رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عاجل من أم كلثوم إلى هانى شاكر

السيد المحترم هانى شاكر، لا أخاطب فيك الفنان الرقيق فقط، لكنى أخاطب خليفتى نقيب المهن الموسيقية، كنت أجلس مكانك منذ 79 سنة، دعوت لأول اجتماع للموسيقيين المصريين فقط ردا على تغلغل الأجانب فى كل شىء، وفى 11نوفمبر 1942اختارنى الموسيقيون بالإجماع أول رئيسة لمجلس إدارة النقابة الوليدة، كنا نعتبر الفن بوابة الاستقلال الوطنى وبيت الكلمة النظيفة، تلبسنى عفريت المسئولية الاجتماعية للفنان الذى تلبسك الآن، لكنى لم أقطع رقاب أرزقية الغناء او المتطفلين أو الموهوبين التائهين عن ذاتهم، مددت يدى لكل من خاصمونى كنقيبة فصاروا أصدقائى كمبدعين، معيارنا الوحيد تحديث موسيقانا والاستقلال وعدم تقليد المحتل، وألزمنا أنفسنا بهويتنا الشرقية والكلمة العربية، غنيت لشوقى بيك، سلوا كئوس الطلا هل لامست فاها/ واستحضروا الراح هل مست ثناياها ورغم استقبال المثقفين لها بحماس، لم انس واجبى نحو سميعة الراديو، قلت للشيخ زكريا احمد: هات لى الواد بتاع المسلة والخازوق، اندهش‪ ،‬ فذكرته بمجلتين هزليتين صدرتا فى ثورة ١٩١٩ طالبتا بالاستقلال، فأغلقهما «المندوب السامى» وأمر بنفى صاحبهما، لأنه قال للإنجليز:

اتركونا ..ننتفع من خير بلادنا مش بلادكم/ واسمحوا نسبك حديدنا مش حديدكم/ والسماد عايزين سمادنا مش سمادكم/ اتركونا ياللى ناويين تدبحونا. فقال يصح لسانك يا ثومة تقصدى بيرم التونسي، الواد الضايع الهربان من البوليس، طرده الملك لأنه هاجمه فى زجليتيه المجلس البلدى:

يا بائع الفجل بالمليم واحدة/ كم للعيال وكم للمجلس البلدى/ اخشى الزواج فان يوم الزفاف أتى/ يبغى عروسى «مليكى» المجلس البلدى.

فقلت له من يكتب الكلمة المصرية مسئوليتى أن أرعاه، وأساعده، وأحميه، كما احمى وارعى الآرتست التى تغنيها!

انا معك يا سيادة النقيب ان مهمتك ـ كما هى مهمة وزيرة الثقافة الفنانة إيناس عبد الدايم ـ حماية الذوق العام، لكنها تبدأ بحماية الموهبة ورعايتها حتى يغنى ويكتب كل موهوب للجمال والحب والوطن ويترك الحشيش والأفيون والسبارس، وأنت محظوظ إذ منحتك الدولة حق «الضبطية الفنية» للقبض على التشوهات الغنائية وتشجيع المطربين الأحياء؛ لكنى أظن أن الأولى برعايتك وحمايتك لهم هم الأموات الذين تركوا الدنيا ولا يجدون من يحمى تراثهم ويرد غيبتهم ويدفع عنهم التنمر والتشويه والأذى الذى تتعرض له سيرتهم، من بعض الكتاب بحجة الابداع الروائى، ففى دفاعك عن سيرة الرواد فى الفن والأدب والغناء وصيانة تراثهم رفعة لحاضر مصر ودرس فى الوفاء لأجيال المستقبل، فأنت صاحب المسئولية المباشرة فى الدفاع عن تراثنا الغنائي، اعرف أن حماية الذائقة الغنائية مهمة صعبة وجسيمة فى زمانكم، فذوق الشعب يصنعه المبدعون فى الشوارع والملاهى، والمتعلمون وطلاب المدارس ورواد الحانات والمسارح حتى «البياعين» فى الأسواق والقراء فى المآتم، والشحاتون والباعة الجائلون على الأبواب، واذا استطعت بفضل «الضبطية الفنية» ان تضبط هذا كله فكيف تضبط مطربى حوائط التواصل الاجتماعى الذين خطفوا العيون والقلوب إلى الشاشات وفضاءات اليوتيوب والمدونات! عزيزى النقيب اسمح لى أن أبث إليك حزنى وهوانى على جيلكم فقد تابعت غضبتك الشديدة وعزمك مطاردة الأصوات النشاز، لكنى لم أسمع لك صوتا حين رمانى أحدهم بفرية جنسية، وأن طفولتى الفقيرة اورثتنى عقدة السادية وكنت استخدم المنديل فى استنشاق الحشيش على المسرح، وأننى مجرد حنجرة صوتية بشرتى سمراء مصابة بتضخم الغدة الدرقية وجحوظ فى العينين وأمارس السادية على الأساتذة رياض السنباطى وأحمد رامى وأبو العلا محمد ومحمد القصبجى، منتفخة البطن أخفيت افتقارى للأنوثة فى زى بدوى، واتهم أمى الفلاحة البسيطة بالقسوة والتمييز، واتهم أبى المنشد الدينى الذى أدين له بالفضل بالجشع والطمع والتكسب من صوتى ولحمى من أجل الفلوس، هل صار التحرش الأدبى ضرورة للإبداع الفني؟ هل صار الانتصار على التحديات عقدة نفسية علمت منذ سنة عن رفض أهالى شبرا البهو دفن طبيبة ماتت بوباء الكورونا فى مقابر أسرة زوجها، لولا تدخل الشرطة واستحضار السلطات حكما سابقا أصدره القاضى محمد عبد الوهاب خفاجى لتجريم نبش القبور، وتأكيد احترام الموتى واعتبر نبش القبور إهانة لعقيدة المصريين باعتبار القبر هو الدار الأبدية للفرد بعد مماته، فلماذا لا تطبق نقابة الموسيقيين ووزارة الثقافة هذا المبدأ القانونى لحماية السير الشخصية للمبدعين الراحلين من شطحات الأحياء، مالم تكن هناك وثائق أو خبطات ادبية تنتقد العمل الفنى فى «تأدب» لتصحح معارف الناس عن دينهم ودنياهم، وليست مجرد شطحات خيالية وومضات روائية، رتقها كاتبها بإتقان فى شكل رواية لقصتى المحجوبة، فجاءت وقائعها مبتورة فى معظمها على طريقة لا تقربوا الصلاة بما يشوه سمعتى الشخصية التى لا تهمنى بقدر ما تشكك المصريين فى رموزهم ومن وصفوا صوتها ذات يوم مصر تتحدث عن نفسها ومنحتموها ألقاب: صاحبة العصمة وموحدة العرب وكوكب الشرق ملهمة عظيمات مصر!

وأخيرا عزيزى السيد النقيب أرجو قبول تحياتى،

التوقيع: «أم كلثوم»


لمزيد من مقالات أنور عبداللطيف

رابط دائم: