رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

البرد القارس والمجاعة يحاصران الفارين من الحروب

فى نهاية هذا العام، يبدو أن جائحة كورونا مازالت ماثلة بثقلها، ومخاوفها الجمة، ففى كل يوم مر خلال العامين الماضيين، بكل ثقلهما، ومخاوفهما على الإنسانية، بل الحياة، نرى مريضا، أو ضحية أكلها المرض اللعين ورحلت، ونرى تحور الفيروس، وتلاعبه بالمريض بمسببات جديدة قاتلة، وانتقاله إلى طور آخر مختلف، لا يقل وطأة، أو معاناة، على الإنسان، أو المريض، ليقف ضد المواجهة العلمية، أو التطعيمات المتنوعة، والمستحدثة، فى الحرب ضده، والتى شملت الكرة الأرضية، أو عالمنا الراهن.

فى الحقيقة أن المواجهة الإنسانية، والتقدم العلمى، والتكنولوجى، استطاع محاصرة هذا الفيروس، ومازالت خسائرنا الإنسانية- 5 ملايين نسمة، رغم أن المصابين تجاوز عددهم مئات الملايين، وهذا بمقارنة كورونا» بالإنفلونزا الإسبانية- محدودة، لكن الخسائر الاقتصادية جسيمة، وأكبر مما كان العالم يتوقع، وأثرت على دول عظمى، واقتصاداتها، ومازال الأمريكيون، والصينيون، والروس، والأوروبيون، والهنود- لم يكشفوا عن خسائرهم الناجمة عن هذه الجائحة، رغم أنه يبدو أن هناك توظيفا سياسيا لها فى الصراع الدائر بين القوى العظمى، أو العالمية على: من يحكم؟.. ومن يتحكم فى مسار العالم فى المرحلة الجديدة، أو فى نهاية نظام عالمى، وتَشَكُل نظام آخر؟.. وكيف سيكون شكل العالم بعد هذه الجائحة؟.. وقد تغير تماما عما قبلها؟.. هذا من جانب، وعلى الجانب الآخر، فإنه إذا كان العالم مشغولا بالقضايا الكبرى السياسية، أو الصراعات، فإن الصور الإنسانية المفزعة هى ما شدتنا، فى الأيام الأخيرة من هذا العام، فقد كنت لا أتصور الانسحاب الأمريكى المشين من أفغانستان، وتبعاته اللاإنسانية، وهى انهيار كابول، فى منتصف أغسطس الماضى، بعد ٢٠ عاما من الاحتلال، ولا أتصور أن أرى الأفغان، الذين خافوا، وتوجسوا خيفة، من التنظيمات الإرهابية القادمة (طالبان، أو غيرها من القاعدة، وداعش- الحاكم الجديد)، وهم يتشبثون بعجلات الطائرات الأمريكية، وأجنحتها، وهى تقوم بإجلاء الجنود، وكأنما يتطلعون إلى أمل النجاة الوحيد، وهم يدركون أنهم سوف يسقطون تحت عجلاتها، لكنهم كانوا يفضلون نوعا من الموت أفضل من الحياة تحت الإرهاب الفاشى، والقمعى، المنتظر، ومثلما توقع الأفغان، فقد وجدنا المجاعة، والأوبئة، والعنف، تسود هذا البلد الطيب، وكل المؤشرات تشير إلى بدء حركة نزوح، وهجرة مخيفة منه، تهدد كل دول الجوار، ووجدنا المنظمات الدولية تحذر من هذه الموجة الجديدة للنزوح، والمجاعة التى تنتظر هذا القُطر.

لم تكن صورة أفغانستان وحدها، الإنسانية، هى التى شغلتنا، لكن صورة الجد السورى، الذى اقتلع البرد القارس خيمته فى أحد المخيمات بسوريا، ولم يجد هذا العجوز ما يحمى به حفيدته إلا جسمه العارى، فاحتضنته لتلوذ بجسمه، ويحمى الصغيرة من البرد القارس - هذه الصورة جعلتنى أتذكر سوريا الحبيبة، التى تحولت إلى مسرح حرب لأكثر من ١٠ سنوات، ولم تبقِ نار الحرب فى سوريا، ولم تذر، حيث لا يستطيع أحد حصر الضحايا فى سوريا، على وجه الدقة، ولا المهاجرين، واللاجئين، لأنهم فى المخيمات يموتون، ويمرضون، والأطفال بلا مدارس، أو ملاجئ.. صورة مؤسفة للإنسانية، التى تتشدق بحقوق الإنسان، والديمقراطية.

تذكرت سوريا، التى قلما يجد المرء دولة ما فى أرجاء المعمورة لم تطأها قدم لاجئ سورى، وكيف لا؟.. واللاجئون هم أبرز تجليات، أو ضحايا الصراع فى سوريا، أو على سوريا، إلا أن السوريين فى مصر غير أى دولة أخرى، فهم يلقون معاملة أبناء البلد، وهم موجودون فى مدن الرحاب، و٦ أكتوبر.. وغيرهما، يبنون، ويعمرون، ويعيشون مع المصريين بلا غضاضة، أو خوف، ودون أدنى تفرقة، وذلك يحدث فى مصر مع الجميع، منذ أيام التتار، والعصابات العالمية، التى اكتسحت الإمبراطوريات العربية والإسلامية، سواء قادمة من آسيا، أو الغرب عموما.

ومن أزمة إلى أخرى، حيث نرى لبنان يعانى اقتصاديا، وحكومته محاصرة، وما ننبه إليه أن لبنان فى حاجة إلى نظرة خاصة، ليس من أجل شعبه فقط، وهو يستحق، وإنما من أجل اللاجئين السوريين، الذين دخلوا هناك مرحلة الخطر، والمجاعة، ولأن انفجار بيروت دفع باللاجئين إلى حافة الهاوية، وأن نسبة العائلات التى تعيش تحت خط الفقر المدقع بلغت ٨٩% فى عام ٢٠٢٠، والآن النسبة تسعة من أصل كل ١٠ أسر سورية لاجئة تعيش فى حالة مجاعة فعليا، وكان يجب على المنظمات العربية والإسلامية الكثيرة، والمتنوعة، أن تأخذ قضية اللاجئين السوريين، واليمنيين، بالكثير من الجدية، ولا نتركهم فى هذا الشتاء القارس، بلا مساعدات عاجلة، فهؤلاء بشر يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، وتحرك كثيف من جامعة الدول العربية، والمنظمات الإسلامية، والإغاثية المتنوعة، لتقديم المساعدات العاجلة. نريد أن نرى صورة مغايرة للوضع العربى فى المجال الإغاثى، والمساعدات الإنسانية للمهاجرين، لأن كل التوقعات تشير إلى أن شتاء العام الحالى (٢٠٢١-٢٠٢٢) سيكون صعبا على النازحين، واللاجئين، لاسيما مع تداعيات جائحة «كورونا»، وسيسهم الدعم المبكر فى تفادى الكثير من الأخطار التى ستحيط بهم، خصوصا فى أوقات البرد، وتساقط الثلوج المتوقع فى غضون الأشهر الثلاثة المقبلة، فوفقا لكل المؤشرات، وكلام مفوضية شئون اللاجئين، هناك ١٠ ملايين لاجئ سورى، وعراقى، ويمنى، منهم النازح الداخلى، أو اللاجئون فى الدول المحيطة، والأقطار المشتعلة فيها النيران، والحروب، أكثر من نصفهم بلا أى موارد، ويحتاجون إلى طعام، وشراب، وملابس، وأغطية، وخيام تساعدهم فى التعامل مع الشتاء المقبل. لقد أخذت أتفحص صورة، ومعاناة، اللجوء، والنزوح، من سوريا إلى العراق، واليمن، إلى لبنان، وقبلها أفغانستان، وهناك أزمة أخرى فى السودان، وجنوب السودان، والنزوح المخيف فى هذه المناطق، انتظارا لسياسيين جدد يتركون الحروب، والمنازعات، ويتفرغون لمواجهة الأوبئة، والمجاعات- فوجدت أن الشتاء يطالبنا بالوقوف إلى جانب الشرائح الضعيفة، وتلبية الاحتياجات الإنسانية لها، من خلال حملات الشتاء، التى أطلقتها المؤسسات الخيرية.


لمزيد من مقالات أسامة سرايا

رابط دائم: