رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

رايات لأفراح زائفة

اختتمت مساء الجمعة الماضى (3/12/2021) الجولة السابعة من المحادثات النووية‪ ،‬ التى كانت قد بدأت أعمالها فى العاصمة النمساوية فيينا، يوم الاثنين (29/11/2021) وسط أجواء من الاستياء الأمريكى والأوروبى، أثر كثيراً على تقديرات الخبراء فى تحديد موعد الجولة الثامنة من هذه المحادثات التى تستهدف عودة أمريكا وإيران مجدداً إلى الالتزام بالاتفاق النووى الموقع عام 2015، والذى انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، وأعادت فرض العقوبات التى كانت مفروضة على إيران وكثفت من فرض المزيد من هذه العقوبات لإرغام إيران على القبول بالدخول فى مفاوضات جديدة ترضى واشنطن وتل أبيب، وتأخذ فى اعتبارها أربعة مطالب، أولها وضع نصوص جديدة تؤمن عدم عودة نهائية لإيران للطموح لامتلاك قدرات نووية عسكرية، وتصفية صناعة الصواريخ الباليستية الإيرانية، ومنع إيران من التدخل فى الشئون الداخلية لدول الجوار، وأخيراً إدخال إسرائيل ودول عربية خليجية كأعضاء فى الاتفاق الجديد . إيران تعى تماماً هذه المطالب وترفضها بالمطلق، وترى أن أي مباحثات جديدة تستهدف العودة إلى الاتفاق عليها أن تلتزم أولاً بنصوص الاتفاق من ناحيتين؛ الأولى المضمون وبالتحديد الالتزام فقط بالمسألة النووية دون غيرها، والثانية الأعضاء فى الاتفاق وعدم إقحام أطراف أخرى لم تكن عضواً فى الاتفاق وفرضها عضواً جديداً فيه. بهذا الالتزام ذهبت إيران إلى فيينا مجدداً، ولكن مع اختلاف مهم هو أنها ذهبت من موقع القوة ودخلت المحادثات وهى مطمئنة لما يمكن أن تؤول إليه هذه المحادثات سواء كانت نجاحاً أم فشلاً، ففى حال النجاح وقبول الأطراف الأخرى لمطالبها وشروطها، خاصة الرفع الكامل للعقوبات المفروضة عليها وتأمين الاتفاق من أى فرصة أمريكية أخرى للانسحاب منه ستدخل إلى خزانتها 200 مليار دولار على الأقل أموالاً مجمدة فى الخارج، وستعود صادراتها النفطية إلى الأسواق العالمية دون قيود، فضلاً عن المحافظة على قدراتها من الصواريخ الباليستية وإنتاج الطائرات المسيرة التى باتت أهم أسلحتها ومواصلة دورها الإقليمى، أما فى حال الفشل فإنها سوف تواصل تقدمها فى قدراتها النووية لتصل إلى 90% وعندها تفرض نفسها كقوة نووية عالمية قادرة على إنتاج السلاح النووى إن لم تكن قد أنتجته بالفعل.

إيران تراهن على "أى من الحسنيين.. النجاح أو الفشل"، عكس الأطراف الأخرى التى بدت عاجزة عن أن تقول نعم أو تقول لا للمطالب الإيرانية التى عرضت فى جلسات المحادثات طيلة الأيام الخمسة، التى جرت فى فيينا الأسبوع الفائت، على النحو الذى عبر عنه الأمريكيون والأوروبيون وعلى النحو الذى أطاح بقدرة إسرائيل على قبول ما يحدث، وجعلها تتحدث هذه الأيام وعلانية ودون قيود عن "خيار الحرب العسكرية" لتدمير القدرات النووية الإيرانية وكشف خفايا ما يحدث من استعدادات لذلك الخيار، فى حال من اليأس من التعويل على الحليف الأمريكى بعدم الذهاب إلى هذه المحادثات، انطلاقاً من رفض إسرائيلى مطلق لذلك الاتفاق النووى الذى تهدف تلك المحادثات إلى العودة إليه .

بهذا المعنى نستطيع أن نقول إن محادثات فيينا دخلت إلى "عدم اليقين" وهذا ما كانت تأمله إسرائيل التى تحولت من تعمد تشويه عملية المحادثات ورفض العودة إلى الاتفاق النووى وتحذير الحلفاء من ذلك، بدأت الآن مرحلة منع العودة مجدداً إلى المحادثات والتأكيد على أن "إيران لا تريد إلا إنتاج السلاح النووى" على نحو ما جاء على لسان رئيس الموساد ديفيد برنياع وتصريحاته التى تعهد فيها بمنع إيران بكل الطرق والوسائل من إنتاج أسلحة نووية وقوله إن "إسرائيل ترى أن زيادة إيران نسبة التخصيب لأكثر من 60% لا تعنى إلا أمراً واحداً هو إنتاج رؤوس نووية، أو أنها خطوة ابتزاز نووية لرفع العقوبات".

حديث "الحرب الكبرى" أصبح طاغياً الآن فى إسرائيل وعلى لسان كبار المسئولين وفى مقدمتهم وزير الحرب بينى جانتس ورئيس أركان الجيش الجنرال أفيف كوخافى ، بينى جانتس نقلت عنه صحيفة "يديعوت احرونوت" قوله "انه قد لا يكون هناك مفر من ضرب إيران.. ونحن مستعدون لهذا الاحتمال" مشيراً إلى أن اللجنة الوزارية للتسلح صادقت على شراء أسلحة وذخائر جديدة"، أما الجنرال كوخافى فقد نقل عنه موقع "واللا Walla" العبرى الاستخبارى قوله "بدأنا بالموافقة في الأسابيع الأخيرة على أجزاء كبيرة من الخطط العملياتية لمهاجمة المنشآت النووية فى إيران".

السؤال المهم الآن هو: هل تستطيع إسرائيل شن تلك الحرب وحدها فى ظل تردد إدارة الرئيس بايدن عن التورط فى حروب فى الشرق الأوسط تؤثر سلبياً على التركيز فى الصراع المتصاعد مع الصين حول تايوان ومع روسيا فى أوكرانيا، وإذا تورطت إسرائيل فى شن الحرب هل ستكون المحصلة فى النهاية مكاسب أم خسائر بل خسائر فادحة؟ بسبب عمق الخلافات بين تل أبيب وواشنطن حول قرار الحرب ضد إيران من المقرر أن يذهب كل من بينى جانتس وزير الحرب ودافيد برنياع رئيس الموساد إلى واشنطن خلال أيام لحل الخلاف حول الموضوع والحصول على ضوء أخضر أمريكى، لكن يبقى سؤال إلى أين ستقود الحرب إسرائيل؟ أجاب عن هذا السؤال الكاتب الإسرائيلى أمير نيفون فى صحيفة "هآرتس" بشكل غير مباشر بحديثه عن أن احتفالات إسرائيل بانسحاب أمريكا من الاتفاق النووى عام 2018 كانت "احتفالات كاذبة" وأن تصوير بنيامين نيتانياهو وحكومته هذا الانسحاب على أنه انتصار كان "تصويراً مخادعاً وكاذباً" بدليل أن إيران هى المستفيد الأول الآن من هذا الانسحاب بشهادة الجميع فهى استفادت من الانسحاب الأمريكى وضاعفت قدراتها وتدخل التفاوض الآن أكثر قوة. المشابهة ليست بعيدة بين احتفالات ورايات النصر المخادعة بالانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى وتصويره على أنه انتصار لإسرائيل رغم أنه أضحى انتصاراً لإيران، وبين أكاذيب الانتصارات التى تروج الآن لحرب قد تكون خاسرة ضد إيران على نحو ما كانت خسائر انتصارات الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى، وحتماً ستكون رايات لأفراح زائفة يعي الإسرائيليون حقيقتها من الآن وقبل أن تبدأ.


لمزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس

رابط دائم: