مرحلة فارقة في تاريخ مصر ومسيرتها، وفي مجمل تاريخ ومسيرة جوارها العربي ومحيطها الإقليمي، يتناولها مسلسل الاختيار، الذي نسف في جزءيه السابقين أكاذيب كثيرة تضمنتها آلاف الإصدارات المرئية والمقروءة لجماعة الإخوان ومستعمليها، ويقوم جزؤه الثالث، الجاري عرضه، بتوثيق المعركة الأبرز في الحرب، التي بدأت في 25 أو 28 يناير 2011، وانتهت في 30 يونيو 2013، بعد سنة سوداء، سبقتها 18 شهرًا أقل سوادًا، بهزيمة موجعة للجماعة الإرهابية وكل وكلاء، أجراء أو عملاء قوى الشر،أو تلك الدولة، التي وصفها الرئيس الراحل أنور السادات، في 23 يوليو 1973، بأنها المتنمر الأكبر في العالم.
قبل مقدمة (تيتر) الحلقة الأولى، رأينا تمهيدًا لبيان القيادة العامة لقواتنا المسلحة، الذي صدر في 3 يوليو 2013، وغالبًا ستنتهي أحدث هذا الجزء من المسلسل، أو الملحمة، بهذا البيان، الذي أعلن انتصار المصريين، وقواتهم المسلحة ومخابراتهم العامة وباقي مؤسساتهم، أو نواة دولتهم الصلبة، في تلك المعركة، ونجاحهم، بثورتهم المجيدة، في إسقاط حكم المرشد: مرشد جماعة الإخوان، وتابعه في قصر الرئاسة، مع كنسهم تلك الجماعة الضالة، وكسر الحلقة الأقوى في مخطط مستعمليها، الذي كاد يلتهم العالم العربي، دولة تلو الأخرى.
آفة الأخبار رواتها، كما قال الأقدمون، وكثيرون، أبرزهم نجيب محفوظ، أكدوا أن آفة حارتنا النسيان. وعليه، أسعدنا أن تكون الحلقات الخمس الأولى، كاشفة وفاضحة، وأن تفنّد بأحداثها وبمقاطع الفيديو، التي تنتهي بها الحلقات، أكاذيب كثيرة لا يزال يلوكها الإخوان وتابعوهم، ومَن ارتضوا، بجهل أو بأجر، أن يكونوا ظهيرًا سياسيًا لهم، والذين ستجد في الحلقات الخمس الأولى من مسلسل العائدون، وفي حلقات مسلسل هجمة مرتدة، الذي تم عرضه في رمضان الماضي، بعض الأسباب أو الدوافع، التي جعلتهم يضبطون تحركاتهم وأفعالهم، وردود أفعالهم، على ترددات موجات الإرهابيين أو موجات مستعمليهم.
بالتدريج، وبتتابع الحلقات، كانت أصوات المصريين تعلو وتتصاعد، وستستمر في قادم الحلقات، وصولًا إلى ثورة 30 يونيو، التي كانت صيحة تعبير عن أقوى الثوابت المصرية، وأشدها رسوخًا، وهي انتماء المصريين لبلادهم. ولأن قواتنا المسلحة لا تعرف الانقلابات، رأينا، وسنرى، كيف كان قائدها العام حريصًا على توجيه النصائح لذلك الذي جعلته الأيام السوداء قائدها الأعلى، وتذكيره، في سياقات مختلفة، بأن ولاء الجيش لمصر والمصريين فقط، وأن ارتباطه بهويتنا يعلو فوق أي مصالح ضيقة لمن اعتقدوا أن إرهابهم الأسود قد ينال من عزيمته، التي هي تجسيد لعزيمة أمة صنعت التاريخ وألهمت الإنسانية معنى التضحية من أجل الوطن.
استمتعنا، معكم، في 30 يونيو الماضي، بفيلم القرار، ذلك الفيلم الوثائقي الذي تناول كفاح الشعب المصري ضد طغيان وإرهاب جماعة الإخوان. ونستمتع، الآن، بمشاهدة مسلسل العائدون، الذي يتناول جانبًا آخر من المعركة ذاتها.لكن ما يميز ملحمة الاختيار، بأجزائها الثلاثة، هو أنها دوكودراما، أي تجمع بين الوثائقي والدرامي. بالضبط، كما لا يزال فيلم المدرعة بوتمكين، الذي تم عرضه سنة 1925، واحدًا من أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما. وقطعًا، لم يخطر على بال مخرجه سيرجي أيزنشتاين، وقتها، أنه يمهد بهذا الأسلوب الرائد في صناعة الدراما، لنوع جديد بات معروفًا باسم الدراما الوثائقية.
توضيحًا للفارق، فإن الوثائقي قد يحكي، مثلًا، أن (س) تحدث مع (ص)، وقد ينقل عن أحدهما أو كليهما، تفاصيل المحادثة. لكن في الدوكودراما يعيد ممثلون محترفون تقديم المحادثة، كما جرت حرفيًا، لأن أي اختلاف ينقلها إلى خانة الدراما الخيالية، كما انتقل مشروع فيلم أيام الثورة والغضب، أو سري للغاية، الذي كتبه الراحل وحيد حامد، عن الفترة ذاتها، التي يتناولهاالجزء الثالث من مسلسل الاختيار، وأدت زيادة مساحات الخيال فيه، إلى عدم استكمال المشروع. وهنا، تكون الإشارة مهمة، إلى أن الأولوية في الدراما الوثائقية، أو الدوكودراما، وفقا للمنطق، وبحسب المهتمين بهذا النوع، تكون للقدرة على إعادة إنتاج الواقع أو تجسيده والتعبير عن قضاياه، حتى لو كان ذلك، في بعض الأحيان، على حساب الرؤية الفنية.
.. ولا يبقى غير أن نوجه التحية للمؤلف هاني سرحان والمخرج بيتر ميمي ونجوم المسلسل، بترتيب الأسماء: أحمد بدير (المشير حسين طنطاوي)،أحمد عز (مروان العدوي، ضابط المخابرات) أحمد وفيق (اللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية الأسبق)، جمال سليمان (اللواء عباس كامل، مدير مكتب وزير الدفاع السابق، رئيس المخابرات العامة الحالي)، خالد الصاوي (خيرت الشاطر)، صبري فواز (محمد مرسي)، عبدالعزيز مخيون (محمد بديع)، كريم عبدالعزيز (زكريا يونس، ضابط الأمن الوطني) ومحمد أبو داود ومحمد رياض ومحمود البزاوي...و ياسر جلال، الذي خطف قلوب المصريين، قبل أبصارهم وآذانهم، بأدائه غير العادي لدور اللواء، ثم الفريق أول، عبدالفتاح السيسي، رئيس المخابرات الحربية، ثم وزير الدفاع، القائد العام لقواتنا المسلحة، الذي لعب دورًا حاسمًا في حرب 2011 منذ بدايتها، ثم اختاره القدر لقيادة معركة أو ملحمة استرداد مصر، بتكليف، أو أمر، أصدره الشعب، خلال ثورة ٣٠ يونيـو، ثم في 3 و26 يوليو 2013، قبل أن يمنحه الرئيس السابق عدلي منصور رتبة المشير، ويختاره المصريون رئيسًا للجمهورية.
لمزيد من مقالات ماجد حبته رابط دائم: