كان من حظى الجميل أن ألتقيها فى بداية حياتى الصحفية.. وأن يكون مكتبى بجوار مكتبها فى قسم المرأة.. فى البداية لم أعرف أننى أجلس بجوار إنسانة نادرة... فقد كانت قليلة الكلام.. لاتشارك إلا نادرا فى المناقشات والثرثرة التى كانت تدور بين الزميلات.. كانت تأتى مبكرة وتنكب على عملها دون توقف ثم تغادر بهدوء.. أنها «سلوى حبيب» التى لم تدخل فى صراعات ومنافسات... ولم تسع لجذب الانتباه.. ولم تتكلم عن أحد بسوء.. ولم تتقن فن العلاقات العامة .. ولم تدق أبواب المسئولين.. ولم تطمع فى منصب.. ولكن بالكفاءة والانضباط والتميز تولت رئاسة أحد أهم الأقسام فى الجريدة وهو القسم الخارجى قبل أن تصبح أول امرأة تنضم إلى فريق عمل الدسك المركزى الذى تصب عنده كل صفحات الجريدة لإجراء مراجعة نهائية قبل الموافقة على النشر.. كانت من أبرزالكاتبات فى مجال السياسة الخارجية.. وقد تنبأت فى العمود الذى كانت تكتبه أسبوعيا بسقوط سور برلين.. وأتذكر أن أحد أهم من يكتبون فى هذا المجال قال لها إن سور برلين لن يسقط.. وبعد أيام قليلة تمكنت الجماهير الغاضبة من هدم السور.
هناك حكمة تقول ( الصديق هدية تهديها لنفسك) .. وقد أعطيت نفسى الهدية الثمينة حين سعيت لكسب صداقتها.. الصداقة التى كانت مصدر نور فى حياتى.. يقول الفيلسوف الأمريكى «رالف والدو إمرسن» إن الصداقة هى أسمى شىء فى الوجود.. والمكان الذى يوجد فيه صديق يغمره الضوء.. وإذا كان هناك درس ينبغى أن نتعلمه فهو فن الصداقة والود..
الود والعطف يغلفان حديثها المتفائل دائما حتى فى أحلك الظروف.. والصدق والإخلاص يشعان من صوتها المنخفض والذى كان لايصل إلى أذن بعض الحاضرين فى اثناء اجتماعات الدسك المركزى فيقولون لها «علَّ الصوت يا استاذة سلوى» فتضحك قائلة: «لا أستطيع فتلك هى أعلى درجة فى صوتى» .. صوتها الحنون مازال يرن فى أذنى.. ومكالمتها الهاتفية كانت تضىء المكان من حولى.. ولم أبالغ عندما قلت إن من حظى الجميل أن ألتقى بها.. وداعا أيتها الإنسانة النادرة النقية الراقية.
لمزيد من مقالات عايدة رزق رابط دائم: