رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مرحلة ما بعد الحرب الباردة

طرح عالم الاجتماع السياسى الفرنسى برتران بادى عام 2020رؤية حول النظام الدولى وطبيعة العلاقات بين الدول فيه. ووصل إلى حقيقة مفادها أن:عالم اليوم يعيش مرحلة ما بعد الحرب الباردة من دون المعسكرين التاريخيين المتناقضين ــ أيديولوجيا ــ اللذين كانا يحكمان العالم وهما: الشرقى الاشتراكى السوفيتى من جانب والغربى الرأسمالى الأمريكى/الأطلسى من جانب آخر...وهى مرحلة تتسم بدرجة عالية من الفوضى...

وترجع الفوضى إلى أن مرحلة ما بعد الحرب الباردة تشهد صعود وتمدد قوى دولية وإقليمية جديدة على المسرح العالمى، لها من الطموحات والتطلعات الكثير والكثير، حيث بعضها مشروع وبعضها الآخر غير مشروع ومن ثم سنشهد فوضى دولية غير مسبوقة تاريخيا؛ وتظهر ملامح هذه الفوضى فى الحروب وأعمال العنف والعمليات الإرهابية المتجددة فى العديد من البلدان. فكل ذلك يتم خارج أى ثنائية قطبية. فمنذ سقط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتى انتهى نظام الثنائية القطبية التاريخى وحربه الباردة التى فرضها ولكن لم تستطع المنظومة الدولية أن تبلور نظاما بديلا: ضابطا وناظما للعالم, على مدى ما يقرب من ثلاثة عقود. فخلال هذه الفترة، لم تقدر الولايات المتحدة الأمريكية أن تمارس دورها كقوة عظمى وحيدة عقب نهاية الحرب الباردة لإدارة النظام الدولى زمن رئاسة بيل كلينتون وبطبيعة الحال، لم تستطع أن تسلك سلوكا إمبراطوريا لحكم العالم كما كان يحلم المحافظون الجدد وقت رئاسة بوش الابن.

والأخطر أن الأقطاب التقليدية ومعها الأقطاب الجديدة البازغة والناشئة قد تواطأت تحت مظلة الليبرالية الجديدة فى تأجيج الفوضى، بسبب التنافس الشديد بين الشركات العالمية العابرة للحدود الحاكمة الفعلية للعالم، وذلك لتمرير تعظيم المغانم تارة من خلال الحرب الهادئة وتارة بفعل القوة الذكية الفائقة التقنية. وبالأخير وصل العالم إلى حافة الخطر المتمثلة في: فجوة ضخمة بين القلة الثروية والأكثرية الفقيرة، واخطار بيئية ومناخية مدمرة للكوكب، ونزاعات فى كل مكان. وعليه، بلغت الجغرافيا السياسية للكوكب مدى غير مسبوق من الاضطراب والارتباك...إنها الجغرافيا السياسية لعالم ما بعد الحرب الباردة...

وفى عدد الإيكونوميست (5 ــ 11 مارس) تطرح الدورية رؤية تقول إن الحرب الروسية الأوكرانية سوف تنقل العالم إلى مرحلة ما بعد، بعد، الحرب الباردة التى تؤذن ببداية عصر جديد خطر للغاية. فلقد كشفت الحرب عن حقيقة المنظومة الدولية الراهنة وعن زيف مؤسساتها. فعلى سبيل المثال تشير الإيكونوميست إلى أن الاتحاد الأوروبى تقوم فلسفة تأسيسه على التكامل الاقتصادى والوحدة السياسية بين أعضائه ولكن ظهرمدى تباين مواقفهم ولم يتراجعوا عنه إلا بعد أن أدركوا الخطر الحقيقى لما جرى من قبل روسيا التى لم تعد تدافع عن البروليتاريا حول العالم بقدر ما بقيت تدافع عن عودتها قطبا فاعلا مع القطب الأمريكى. كذلك أثارت الحرب السؤال عن جدوى حلف الأطلسى ومدى التزام أمريكا بدعمه خاصة مع التفعيل اللافت لاستراتيجية بايدن: الإندو ـ باسيفيك، أو الاستراتيجية الهند ــ باسيفيكية (نسبة للمحيط الهادئ) الصادرة فى فبراير 2022 التى تدعم التحالف بين أمريكا وأستراليا واليابان والهند(امتنعت عن التصويت ضد روسيا فى الجمعية العمومية للأمم المتحدة فى 2 مارس الماضى) وجنوب كوريا الذى كان على حساب الاتحاد الأوروبى بعض الشيء وهو ما تجلى فى تراجع أستراليا المفاجئ عن شراء صفقة الغواصات الفرنسية لمصلحة مثيلاتها من الولايات المتحدة. وبالرغم من الدعم الأوروبى الراهن لأوكرانيا فإنها فى الأصل لم يُستجب لطلبها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى وكأن هناك حاجة إلى أن تترك وحيدة تحارب نيابة عن أوروبا واكتفاء الولايات المتحدة بالعقوبات الاقتصادية التى تأخرت فى إعلانها رغم أنها كانت تعرف نية روسيا فى الحرب على أوكرانيا منذ نوفمبر الماضى بحسب المخابرات المركزية الأمريكية.

وتلفت الإيكونوميست النظر إلى واقعة غاية فى الأهمية جرت فى يناير 2022، حيث أعلنت الدول الخمس الدائمة العضوية فى مجلس الأمن(بينهم روسيا) الامتناع عن استخدام الأسلحة النووية خاصة ضد بعضهم البعض وألا تستخدم قط إلا للأغراض الدفاعية...والسؤال: ما فائدة هذا الإعلان الآن؟...وتذكر الإيكونوميست إلى أن بوتين استعرض السلاح النووى ولوح باستخدامه للدفاع عن أمن روسيا ثلاث مرات قبل الحرب وبعدها...

وبعد، أتاح سياق الفوضى المتراكمة فى زمن ما بعد الحرب الباردة أن يدفع العالم إلى زمن تالٍ، زمن بعد ما بعد الحرب الباردة...زمن يستحضر التاريخ وتحديدا مشهد عشية الحرب العالمية الثانية فى 1939...كما يتذكر الجغرافيا السياسية من خلال استعادة مقولة عالم الجيوبوليتيكا السير هالفورد ماكيندر(1861 ــ 1947)حول الأهمية الاستراتيجية والمحورية لقلب أوراسيا فمن يسيطر عليها يمكنه أن يصبح قوة عالمية ويتحكم فى مصير العالم...وتنبه الإيكونوميست إلى تفاقم الخطر إذا ما توثق التحالف بين روسيا والصين...


لمزيد من مقالات سمير مرقص

رابط دائم: