رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

السؤال الصعب فى التعليم

لا أتصور بيتا فى مصر لا يتحدث فى التعليم وأحواله، مدرسة ومدرسين ومناهج وامتحانات، ويكاد الصف الرابع الابتدائى يتصدر مشهد الاهتمام، بطول مناهجه المتطورة وتعددها، مع قصر السنة الدراسية إلى 100 يوم فقط، وهى مدة لا تغطى نصف المناهج مما أصاب تلاميذ كثرا بحالة من التوتر، وأعرف عائلات استعانت بأطباء نفسيين لحماية أولادهم من الانزلاق إلى حالات اكتئاب.

مؤكد أن المنهج الجديد جيد للغاية، وهو يضاهى المناهج فى دول متقدمة، لكن المائة يوم تشبه عربة كارو مشتركة فى سباق سيارات سريعة. عموما حوارات المصريين عن التعليم فيها كثير من الانطباعات والرغبات والأمنيات الخاصة، وقليل من الكلام العلمى القائم على المعرفة وتجارب الأمم التى سبقتنا فى تطوير تعليمها.

وقبل أيام وصلتنى رسالة طويلة من القارئ محمد مصطفى عن التعليم وتطويره، تصورات مرسلة أقرب إلى الخواطر، فيه هجوم شرس على ما تنفذه وزارة التعليم من تطوير، وبدأها بوصف لاذع، التطوير المزعوم فى التعليم الذى أقام الدنيا ولم يقعدها، وينطبق عليه المثل العربى أسمع جعجعة ولا أرى طحنا، وقال إنه أرسل إلى الدكتور طارق شوقى وزير التعليم مشروعا لتطوير التعليم الفنى الذى يجب أن يسود التعليم كله، ولم يرد أحد عليه منذ 2018.

هو يقترح أن يبدأ التعليم الفنى من الصغر، بمرحلة انتقالية مدتها من 7 إلى 9 سنوات، يتعلم التلميذ فيها القراءة والكتابة والدين والحساب بامتياز، ثم العلوم الفنية حسب اختياره، ويدخل مباشرة إلى الورش الخاصة بالعلم الذى اختاره، يتعرف فيها على العدد والآلات والمواد فكا وتركيبا واستخداما، حتى يجيدها تماما، ويكمل تخصصه فى الثانوى الفنى، ليتخرج منها إلى سوق العمل صاحب مهنة يتقنها.

طبعا الأفكار ساذجة، ولا تتفق مع معايير التعليم فى أى دولة فى العالم، وهى تحول المدرسة إلى ورشة الأسطى حسن، لكن على نطاق واسع تشرف عليه وزارة التعليم..وحبذا لو مضينا على هذا الدرب فى الجامعات أيضا. ولمعت فى ذهنى فكرة، فطلبت القارئ الذى يعيش فى محافظة الدقهلية تليفونيا، وسألته: فى أى تخصص تعلمت؟ قال: أنا مهندس زراعى على المعاش، وتعلمت فى الأزهر.

سألته: هل قرأت عن التعليم ونظمه فى دول العالم وكيفية تطويره؟ أجابنى بكل صراحة: لا أعرف حرفا فى أى لغة أجنبية ولم أقرأ عن نظم التعليم الأجنبى شيئا، والأهم..مالنا ومال التعليم فى أى دولة أخرى، نحن فى وضع صعب، أنا عندى 3 أولاد تخرجوا من التعليم الفنى والجامعى ولا واحد فيهم عارف يشتغل أو عنده حرفة أو مهنة.

قلت: التعليم له معايير عالمية، وهذه المعايير هى التى تتيح الاعتراف المتبادل للشهادات أو الانتقال من نظام تعليم فى دولة إلى دولة أخرى، ومن لا يعمل بهذه المعايير تصبح شهاداته محلية لا قيمة لها خارج حدوده إلا بمعادلة معينة.

لم أجده على دراية بأى أصول معرفية عن نظم التعليم، ولم أفهم كيف واتته الجرأة أن يكتب رسالة سماها المشروع القومى لتطوير التعليم ويرسلها إلى الدكتور طارق شوقى، والمدهش أنه مازال غاضبا جدا، لأن الوزير لم يعمل بمشروعه، وقال لى جازما: إن أصررتم على تعليمكم الأعمى فلن تحصدوا غير السراب.

والسؤال: إذن لماذا اهتممت بالرسالة ونشرتها على هذا القدر؟ لأننا نعانى مأساةٍ هائلة، وهى الخبراء فى كل شىء. ولكن أيضا لأن الرسالة تشى بقدر الضغط الرهيب الذى يحمله المصريون على أعصابهم وتفكيرهم، من سوء نظام التعليم، خاصة فى الأقاليم والمدارس العامة المكدسة بالتلاميذ، وتفتقر إلى عناصر ضرورية لأى تعليم جيد، والمسألة ليست تطوير مناهج فقط.

والمهندس محمد ليس وحده هو الذى يفتى فى تطوير التعليم، قد يكون مهموما بأولاده الذين تخرجوا ولا يجدون عملا مناسبا لمؤهلاتهم، الأكثر منه تدخلا هم مجموعة الأمهات المنتشرة على صفحات التواصل الاجتماعى، وأغلب أولادهم فى مدارس خاصة لغات، وهم عموما يمثلون 10% من أعداد التلاميذ فى التعليم قبل الجامعى.

هؤلاء الأمهات تتحدثن بصوت عال عن التطوير والتعليم والمناهج كأنهن متخصصات، صحيح هن اللائى يلازمن أولادهن فى معاناتهم التعليمية ويتابعن الدروس الخصوصية ويطاردن مدرسيها ذهابا وإيابا، ويتحملن عذابات العام الدراسى، لكن هذا لا يمنحهن الحق فى الإفتاء التعليمى. من حق أولياء الأمور فقط أن يطلبوا من الحكومة أن توفر تعليما جيدا لأبنائهم، وأن يصروا ويضغطوا عليها بكل السبل الممكنة وغير الممكنة طول الوقت ودون تراجع مهما كلفهم الأمر، وليس من حقهم اختيار المناهج وما يجب أن يُدرس ولا يُدرس، فهذه عملية فنية بحتة، لها أصول ومعارف وطرائق علمية وتجارب وسبل قطعت فيها الإنسانية مسافات واسعة، ولا يمكن لرغبات أولياء الأمور أو انطباعاتهم أن تتدخل فيها أو تفرض عليها ما تراه. كل هذا..يجرنا إلى سؤال فى غاية الأهمية؟ هل يمكن تطوير التعليم بميزانية عاجزة عن توفير ما يحتاجه التعليم الجيد من فصول ومدرسين ومعامل ووسائل مساعدة؟ بالقطع لا.. السؤال التالى الملح: لماذا تستسلم الحكومة أمام هذا العجز ولا تفكر فى وسائل تمويل جديدة؟ تخيلوا المهندس محمد مصطفى يقترح إنشاء شركات مساهمة لها قانون خاص، قيمة السهم فيها ألف جنيه، يفتح فيها الاكتتاب لعموم المصريين، لينفق منها على التعليم. ربما تبدو الفكرة صعبة أو مستحيلة، لكنها تعنى انشغال المصريين بتدبير تمويل، ينقذ تعليمهم من عجزه، فلماذا لا تبحث الحكومة عن مصادر له خارج الصندوق؟، وإذا فشلت، تطرح سؤال التمويل الصعب على الرأى العام ويتحاور المجتمع كله، فى الإعلام والصحافة ومراكز البحث حتى نصل إلى إجابات صحيحة قابلة للتنفيذ؟، فتكاليف التعليم الجيد من أهم عناصر الحياة الكريمة.


لمزيد من مقالات نبيل عمر

رابط دائم: