بقلوب موجوعة ودموع ساخنة تأبى الحبس أو الاختباء، ودعنا الطفل الصغير ريان وسط حالة حزن جماعى عربى نادرة. تحول فجأة ذلك الكيان الصغير الضعيف إلى جزء منا تألمنا لفراقه، ولكن ما السر وراء هذا الألم الكبير؟ هل هى دفقة مفاجئة من الإنسانية غمرتنا؟ أم أنه أعاد لنا الإيمان بـ«الأمل» وأن زمن المعجزات لم ينته؟ هل توحدنا معه فأصبحنا جميعا «ريان». هل أصبحنا جميعا ذلك الكائن الضعيف مكسور الروح، الذى يبحث عن الخلاص من البئر التى تحاصره؟، هل خلاصه تحول إلى حلم لخلاصنا جميعا من أزمات الحياة وضغوطها وكل ما نخفيه من ألم وخوف وضعف بداخلنا؟.
الدقائق التى فصلت بين إنقاذ ريان وإعلان وفاته حملت شعورا خفيا بالراحة والنصر. فالنصر الحقيقى يتطلب عدوا خطيرا كما يقول الكاتب السلوفينى فلاديمير بارتول. والنصر هذه المرة على الظلمة والخوف للذين يحاصراننا كما لو كنا داخل قبو مظلم شديد البرودة.
فالإنسان المعاصر يعانى مما يصفه المتخصصون بالاحتراق النفسى، بعضه ربما يكون السبب فيه ضغوط الحياة بكل أشكالها المادية والخوف الدفين والمستمر من المستقبل، والبعض الآخر كما تصفه الخبيرة البريطانية جوليا سميث نكون نحن السبب فيه. بخوفنا من الآخرين وأحكامهم علينا وشكوكنا المستمرة فى قدرتنا على الاستمرار والمواجهة، وربما لاستسلامنا أمام الشخصيات السامة التى نصطدم بها أينما ذهبنا. الأسباب كثيرة، ولكن تلك النابعة من داخلنا هى الأسوأ والتى قد تصيبنا بدرجات خطيرة من الخوف الذى قد يعوق تفكيرنا فى الكثير من الأحيان ويصيبنا بالشلل النفسى قبل الجسدى. وهو ما يجعلنا نؤمن فى بعض الأحيان بأننا نعانى الحساسية المفرطة أو المبالغة فى ردود الأفعال، وهذا التخبط التعاطفى هو ما يصيبنا بالاحتراق.
لقد بكينا أنفسنا ونحن نبكى «ريان»، لم نلتفت إلى أن الله كان أرحم به منا جميعا. فرحمه من الخوف والألم داخل البئر، قبل أن يرحمه من العذاب النفسى والجسدى اللذين كانا ينتظرانه بعد الخروج. فعلاقتنا كانت ستنتهى به فور إنقاذه، ولكن أى حياة كانت تنتظره بعد الصدمة النفسية والجسدية التى عانى منها. ولكن هذا الكائن الصغير ترك بداخلنا شحنة من الإنسانية والتضامن كنا نفتقدها، ولابد أن نتذكر دائما الدرس الذى لقنه لنا. فريان يجب أن يحيا ويبقى داخل قلوبنا رمزا للمعجزة والأمل الذى ننتظره.
لمزيد من مقالات مروى محمد إبراهيم رابط دائم: