دخلت الحرب الأوكرانية مرحلة جديدة بإغراق الطراد الروسى موسكفا بعد اندلاع حريق، ترجح روسيا أنه نتيجة عمل عدائى، ليست أوكرانيا وحدها طرفا فيه .. هكذا تكون الحرب الأوكرانية قد تدحرجت خطوة نحو هوة حرب واسعة، بعد أن كانت قاب قوسين من توقيع اتفاق سلام يقضى بحياد أوكرانيا والحكم الذاتى لإقليم دونباس، لكن الاتفاق الذى كان قد حدد الخطوط الأساسية لاتفاقية سلام، وانسحبت بمقتضاه القوات الروسية من حول العاصمة كييف كبادرة عن حسن نوايا بعد الانفراجة فى مباحثات إسطنبول التى رحبت بها موسكو، لكنها لم تصمد أكثر من عدة أيام، وفوجئت موسكو بانتكاسة الاتفاق، عندما أرسل الرئيس الأوكرنى زيلينسكى مشروع اتفاق يختلف كثيرا عما تم التوصل إليه، ولا يشير إلى مستقبل إقليم دونباس أو شبه جزيرة القرم، لينسف الاتفاق، وتتوجه القوات الروسية شرق أوكرانيا لتنفذ استقلال إقليم الدونباس عمليا بالقوة المسلحة، وبالفعل سيطرت على مدينة ماريوبول أهم معاقل كتيبة آزوف والتى يتحصن فيها آلاف المقاتلين الأكثر تطرفا، والمدربين جيدا، وبدأت فى تطويق القوات الأوكرانية من الشرق والغرب والساحل، ليأتى الرد بإصابة الطراد موسكفا فى أقوى ضربة تتعرض لها القوات الروسية، لتنتقل الحرب إلى مستوى أشد عنفا.
كانت أوكرانيا قد تحولت إلى ساحة لصراع يصعب تجنبه، فلم تكن روسيا تحتمل أن تصبح العاصمة موسكو فى مرمى صواريخ تصل إليها خلال دقائق إذا انضمت أوكرانيا لحلف الناتو، ولم تكن الولايات المتحدة تحتمل أن تترك حليفتها أوكرانيا تقع بسهولة فى يد الخصم الروسى، بعد أن بذلت جهودا مضنية حتى يصل نفوذها لأقرب الدول إلى روسيا، فكان التدخل العسكرى الروسى، ومقابلها كانت العقوبات غير المسبوقة، وتدفق السلاح من 15 دولة وعشرات المليارات، والدعم اللوجستى، وحتى إرسال متطوعين، ليصبح العالم أقرب من أى وقت لدخول حرب عالمية ثالثة لا يمكن التكهن بمدى خطورتها، لأن طرفى الصراع يمتلكان ترسانة أسلحة قادرة على محو كل ما على الأرض، وهذا ما حذر منه المفكر الأمريكى ناعوم تشومسكى، الذى أكد مقولة إن الولايات المتحدة مستعدة لاستمرار الحرب حتى آخر أوكرانى، وأن روسيا متأهبة لحرب نووية.
كان التدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا الذى بدأ 24 فبراير عقب إعلان الرئيس الأوكرانى عدم التقيد باتفاقية مينسك حول إقليم دونباس، والتى جرى التوقيع عليها من الجانب الأوكرانى وممثلين عن الانفصاليين بضمانات روسية وألمانية وفرنسية، بل أعلن عزمه الانضمام لحلف الناتو، لتكون الرصاصة التى أطلقت عنان الحرب، لكن الأزمة الأوكرانية لم تكن سوى حلقة فى سلسلة طويلة من النزاعات بين روسيا والولايات المتحدة، منذ أن بدأت روسيا فى لملمة أشلائها بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، وجاء الرئيس بوتين وهو يعتزم استعادة مكانة روسيا، لتصبح الولايات المتحدة أمام خصمين قويين، الصين التى تقفز بسرعة نحو الصدارة الاقتصادية، وروسيا بقوتها العسكرية والسياسية والاقتصادية، خاصة أنها المنتج الأكبر للغاز والنفط والقمح فى العالم، ولهذا تصدرت الصين وروسيا التحديات التى تواجه الولايات المتحدة، وقد ذكر وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف بصراحة «أن هدف الحرب فى أوكرانيا إنهاء الهيمنة الأمريكية على العالم»، ليضع لافروف الحرب الأوكرانية فى سياقها، كواحدة من حلقات الصراع المفتوح بين روسيا والولايات المتحدة، وكان التقارب الصينى الروسى الذى ازداد قوة نقطة تحول فى الصراع العالمى بين تكتلين، الأول يريد إبقاء النظام العالمى الذى تهيمن عليه الولايات المتحدة، ومن خلفها دول حلف الناتو والاتحاد الأوروبى الذى عجز عن التحول إلى قوة مستقلة، وعلى الجانب الآخر روسيا والصين وحولهما تحالفات اقتصادية وسياسية تمثلت فى تجمع «شنجهاي» ودول «بريكس»، وكان أهم ما اتفق عليه الجانبان الصينى والروسى هو عدم السماح بالتدخل الأمريكى فى الشئون الداخلية للدول. أما أخطر الخطوات فكانت فى إجراء التبادلات التجارية بمعزل عن الدولار عصب القوة الأمريكية. هكذا أصبح الصراع مكشوفا ومباشرا ولا يمكن لطرف أن يقبل الهزيمة فيه، وهنا مكمن خطر تدحرج الحرب الأوكرانية لتتسع أفقيا، وتشمل دولا أخرى، والأخطر أن تتخطى الأسلحة التقليدية، والتى بدأت باتهامات متبادلة بين كل من الولايات المتحدة وروسيا حول الاستعداد لاستخدام أسلحة كيماوية وبيولوجية، ليصبح العالم على حافة الإبادة الجماعية.
لمزيد من مقالات مصطفى السعيد رابط دائم: