رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ما بعد قمة الخطوط الحمراء بين بايدن وبوتين

لم تنجح القمة الافتراضية التى عقدت بين الرئيس الأمريكى بايدن والرئيس الروسى بوتين فى وضع تسوية أو تحقيق اختراق بشأن الأوضاع فى أوكرانيا, ورغم أنها ساهمت فى تخفيض منسوب التوتر الذى ارتفع مؤخرا بسبب الحشد العسكرى الروسى على الحدود مع أوكرانيا واتهام الغرب لها بالإعداد لغزو أوكرانيا, وكذلك بسبب دعم الناتو للحكومة الأوكرانية بالمعدات العسكرية المتقدمة, إلا أن القمة لم تحل الخلافات ولكنها وضعت إطارا لإدارة هذه الخلافات بشأن أوكرانيا ترتكز على مفهوم توازن الخطوط الحمراء.

فقد وضع كل من بايدن وبوتين خطوطا حمراء بشأن أوكرانيا, والتوصل إلى صفقة ضمنية تقوم على عدم قيام روسيا بغزو أوكرانيا باعتباره خطا أحمر من جانب الغرب, مقابل عدم قيام أمريكا والغرب بضم أوكرانيا لحلف الناتو باعتباره خطا أحمر من جانب روسيا, أى إبقاء الأوضاع كما هى عليه, والاستمرار فى سياسة الحرب بالوكالة بينهما من خلال دعم كل طرف لحلفائه داخل أوكرانيا, حيث تدعم روسيا المتمردين فى شرق أوكرانيا والذين يسيطرون على إقليم دونباس, مقابل دعم أمريكا والناتو للحكومة الأوكرانية ضد ما تعتبره التهديدات الروسية ومواجهة المتمردين فى الشرق, ولكن فى إطار حرص كل الأطراف على عدم الانجرار إلى الحرب المباشرة بينهما، لأنه يعنى اندلاع حرب كونية جديدة لن تكون فى صالح أحد خاصة الجانب الأوروبى فى ظل امتلاك روسيا ترسانة عسكرية ضخمة, إضافة إلى امتلاك روسيا وأمريكا السلاح النووى وهو ما يمنع إمكانية اندلاع هذه المواجهة العسكرية المباشرة على الساحة الأوكرانية.

نجحت روسيا فى إيصال رسائل لأمريكا وحلفائها فى حلف الناتو بأن ضم أوكرانيا للحلف يمثل تهديدا مباشرا لأمنها القومى, لأنه يعنى وجود قوات الناتو على الحدود الغربية المباشرة لروسيا, إضافة إلى أن عضوية أوكرانيا فى الناتو تعنى أن أى صراع بين أوكرانيا وروسيا سيكون صراعا بين روسيا والناتو فى ظل مادة الالتزام بالدفاع الجماعى عن أى دولة فى الحلف إذا تعرضت لعدوان أو تهديد عسكرى خارجى. ولذلك تبنت روسيا سياسة العصا والتصعيد سواء عبر الخطاب السياسى المتشدد, الذى يعبر عنه الرئيس بوتين, أو عبر الحشد العسكرى واستعراض القوة على الحدود مع أوكرانيا, لمنع تكرار سيناريوهات ضم دول الاتحاد السوفيتى السابق, خاصة دول البلطيق, ودول شرق أوروبا, إلى عضوية الاتحاد الأوروبى والناتو, والتى تمت عندما كانت روسيا ضعيفة, لكن روسيا الآن استعادت عافيتها السياسية والاقتصادية والعسكرية فى عهد بوتين, وتسعى لمنع ضم أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو. ولذلك فإن السيناريو الاضطرارى الذى قد تلجأ إليه روسيا فى حال إصرار الغرب على تجاوز الخط الأحمر وضم أوكرانيا للناتو هو غزو أوكرانيا أو ضم الأجزاء الشرقية منها لروسيا والتى تربطها قواسم مشتركة معها سواء من حيث اللغة أو التاريخ أو العادات, على عكس غرب أوكرانيا الذى يميل نحو عضوية الاتحاد الأوروبى والتخلى عن الإرث الروسى, ولذلك التحركات العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا, والتى حدثت من قبل فى أبريل الماضى, هى لإرسال رسائل ردع لأمريكا وحلف الناتو بأنها لن تقبل الوجود العسكرى للحلف على حدودها الغربية.

فى المقابل فإن أمريكا والناتو لا يملكان خيارات عديدة فى مواجهة تجاوز روسيا الخط الأحمر وهو غزو أوكرانيا, سوى التلويح بعقوبات اقتصادية مشددة على روسيا, وهو السلاح المفضل لدى أمريكا أى استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية ضد الخصوم, كما فعلت مع إيران وكوريا الشمالية والصين وغيرها, لكن رغم شدة وشمولية هذه العقوبات لجميع جوانب الاقتصاد الروسى إلا أنها لن تكون فاعلة فى ردع روسيا, لأن العقوبات عبر التجربة الأمريكية لم تحقق أهدافها فى الكثير من الصراعات والأزمات, كما أن الدول الأوروبية, خاصة ألمانيا وفرنسا, لا تتماشى مع أمريكا فى مواجهة روسيا عسكريا أو خنقها اقتصاديا بسبب المصالح الاقتصادية الكبيرة التى تربطها بروسيا, خاصة فيما يتعلق بأمن الطاقة وتزويد روسيا لأوروبا, بالغاز, خاصة ألمانيا التى تدافع عن الاستمرار فى استكمال خط الغاز الروسى, نورد ستريم2, دفاعا عن مصالحها الاقتصادية, وهذا الانقسام فى الموقف الغربى بين أمريكا وبعض الدول الأوروبية البارزة يمثل نقطة ضعف تستغله روسيا جيدا, حيث لوحت أكثر من مرة بسلاح الطاقة ضد أوروبا إذا ما تماهت مع الموقف الأمريكى بشأن تهديدها واستفزازها.

أوكرانيا هى إحدى ساحات صراع النفوذ الاستراتيجى بين أمريكا وحلفائها من ناحية وبين روسيا من ناحية أخرى, وهو صراع على طبيعية النظام الدولى, حيث تسعى روسيا ومعها الصين لإقامة نظام دولى متعدد الأقطاب وإنهاء نظام الأحادية الأمريكية بقيادة أمريكا والذى ساد منذ ثلاثة عقود ويعتبرون أنه أدى إلى اضطراب العلاقات الدولية, فى المقابل تستميت أمريكا للحفاظ على الأحادية القطبية وتسعى لتحجيم الصعود الصينى والروسى, وتستخدم ورقة أوكرانيا للضغط عليها, لكن روسيا لديها مقومات القوة الشاملة التى تمكنها من مواجهة الإستراتيجية الأمريكية, ولذلك سيظل صراع النفوذ والحروب بالوكالة هو السائد بين الجانبين سواء فى أوكرانيا أو غيرها من الأزمات الأخرى, فى تايوان والشرق الأوسط, دون المواجهة العسكرية المباشرة.


لمزيد من مقالات د. أحمد سيد أحمد

رابط دائم: