رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الوعى الصحى والسوشيال ميديا

فى عام 1902 كانت مصر على موعد مع وباء الكوليرا الثانى، بعد الوباء الأول الذى أصابها عام 1831 ومات بسببه 150 ألف مصرى، وانتشر الوباء الثانى فى الصعيد وخاصة قرية (موشا) بأسيوط، وفشلت محاولات السلطات الصحية والإنجليز فى محاصرة الوباء وتمت الاستعانة بطلبة السنة النهائية فى كلية الطب للمساعدة، ومنهم الطالب نجيب محفوظ الذى تم تكليفه بالعمل فى محطة السكة الحديد بالقاهرة لمتابعة المشتبه فى إصابتهم القادمين من الصعيد، لكنه رفض وأصر على السفر إلى قرية موشا.

وهناك لم يكتف بدور المساعد مثل باقى الطلاب لكن لعب دورا مهما فى القضاء على الوباء، بعد رسم خريطة لكل آبار المياه الموجودة بالقرية وحولها، وخريطة أخرى لمنازل المرضى، واشتبه من خلال فحص الخريطتين فى بئر معينة بأنها السبب فى انتشار الوباء، وقام بتحليل المياه وتأكد من وجود ميكروب الكوليرا بها، وتم ردم البئر تماما بعد تطهيرها، ولم تظهر حالات جديدة فى القرية بعد ذلك، والتى تبين أن سببها صفائح ملوثة وضع بها عمدة القرية مياها من بئر زمزم خلال الحج وعاد بها لمصر، وسكبها الأهالى فى البئر تبركا بها. أصبح الدكتور نجيب محفوظ بعد سنوات من أعمدة الطب فى مصر، وخاصة فى مجال النساء والولادة، وسمى الأديب الكبير نجيب محفوظ على اسمه، وله متحف خاص بقصر العينى، لكن التاريخ لم ينس له دوره فى مواجهة وباء الكوليرا، وفى عمليات التوعية التى قام بها وسط الأهالى وساعدت فى القضاء على الوباء. ولعل هذه القصة الشهيرة تبرز الدور الكبير الذى يمكن أن يلعبه الأطباء فى نشر الوعى الصحى بين المواطنين من خلال التعامل مع أرض الواقع وقت الأوبئة، ومع ثورة الاتصالات والمعلومات التى نعيشها الآن، وخاصة من خلال شبكة المعلومات الدولية الانترنت، تتزايد أهمية هذا الدور خاصة مع سيطرة وسائل التواصل الاجتماعى (السوشيال ميديا) على الرأى العام وتوجيهه، فالطبيب هو صاحب الرأى الثقة فى مثل هذه الظروف، ويستطيع التأثير فى المواطنين أكثر من البيانات الرسمية فى أحيان كثيرة.

وقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعى تباينات عديدة بين الأطباء أنفسهم خلال أزمة جائحة كورونا الحالية، البعض خاصة من غير المتخصصين ركب الموجة وبدأ فى نشر معلومات عامة أو نقل بيانات من أى جهة أو طرح معلومات عادية يعرفها رجل الشارع العادى مع تغليفها ببعض المصطلحات الطبية وهو يعلم أنها لن تجدى نفعا، والبعض الآخر أخذ موقفا مضادا لأى معلومات رسمية عن الجائحة، فهو ضد اللقاحات وضد العلاجات الحديثة وضد الإجراءات الوقائية بدون أى سند علمى صحيح، لكن هناك عددا معقولا من الأطباء فى الوقت نفسه استغل مواقع التواصل الاجتماعى فى القيام بعملية توعية صحية للرأى العام ومتابعة كل جديد داخل وخارج مصر حول الموضوع بشكل علمى موثق بما فى ذلك أمور تهم الأطباء أنفسهم مثل تطور البروتوكول العلاجى فى الدول الكبرى، وعملية تتبع وتحليل دقيق لتطورات الجائحة فى مصر للوصول إلى نتائج تفيد صانع القرار والمريض والمواطن العادى.

من هذه النماذج الدكتور محمد إسماعيل وهو طبيب عزل وأحد المتخصصين فى علاج هذا الفيروس اللعين، والذى يقدم عبر صفحته على الفيس بوك متابعة مهمة لكل ما يتعلق بالجائحة وخاصة تطورات الوضعية الوبائية بالمحافظات من أرض الواقع، وأوقات بدء وذروة ونهاية الموجات المختلفة للجائحة بشكل دقيق، وعندما ظهر متحور أوميكرون مؤخرا، وأحدث حالة من الهلع لدى كثيرين، شرح على الصفحة بشكل علمى المبالغة الموجودة فى هذا الموضوع، وأنه ليس بالخطورة الضخمة التى يتحدث البعض عنها، وأن الأخطر منه عدم الالتزام الكامل بالإجراءات الاحترازية وعدم تلقى اللقاح. وهناك أيضا الدكتور أشرف الفقى العالم المصرى الذى يعمل لدى شركة فايزر فى الولايات المتحدة وهو عضو فريق التقييم الطبى لسلامة اللقاح الذى تنتجه الشركة، وقد خصص صفحته باللغة العربية لمتابعة كل جديد يهم المصريين فى تطورات الجائحة، والإجابة عن أسئلتهم وتقديم النصائح المهمة للأطباء والمرضى والأصحاء والسلطات الصحية، على ضوء متابعته للموقف من داخل أكبر شركة للأدوية فى العالم. وكذلك الدكتور إسلام عنان أستاذ اقتصاديات الدواء وانتشار الأمراض والأوبئة، الذى يقدم جهدا تحليليا مهما عبر السوشيال ميديا ووسائل الإعلام عن حالة الجائحة وتطوراتها والنتائج المتوقعة فى مصر والخارج، وتأثيرها على العمل والعلاقات الاجتماعية وكل مناحى الحياة. لكن كل هذا النشاط هو نتاج جهود فردية لأصحابها للمساهمة فى مساعدة المجتمع، تحتاج إلى دعم من المنظمات المدنية المختلفة وخاصة التى تعمل فى المجال الطبى وكذلك اتحاد المهن الطبية بكل نقاباته، حتى يكون لدينا جهد جماعى كبير يتفاعل مع الرأى العام من خلال السوشيال ميديا لزيادة الوعى الصحى، ومساعدة الأجهزة الرسمية فى توفير المعلومات الصحيحة للمواطنين جميعا أصحاء ومرضى، خاصة فى ظل تضارب الآراء والمعلومات الطبية فى بعض الأحيان، وانتهاز بعض الأطباء غير المتخصصين الفرصة للظهور أمام الرأى العام بآراء غير دقيقة، فى أزمة لا تحتمل مثل هذه المواقف.

إن الوعى المكتسب من خلال التثقيف الصحى، لا يعتمد على مجرد نصائح يقدمها أى فرد أو يمكن الحصول عليها من خلال مشاهدة فيديو على الإنترنت أو صفحة على مواقع التواصل الاجتماعى، لكنه يعتمد على متخصصين فى العلوم النفسية والبدنية والطبية والبيولوجية، ويستمد من كل العلوم السابقة كل ما من شأنه تحسين وتعزيز الصحة العامة والوقاية من الأمراض والتعامل مع الأوبئة والجائحة وأى تطورات تؤثر على صحة أعضاء المجتمع، ولذلك لابد من دعم وإتاحة الفرصة أمام المتخصصين فى جائحة كورونا لاستغلال السوشيال ميديا فى نشر الوعى الصحى والتفاعل مع الرأى العام بشكل علمى صحيح، للمساعدة فى مواجهة هذه الأزمة.


لمزيد من مقالات فتحى محمود

رابط دائم: