قبل 3 أسابيع من الذكرى 17 لاغتيال والده رفيق الحريرى، وقف نجله سعد زعيم تيار المستقبل، أكبر حزب سنى لبنانى، دامعا ومعلنا انسحابه من الحياة السياسية قائلا: «أستودع الله سبحانه وتعالى هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيب».
وهى للمفارقة الكلمة نفسها التى قالها الحريرى الأب عندما أعلن عزوفه عن السياسة قبل اغتياله بوقت قصير.
لم يكن قرار سعد مفاجئا. كل الشواهد أكدت النهاية المحتومة. حاول مد اليد لكل القوى السياسية اعتقادا منه أن لبنان لا يقوم إلا على صيغة لا غالب ولا مغلوب، إلا أن طائفته رفضت تنازلاته، واتهمه خصومه السنة بأنه باع كرامة وحقوق الطائفة لحزب الله والتيار الوطنى المارونى، ولم يحصل على شىء. داعموه فى الخليج عارضوا توجهاته وتساهله مع حزب الله تحديدا. قطعوا عنه الدعم المالى الذى لا تقوم قائمة لأى حزب لبنانى إلا به.
حزب الله والتيار الوطنى تسابقا لقضم حقوق السنة والحصول على أكبر مكاسب ممكنة. أرادوها مباراة صفرية يحصل بعدها الفائز على كل شىء، ويخرج الخاسر بحسرته. وهكذا أمضى شهوره الأخيرة بالخليج عاكفا على تسديد ديونه الشخصية، وتصفية مشروعاته، التى ورثها عن والده، الذى أسس إمبراطورية مالية، وإعلامية.
عندما يفشل أى زعيم عليه تحمل المسئولية كاملة وألا يقف حجر عثرة أمام تياره للنهوض مجددا. لكن سعد يريد من مؤيديه ألا يرشحوا أنفسهم فى الانتخابات المقبلة، وأن ينسحبوا من الحياة السياسية ردا على تهميش السنة. لم يفكر فى خليفة له، لأنه يعتقد أن انسحابه مؤقت وسرعان ما سيعود محمولا على أكتاف الجماهير غير مدرك أن المسألة ليست بهذه البساطة، وأن مصالح سنة لبنان أهم من أى زعيم. تراجع الشخصيات البارزة فى الطائفة عن الترشح سيضعفها أكثر وأكثر.
مصير الشعوب لا يتوقف على زعيم مهما تكن قوته ونفوذه.
هناك كلمة مشهورة لرفيق الحريرى: «ما فى حد أكبر من لبنان»، وعلى سعد الحريرى أن يستوعب الدرس ويخلى الساحة لزعيم جديد.
[email protected]لمزيد من مقالات عبدالله عبدالسلام رابط دائم: