رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أمريكا المنقسمة توحد خصومها

كان الوجوم واضحا على ملامح الرئيس الأمريكى بايدن خلال كلمته فى ذكرى مرور عام على توليه الحكم، فلم يسبق لأى رئيس أمريكى أن تراجعت شعبيته بهذا المستوى خلال أقل من عام مثل بايدن، وفق معظم استطلاعات الرأى التى قال إنه لا يؤمن بها، لكن الواقع يصدمه، فالوعود التى خاض بها الانتخابات تتساقط، ولم تتوحد الأمة الأمريكية، بل زادت انقساما، واتسعت الهوة بين الحزبين الكبيرين، وحتى حزبه الديمقراطى يبدو مفككا، وذكرت استطلاعات الرأى أنه لا يحظى بتأييد ترشحه لفترة ثانية داخل حزبه، ولم يجد بايدن الكثير ليقوله حول ما حققه من وعود انتخابية، وألقى باللوم على الحزب الجمهورى الذى وصفه بالخضوع لشخص واحد خارج السلطة، فى إشارة إلى ترامب، والتصويت ضد مشروعاته فى مجلس الشيوخ. ولم يجد بايدن كلمات مقنعة عن إنجازاته سوى أن عدد من تلقوا لقاح الوقاية من وباء كورونا قد تجاوز 200 مليون، وأن الاقتصاد الأمريكى بدأ التعافى، لكن الأرقام الهائلة فى أعداد الإصابات من المتحور الجديد لوباء كورونا، والارتفاعات الكبيرة فى الأسعار كانت كافية للنيل من مصداقيته. هكذا تبدو الصورة باهتة للرئيس الأمريكى فى الداخل، ولا تبدو أفضل حالا فى الخارج، فإذا كانت الولايات المتحدة قد نجحت فى شيء فليس سوى أنها وحدت الصفوف ضدها، وليس أدل على ذلك أكثر من المناورة العسكرية المشتركة لكل من الصين وروسيا وإيران شمال المحيط الهندى، وإعلان الصين أنها تستورد النفط الإيرانى دون اكتراث بالعقوبات الأمريكية على إيران، بل أعلنت عن بدء تنفيذ اتفاقية التعاون الإستراتيجى مع إيران، والتى تشمل ضخ 400 مليار دولار من الاستثمارات الصينية، والتعاون فى مجالات الطاقة والمواصلات وتصل إلى المجالات الأمنية والعسكرية، وفى نفس التوقيت أستقبل الرئيس الروسى بوتين نظيره الإيرانى إبراهيم رئيسى لبحث بنود توقيع اتفاقية تعاون إستراتيجى تمتد لعشرين عاما، من بين بنودها أن تسهم روسيا فى تسويق الغاز والنفط الإيرانى، ولا تقف التحديات عند هذا الحد، بل تكاد تصل إلى حافة الحرب فى أوكرانيا، ويهدد بايدن بأن روسيا سوف تلحق بها خسائر بشرية جسيمة إذا أقدمت على دخول أوكرانيا، بعد أن توعد بعقوبات اقتصادية صارمة للغاية، لكن لا يبدو بوتين مكترثا بالتهديدات الأمريكية، ويصر على تنفيذ مطالبه الصعبة للغاية، والتى تصل إلى حد الإهانة، ولا تتوقف عند حدود عدم ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، إنما تشمل باقى الدول المحيطة بروسيا، ومنها لاتفيا وليتوانيا واستونيا وجورجيا، وعدم نشر صواريخ فى محيطها، وهى شروط يصعب على الولايات المتحدة الإذعان لها، لأنها تعنى أن لروسيا اليد العليا، وهى من تضع الخطوط الحمراء أمام الوجود العسكرى لحلف الناتو والولايات المتحدة، لكن الإدارة الأمريكية بين نار الصدام العسكرى مع روسيا المستعدة بقواتها المتأهبة على الحدود الأوكرانية، ولا تعرف إلى أى مدى يمكن أن يذهب بوتين، أو نار الموافقة على بعض الشروط الروسية، حتى تنزع فتيل حرب يصعب التكهن بحدودها ونتائجها، وقال بايدن إن روسيا قادرة على احتلال أوكرانيا، لكنها ستدفع ثمنا غاليا، لأن واشنطن زودت أوكرانيا بأسلحة متطورة. بما يؤكد أن الولايات المتحدة المتحفزة للحرب فى أوكرانيا لن تخوض معها الحرب، وتقف أوروبا على أطراف أصابعها بسبب ما يدور حول أوكرانيا من حشود روسية وأطلسية، خشية أن تجد نفسها قسرا ساحة لقتال مدمر، يمكن أن تتطاير شظاياه وتشعل أوروبا، وهو احتمال مرعب، دفع بالرئيس الفرنسى ماكرون لطرح إحياء إنشاء جيش أوروبى.

حدث آخر وقع فى بحر الصين له دلالاته، وإن كان يبدو بسيطا، فقد منعت البحرية الصينية مرور بارجة أمريكية بالقرب من إحدى جزرها، واعتبرت الصين أن البارجة الأمريكية تخطت مياهها الإقليمية، بينما ترى الولايات المتحدة أن تلك الجزر ليس لها مياه إقليمية، لصغر مساحتها، وكونها غير مأهولة، لكن البارجة الأمريكية اضطرت إلى تغيير مسارها، وهذا الحادث يحمل فى طياته اعتزام الصين تحدى الوجود العسكرى الأمريكى، وأنها تتعامل بوصفها القوة البحرية الأقوى، ولا تخشى التصعيد، وهذا التحفز الصينى يمكن أن يمتد إلى مضيق تايوان، وربما يذهب أبعد من ذلك، فى رسالة تقول إن البحرية الأمريكية لن تكون حرة الحركة، ولها أن تسير كيفما شاءت مثلما كان فى الماضى القريب.

هكذا تواجه الولايات المتحدة تحديات خطيرة، وتراجعت قدرتها على الردع بالإفراط فى فرض العقوبات، حتى لم تعد تثير الكثير من الخوف، ولم تعد قادرة على خوض غمار حرب جديدة بعد خروجها من أفغانستان والعراق، وتراجعها الاقتصادى، وأن موازين قوى جديدة تتشكل رغما عنها.


لمزيد من مقالات مصطفى السعيد

رابط دائم: