رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الشخصية العربية بين الاغتراب والهوية

لكل شعب مكوناته وثوابته وجذوره الحضارية والتاريخية والإنسانية والثوابت فى حياة الشعوب تخضع لحسابات واعتبارات كثيرة.. ولا شك أن الشخصية العربية قد تميزت دائما وكانت لها خصوصيتها التى اختلفت عن شعوب كثيرة، ورغم وجود بعض الاختلافات فى مكونات الشعوب العربية فى درجة التقدم والتطور الحضارى والثقافى فإنها لم تصل إلى حد التناقض.. خاصة أن الشخصية العربية قد عاشت ظروفا متشابهة فى الإمكانات والتحديات والمخاطر..  

< إن معظم الشعوب العربية كانت تعيش ظروفا اقتصادية أقرب إلى الفقر منها إلى الغنى باستثناء عدد قليل توافرت له موارد وإمكانات أفضل.. وإن كان البترول قد غير حسابات كثيرة بعضها أفاد وبعضها أضر وكانت سببا فى تحولات جوهرية فى الشخصية العربية.. كان الاستعمار من الكوارث التى حلت بالشعوب العربية وكان سببا فى تخلفها عصوراً طويلة ابتداء بالاحتلال العثمانى وانتهاء بالاستعمار الغربي..  

 < شهدت الشعوب العربية تجارب سياسية لم تحقق أحلامها فى الحرية والتنمية الحقيقية وكانت تجارب ارتجالية اتسمت بالتخبط والعشوائية.. ولم يكن غريبا أن تنسحب جيوش الغزاة وتترك الشعوب العربية تعانى الفقر والتخلف وتضع أيديها على ماجادت به السماء من الموارد والخيرات خاصة البترول أكبر ثروات عرفها التاريخ.. لا أحد يعلم ماذا بقى من البترول فى الأرض العربية وإن كان الغرب يعرف.. ولا أحد يعلم ما هو مستقبل الشعوب العربية فى ظل عمليات تدمير شامل تشبه أسلحة الدمار الشامل..   

< إن الشعوب العربية رغم كل الظروف والتحديات فإنها شاركت بدور كبير فى صنع الحضارة الإنسانية وسبقت الغرب فى ذلك ويكفى أنها بلاد الأنبياء.. فلم يظهر نبى فى أى بقعة من هذا الكون إلا فى هذه الأمة ابتداء بأبى الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام وانتهاء بهذه الشجرة المباركة من الرسل والأنبياء.. إن الغريب فى الأمر أن الغرب لم يعترف يوما بقدسية الأماكن والعقائد والثوابت وبعد أن استنزف ثروات هذه الأمة بدأ مرحلة تشويه الشخصية العربية سلوكا وتاريخا وجذورا وهوية..   

< كلنا يعلم أن الشخصية العربية تجمعها ثوابت قد لا تتوافر فى شعوب كثيرة بل إن العالم الذى يعيش حولنا تتحكم فيه تناقضات كثيرة.. وحتى وقت قريب شهدت شعوب كثيرة كل ألوان القتل والدمار.. وفى الحرب العالمية الثانية قتل ٦٠ مليون إنسان وكانت الشعوب العربية بعيدة عن كل هذه الصراعات..  إن المواجهة الآن لم تعد قتلا ودمارا واستعمارا وهيمنة، إنها حرب الجذور وتشويه الثوابت وتخريب العقائد وتدمير الثقافات.. نحن أمام أمة فريدة فى مقوماتها وثوابتها وجذورها الحضارية، هذه الأمة ربما تكون الوحيدة التى تسكن شعوبها أرضا واحدة ولغة واحدة مع دين واحد يحترم قدسية الأديان والعقائد الأخرى..  

< إذا توقفنا أمام الأرض فإن الشعوب العربية احتلت من آلاف السنين أهم قطعة فى هذا الكون.. إنها تطل على أهم بحار العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، إنها مركز هذا الكون ولا تفرق بينها شعوب أو دول أخري.. ولهذا كان الهدف كيف تمزق هذه الأرض وإذا كان ذلك صعبا فكيف نمزق شعوبها.. وهنا كان انتزاع أرض فلسطين وإقامة هذا الكيان العدوانى البغيض الذى كان سببا فى انشطار العالم العربي.. وكانت هذه أخطر مراحل الدمار الشامل لأهم مقومات الأرض العربية ربما سبقت محاولات أقل خطراً عندما تشرذمت الأرض العربية فى اتفاقية سايكس بيكو1916..  ولكن زرع إسرائيل فى قلب الأرض العربية كان أسوأ الجرائم وأكثرها خطراً.. لم تتوقف المؤامرات ضد هذا الكيان الضخم وهو الأرض العربية ولكن انتقلت إلى جوانب أخرى لتدمير مقومات هذه الأمة..   

< لم تتوقف المواجهة عند قضية الأرض ولكن أن يتحدث ٤٠٠ مليون إنسان لغة واحدة فهذا واقع مخيف وقوة لا يستهان بها.. خاصة أنها ليست مجرد لغة يتحدث الناس بها ولكنه تاريخ وثقافة وحضارة ربما غربت عنها الشمس ولكنها يمكن أن تشرق فى أى لحظة وتغير حسابات الكون كله.. وبعد أن صارت إسرائيل شوكة فى قلب الأرض العربية جاء الدورعلى اللغة العربية التى أصبحت الآن هدفا للتشويه والإهمال والتراجع..  

< كان ضرب اللغة العربية هو الهدف الثانى وكان إهمالها تعليما وأهميةً ودوراً وراء كل ما شهدته أمام أسلحة الدمار الشامل التى استهدفت الشخصية العربية فى أهم مقومات وجودها.. وكثيراً ما حذر عقلاء هذه الأمة من محاولات تدمير وتشويه اللغة العربية ابتداء بمناهج التعليم وطغيان التعليم الأجنبى وغياب دور الأسرة وإهمال السلطات المسئولة وخروج اللغة العربية من منظومة التعليم فى الدول العربية.. وعلينا أن ننتظر يوما لن تجد فيه مواطنا عربيا يتحدث العربية فى العمل أو البيت أو الشارع..  

< إن الغريب فى الأمر أن الجميع يدرك حجم الكارثة ولا يحاول إنقاذ الضحية.. جاءت الأديان آخر خيوط المواجهة حتى وصل الأمر إلى اختراع دين جديد.. إذا كانت الأرض تم اختراقها وإذا كانت اللغة يجرى تشويهها فلم يبق للشخصية العربية شىء يجمعها إلا دينها.. وهنا كانت معركة الهجوم على الأديان وكان الإسلام فى مقدمة الأهداف المغرضة التى توجهت نحوها كل السهام دينا وفكراً وقرآنا وعقيدة.. وبدأت المؤامرة على آخر حصون الشخصية العربية من مواكب الفتن فى الداخل من خلال تكفير المسلمين لبعضهم.. وبعد أن كان الخلاف رأيا أو موقفا حملت الشعوب السلاح وقتل الجار جاره والأخ أخاه والابن أباه.. وشهدت الشعوب العربية أخطر مراحل تدميرها فى الحروب الأهلية التى دمرت الفكر والبيوت والبشر والثوابت..  

< وكانت هذه أكبر كارثة تلحق بالشخصية العربية لكى تواجه هذا المستقبل الرهيب.. كانت الحروب الأهلية بين أبناء الشعب الواحد هى آخر ما حققته أسلحة الدمار الشامل.. فلم تعد القضية احتلالا أو استعماراً أو جيوشا غازية أو أسلحة دمار شامل.. ولكن هناك ما هو أكثر تدميرا،ً كيان غريب يمزق وحدة الأرض ويفرق شعوبها، ولغة تدخل التاريخ مستسلمة لواقع غريب مشبوه وحروب دينية بين أبناء البيت الواحد وليس الوطن الواحد.. وبعد ذلك كله تدخل الشعوب مراحل من الفوضى والتفكك والانهيار..    

< إن الشيء المؤكد أننا أمام مؤامرة تستهدف هذا الكيان الحضارى والثقافى والجغرافى والتاريخي.. نحن أمام أرض تتمزق وتغتصب ولغة تفقد مكانتها وأديان تنتهك قدسيتها وشعوب أمام القهر والطغيان فقدت البصر والبصيرة واستسلمت لمصيرها المجهول..  من أين نبدأ؟هذا هو السؤال الغامض الذى يبحث عن إجابة..

< ولم يكن غريبا أن تخرج أبواق من أبناء هذه الأمة المغلوبة على أمرها يشاركون ويباركون المأساة.. فكان العدوان على الشخصية العربية من كل اتجاه اعتداء فى الخارج وأتباع لهم فى الداخل وأمة عظيمة تساق فى المزاد..  

 

ويبقى الشعر

يا عَاشقَ الصُّبح وجهُ الشـَّمْس ينشطِرُ 

  وأنجُمُ العُمْر خلفَ الأفق تنتحِــــــرُ 

نهفـُو إلى الحُلم يَحْبُو فى جَوانِحِنـــــا 

حَتـَّى إذا شبَّ يكـْبُو .. ثم يندثـــــــرُ 

 يَنـْسابُ فى العَيْن ضوءًا .. ثم نلمحُهُ 

 نهرا من النار فى الأعماق يسـتعـرُ 

عمرٌ من الحُزْن قدْ ضَاعتْ ملامحـهُ 

وشرَّدتـْهُ المنى واليأسُ..والضَّجـرُ 

مَازلت أمْضِى وسرْبُ العُمْر يتبعُنى 

وكلـَّما أشْتدَّ حلمٌ .. عَادَ ينكســــرُ 

فى الحُلم مَوتى .. مَعَ الجلادِ مقصَلتِى 

وَبينَ مَوْتى وحُلمى .. ينـْزفُ العمــُرُ 

إن يَحْكـم الجهلُ أرضًا كيفَ ينقذهَا 

خيط من النـُّور وسْط الليل ينحسـرُ؟ 

لن يَطلعَ الفجرُ يومًا من حناجرنـَا 

ولن يصونَ الحمى منْ بالحمَى غدرُوا 

لن يكـْسرَ القيدَ مَنْ لانتْ عزائمُــهُ 

ولنْ ينالَ العُلا .. مَنْ شلــهُ الحـــــــذرُ 

ذئبٌ قبيحٌ يُصلـِّى فى مَسَاجدنـَـــا 

  وفوْق أقـْدَاسِنـَا يزهــُـــــو .. ويفتخـــِــرُ 

قدْ كانَ يَمْشى على الأشْلاءِ مُنتشيًا 

  وَحَوْله عُصْبة ُ الجـُــــرذان تأتــــمــــرُ  

من أينَ تأتى لوجهِ القـُبْح مكـْرمــــة ٌ 

وأنهرُ الملح هل يَنـْمو بها الشَّجــَـــــرُ؟ 

القاتلُ الوغـْدُ لا تحميهِ مسْبَحـــــــة 

  حتى إذا قــامَ وسْط البيتِ يعتمــــــــــرُ 

كمْ جاءَ يسْعَى وفى كفيه مقصلـــة ُ 

وخنـْجَــرُ الغدر فى جنبيهِ يســـتتـــــــرُ 

فى صفقةِ العمْر جلادٌ وسيــِّـــــدُهُ 

وأمَّة فى مزادِ المــْوتِ تنتحــــِـــــــــرُ 

يَعْقــوبُ لا تبتئسْ .. فالذئـْبُ نعْرفـُه 

منْ دمِّ يوسُف كل الأهْــل قدْ سكـــرُوا 

أسماءُ تبْكى أمـــامَ البيـــتِ فى ألم ٍ 

وابنُ الزُّبير على الأعْنــاق ِ يحتضـــرُ 

أكادُ ألمحُ خلــــفَ الغيْبِ كارثــــة ً 

وبحرَ دَمِّ على الأشلاءِ يَنـْهَمـــــــــــــرُ 

يومًا سيحْكى هنا عَنْ أمـَّــة هلكـتْ  

لم يبْق من أرْضِها زرعٌ..ولا ثمــــرُ 

 حقتْ عليْهم مِنَ الرَّحْمــن لعنتـُـــهُ 

فعِنـْدَما زادَهم من فضْلِه.. فجـَــــــرُوا 

يا فارسَ الشِّعر قل للشِّعـر معذرة ً 

لنْ يسْمَعَ الشِّعرَ منْ بالوحْى قدْ كفرًوا 

واكتبْ على القبْر : هذى أمَّة رَحَلتْ 

لم يبق من أهْـلها ذكرٌ.. ولا أثــــــــــرُ 

 

قصيدة "كانت لنا أوطان سنة 1997"

[email protected]
لمزيد من مقالات يكتبها ــ فاروق جويدة

رابط دائم: