منذ ظهوره على الساحة الإعلامية، خلال السنوات التى تلت ثورة يناير، وإسلام البحيرى يثير بما يطرحه من أفكار، وما يفجره من انتقادات مباشرة، للعديد من كتب التراث الاسلامى، جدلا يستهدف فى نظر كثير من المتابعين، تقويض المؤسسة الدينية الرسمية فى مصر، وفى القلب منها الأزهر الشريف، وهو هدف رئيس لا يمكن أن تخطئه عين، إذ ظل حاضرا فى كل ما يثيره من أفكار، وما يطلقه من زوابع تقترب فى كثير من الأحيان من حد المماحكات، مع الأزهر بكامل هيئته وكبار علمائه.
والمؤكد أنها رغم كل التحفظات، تمثل الحقيقة الوحيدة، التى يمكن أن يلمسها المتابع، للجدل الدائر فى هذا الملف، خلال السنوات الماضية، والتى غالبا ما يبدؤه البحيرى، بتصريح هنا، أو مداخلة هناك، لينبرى بعدها بعض المنتسبين للأزهر الشريف، فى محاولات للرد، بطرق بعضها لا يخلو من بؤس، أو قلة حيلة، لكنها فى الجانب الأعم، تنطوى دائما على عدم دراية بفنون تلك اللعبة، التى تتخذ من شاشات الفضائيات، أو أوراق بعض الصحف ملعبا لها، بينما مكانها الطبيعى، إذا ما خلصت النوايا، هو قاعات البحث، وأوراق الكتب والأبحاث المدققة، التى تستند على مناهج البحث العلمى الموثوقة، بعيدا عن تلك الطريقة التى تقترب فى كثير من الردود، من لغة الخناقات فى الأزقة والحوارى الشعبية.
والقضية فى حقيقة الأمر، تتعلق فى جانب أصيل منها، بحرية البحث العلمى، الذى هو جزء أصيل من مهمة الأزهر الشريف كمؤسسة جامعة، ومن عجب أن يلتزم كثير من الباحثين المجدين المنتسبين لتلك المؤسسة العريقة، الصمت إزاء مثل تلك الأفكار التى يطلقها البحيرى وغيره، وتحفل بها العديد من شاشات الفضائيات، وصفحات الشبكة العنكبوتية، دون مناقشات علمية جادة، كان لنا دور الريادة فيها، خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى، وليس أدل على ذلك، سوى تلك المعركة المستعرة، التى فجرها كتاب الدكتور طه حسين «فى الشعر الجاهلى»، والتى بلغت حد اتهامه فى بلاغات رسمية، بالطعن فى القرآن الكريم، والتعدى على الدين، لكنها رغم ذلك فتحت الطريق خلال عقود، لسلسلة من المعارك الأدبية والفكرية، لم تتوقف عند شخص طه حسين ومنهجه الديكارتى، وانما امتدت لتشمل عبر عشرات الكتب، ملفات خطيرة مثل حرية الفكر والعقيدة، وغيرها من القضايا التى لا تزال حاضرة فى المشهد الثقافى العربى حتى اليوم.
فى مطلع الخمسينيات، أصدر الشيخ عبدالمتعال الصعيدى، الذى يصنف باعتباره أحد كبار المجددين فى الأزهر الشريف، كتابه العمدة حرية الفكر فى الاسلام، ليؤكد من خلاله، أن التضييق على الناس فى حرية الفكر، أمر لا يتفق وصحيح الإسلام، قبل أن يطلق صيحته الشهيرة: «المجتهد لا يعذر فى خطئه، حتى إذا ما مضى إلى آخر ما يتصوره العقل، فى حدود اجتهاده».. اجتهدوا يرحمكم الله.
لمزيد من مقالات أحمد أبوالمعاطى رابط دائم: