رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

10 رمضان وقصة إغلاق مضيق باب المندب

كان الفريق الجمسى عائدا من المباحثات مع الجانب الإسرائيلى، فى منطقة الكيلو 101، للفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية، بعد صدور قرار الأمم المتحدة بوقف القتال فى حرب 73. وفور دخوله للمشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية، حينها، فى غرفة عمليات الحرب، وقفنا جميعاً لنعرف بعضا مما دار فى تلك المباحثات، فوجه الفريق الجمسى حديثه للمشير أحمد إسماعيل قائلاً، يا فندم ده موضوع قفل باب المندب وجعهم قوى ... طوال المناقشات كل شوية افتحوا باب المندب ... افتحوا باب المندب،حتى وأنا متوجه لسيارتى للمغادرة، نادى على رئيس الوفد الإسرائيلى، الجنرال أهارون ياريف، مدير المخابرات الإسرائيلية، قائلاً لا تنس فتح باب المندب. بعدها انفرد الفريق الجمسى بالمشير إسماعيل، لاستكمال حوارهما.

كان إغلاق باب المندب، أمام الملاحة الإسرائيلية، حصاراً بحرياً، نفذته القوات البحرية المصرية، على إسرائيل، وبدأته فى الساعة الثانية والربع من ظهر يوم السادس من أكتوبر، مع بدء هجوم قواتنا لاقتحام خط بارليف.تعود أهمية الخطة، لأن إسرائيل كانت تستورد من إيران نحو 18 مليون طن من النفط، يمر عبر باب المندب إلى ميناء إيلات لاستخدام جزء منه، وإعادة تصدير الباقى إلى أوروبا، وخلال ذلك الحصار الذى فرضته قواتنا على العدو الإسرائيلى، لم تدخل ناقلة نفط واحدة إلى الموانئ الإسرائيلية، حتى الأول من نوفمبر 1973، عندما سمح الرئيس السادات بدخول أول ناقلة، مقابل إيصال الإمدادات إلى قوات الجيش الثالث شرق القناة.

اعتُبرت هذه العملية، التى أُطلق عليها الحصار البحرى عن بُعد، واحدة من كبرى المفاجآت التى مُنيت بها إسرائيل، فى حرب أكتوبر، ولم تحسب لها أى حساب، أو تتوقعها، من قريب أو من بعيد، إذ انحسر تفكيرها فى أن أى محاولة مصرية لإعاقة الملاحة الإسرائيلية، فى البحر الأحمر، ستكون من خلال مضايق تيران وصنافير. تم تنفيذ الخطة باستخدام القوات البحرية المصرية، فى منطقة باب المندب، بعيدا عن اليد الطولى للجيش الإسرائيلى، ذلك اللقب الأسطورى الذى كان يطلقه على قواته الجوية، فوقفت إسرائيل، طوال أيام القتال، عاجزة، تماماً، عن التصرف، أمام هذا القرار المصرى، وظل ميناء إيلات مهجوراً،حتى يوم الأول من نوفمبر 73.

وبهذا سطرت مصر فصلا جديدا فى مراجع العلوم العسكرية العالمية، بعنوان الحصار البحرى عن بُعد ووضعت قوانين مستحدثة للقتال البحرى، فى العقيدة الغربية، بعد حرب أكتوبر، مازالت تدرس فى المؤسسات العسكرية باسم مصر.تعود فكرة إغلاق مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية، للواء أشرف رفعت، رئيس شعبة عمليات القوات البحرية، الذى قال عنها، بأن أساسها كان تنفيذ عمل خارج مدى القوات الجوية الإسرائيلية، وهو ما جعله يستبعد حصار إيلات من تيران وصنافير، مع ضرورة تنفيذ العملية دون خرق للقانون الدولى، لذا لم يتعطل مرور باقى السفن، مثل الأمريكية، والبريطانية، والفرنسية، وغيرها.

وبالتعاون مع مختلف أجهزة الدولة، نجحت القوات المصرية فى تكوين شركة مدنية،فى ميناء الحديدة،فى اليمن، قبل بداية الحرب بعدة أشهر، وتم من خلالها تخزين الأصناف، التى قد تحتاجها القوات البحرية المصرية، فى أثناء فترة الحصار، خاصة الأصناف اللوجستية،وهو ما كان إحدى نقاط التحقيق، فى لجنة أجرانات، التى شكلتها إسرائيل، بعد فشلها فى حرب 73، للبحث، والتحقيق، فى مواطن القصور التى أدت لخسارة الحرب، حتى أن اللجنة عُرفت باسم “لجنة التقصير، وقد أشارت،فى تقريرها، لتقصير المخابرات الإسرائيلية فى دورها، بعدم اكتشاف تكدسات المصريين، فى ميناء الحديدة.

كانت القوات البحرية المصرية قد دفعت بعناصر الحصار البحرى على فترات متباعدة، وفقاً لما صرح به اللواء بحرى أركان حرب مصطفى كمال منصور، قائد عملية حصار باب المندب،بأنه لم يعلم بالموعد المحدد للعملية إلا قبلها بشهرين، فتحرك بالقطع البحرية، فى أغسطس 73، فى اتجاه ميناء عدن،باعتباره محطة، تتوقف فيها قطع الأسطول، فى وقفة قصيرة، فى طريقها، المعتاد،إلى ميناء كراتشى، بباكستان، لدخول الحوض الجاف،وإجراء عمرة للسفن. وبالفعل، لما وصلت قطع الأسطول البحرى لميناء عدن، أعلنت بأن وجهتها ميناء كراتشى، فخُدعت إسرائيل،ولم تشعر باستكمال هذا التجميع البحرى المصرى، إلا يوم 6 أكتوبر، والقوة البحرية المصرية، من المدمرات والغواصات ولنشات الصواريخ، قد تمركزت فى مواقعها على مدخل باب المندب. وهو ما دفع لجنة أجرانات لتأكيد تقصير المخابرات الإسرائيلية، بعد فشلها فى متابعة، وتحليل، تحركات قطع الأسطول المصرى، فى البحر الأحمر، وإخفاقها فى معرفة العملية المصرية، والكشف عنها مسبقاً، خاصة أن القوتين العسكريتين فى حالة حرب.

وهكذا نجحت القوات البحرية المصرية فى هذه العملية، فى مفاجأة إسرائيل، وتوجيه ضربة موجعة لها، سواء عسكرياً أو اقتصادياً، بقطع إمدادات النفط عنها، مع التنسيق لضمان فشل القوات الجوية الإسرائيلية فى تأمين مطالب قواتهم، حتى أن بعض وسائل إعلامهم وصفت النعيق، يومها، فوق ميناء إيلات، بأنه مؤشر لفشل المخابرات الإسرائيلية. وهكذا أثبت المقاتل المصرى، مرة أخرى، تميز مستواه، على شتى الأصعدة، سواء فى التخطيط أو التنفيذ، ليعطى المثل والقدوة للعالم كله،فى تنفيذ مفاهيم القتال البحرى،اعتماداً على خبرة المصريين والدروس المستوحاة من قدراتهم فى حرب أكتوبر 73.


لمزيد من مقالات د. سمير فرج

رابط دائم: