذه الاحتياطيات من الذهب المحتفظ به فى خزائن البنك المركزى والعملات الاجنبية وحقوق السحب الخاصة التى تملكها الدولة وصافى الموقف لدى صندوق النقد الدولى. وهنا نلحظ ان نصيب الذهب من هذه الاحتياطيات قد ارتفع من 7.1% نهاية عام 2019 الى 16.8% نهاية فبراير2022، حيث وصلت قيمة الذهب فى الاحتياطى الى 6907 مليارات دولار كنتيجة اساسية لارتفاع كميات الذهب لدى البنك المركزى، بالاضافة الى ارتفاع سعره بالاسواق العالمية، وفى المقابل انخفض نصيب العملات الاجنبية فى الاحتياطى من نحو 92% يناير 2020 الى 77% يغلب عليها الدولار بنحو 83% واليورو 2%.

ويتوقف الحكم على مدى ملاءمة رصيد الاحتياطى على عدة أمور أساسية هى درجة استقرار الصادرات والميل للاستيراد وتكلفة الاقتراض الخارجى واعبائه المستقبلية وتحركات الصرف الاجنبى. وبالتالى فلايوجد مستوى معين من الاحتياطيات، كنسبة معينة من الناتج وغيرها، يمكن اللجوء اليها ويطلب من الدولة الاحتفاظ بها. وبعبارة اخرى فان مناقشة المفهوم الأمثل لاحتياطيات العملات الأجنبية لابد ان تتم فى ضوء عدد من العوامل مثل الأهداف الاقتصادية لدى راسمى السياسات، الهيكل الاقتصادى للدولة، مصدر الصدمات التى تلحق بالاقتصاد.. إلخ. من هذا المنطلق تم وضع عدة معايير للحكم على هذه المسألة وهى عدد اشهر تغطية الواردات ونسبة الاحتياطى الى عجز الميزان التجارى او نسبة الاحتياطيات الى الدين الخارجى وتكلفة الاحتفاظ بهذه الاموال مقابل تكلفة الفرصة البديلة لاستثمارها.

ويعد مؤشر تغطية الاحتياطيات لعدد أشهر الواردات هو الاكثر شيوعا، وهنا يشير العديد من الدراسات الى ان الحجم الامثل هو الذى يغطى مابين ثلاثة لستة اشهر من الواردات السنوية من السلع والخدمات، وهنا تشير الإحصاءات المصرية الى ان هذه النسبة تصل الى 5 اشهر اى انها فى حدود النسبة المطلوبة. وهناك مؤشر آخر وهو نسبة الاحتياطيات الدولية الى الديون قصيرة الاجل.

وقد انتهج البنك المركزى سياسة استثمارية لإدارة هذا الاحتياطى تهدف الى الخروج من النمط الاستثمارى التقليدى الى أدوات استثمارية أخرى ذات درجة مخاطر منخفضة جدا وتتمتع بعائد استثمار أفضل. وتوزيع الاحتياطى على عملات أخرى بجانب الدولار عن طريق استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار توزيع العملات وفقا للديون المستحقة وكذلك حسب التبادل التجارى وكلها أمور تشير إلى تحسن ملموس فى هذا السياق.

وجدير بالذكر ان الانخفاض فى الاحتياطيات الدولية خلال الفترة الاخيرة يرجع بالاساس الى الإجراءات التى قام بها البنك المركزى للتعامل مع آثار فيروس كورونا والتى عصفت بالعديد من مصادر النقد الاجنبى. وكذلك قيام البنك المركزى بتلبية احتياجات السوق المصرية من النقد الاجنبى لضمان استيراد السلع الاستراتيجية وسداد الالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية وغيرها من الإجراءات، وقد خفف من وطأة الازمة ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وكذلك ارتفاع الإيرادات السياحية لتسجل 5.8 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالى 2021/2022 مقابل 1.8 مليار فقط خلال الفترة المناظرة، وذلك ارتفاع إيرادات قناة السويس من 3.6 مليار الى 4.7 مليار خلال نفس الفترة، بالإضافة الى حصول مصر على دعم من بعض البلدان الخليجية.

وهنا نلحظ انه ورغم ان السياسة النقدية القائمة على استخدام الأساليب غير المباشرة تضمن فى جانبها الأساسى التحكم فى النقد الاحتياطى فإن الفترة الاخيرة قد تأثرت بالتأثيرات السلبية لفيروس كورونا. كنتيجة للتراجع فى الميزان الجارى بميزان المدفوعات ليسجل نحو 7.8 مليار دولار مقارنة بنحو 7.6 مليار خلال نفس الفترة. وذلك متأثرا بارتفاع عجز الميزان التجارى غير البترولى بمعدل 24.2% ليصل الى 23.8 مليار دولار نتيجة لارتفاع قيمة الواردات السلعية غير البترولية مقارنة بالزيادة فى الصادرات.

وبالتالى فان ماقام به البنك المركزى من إجراءات فى هذا المجال يتفق تماما مع الأهداف الاساسية لاستخدمات الاحتياطيات الدولية فى ظل الظروف الاستثنائية التى يمر بها الاقتصاد العالمى ككل.


لمزيد من مقالات عبدالفتاح الجبالى

رابط دائم: